جاء في حديث ثوبان وغيره الوعيد الشديد على من أَمَّ الناس في الصلاة وخص نفسه بالدعاء دونهم «إذا أم أحدكم قومًا فلا يخص نفسه بالدعاء»، «لا يؤمن أحد قومًا فيخص نفسه بالدعاء»، ويعارضه ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله: «اللهم باعد بيني» هذا إفراد، خص نفسه بهذا الدعاء، ولم يقل: (باعد بيننا)، وحديث: «اللهم باعد بيني» في الصحيحين، وذاك حديث حسن، فلهذا ابن خزيمة لما رأى أن المعارِض والمعارَض بينهما بَون في الثبوت، حكم على الحديث الآخر بأنه موضوع، لأنه مخالف لما ثبت في الصحيحين، لكن إذا أمكن الجمع، والإسناد لا بأس به، لا داعي إلى الحكم بالوضع؛ لأن الجمع ممكن، والنظر في المعارضة تأتي بعد تعذر الجمع.
وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: تخصيص النفس بالدعاء المراد به الدعاء الذي يُؤمَّن عليه، أما دعاء الإمام الذي لا يُؤمِّن عليه المأموم فلا مانع من أن يخص نفسه بالدعاء، فلا مانع أن يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي» ويدعو لنفسه في السجود ويدعو بين السجدتين ويقول: «اللهم اغفر لي» كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيخص نفسه بالدعاء الذي لا يُؤمَّن عليه. ولا يُعقَل في دعاء القنوت مثلًا أن يقول الإمام: «اللهم اهدني فيمن هديت، اللهم عافني فيمن عافيت» والمأموم يقول: (آمين)، هذا لا يجوز بحال، بل قد يتصرف بعض المأمومين بما يبطل صلاته، لا سيما من عُرِف بشيء من الحمق، ففي مثل هذا الدعاء الذي يؤمن عليه، لا يجوز تخصيص الإمام نفسه بالدعاء.
أما السخاوي وجمع من أهل العلم فيرون أن الدعاء الذي لا يجوز تخصيص الإمام نفسه به، هو الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام والمأموم في الصلاة، إضافةً إلى ما في دعاء القنوت، فالذي لا يشرع لكل مصلٍّ لا يجوز للإمام أن يخص نفسه به، فإذا جاء بدعاء لم يُشرَع أصله في الصلاة، من الدعاء المطلق، في السجود مثلًا أو بعد أن يستعيذ بالله من أربع، يتخير من المسألة ما شاء، فلا يجوز له حينئذ أن يخص نفسه بالدعاء.
لكن كأن رأي شيخ الإسلام -رحمه الله- أوضح.