قال الزمزمي عن منظومته في التفسير: «فهذه مثل الجمان عقد» وهذا منه مدح لمنظومته، لكن قد يقال: إن مدح الناظم لمنظومته هو مدح لنفسه في حقيقة الأمر، لأن مدح الأثر مدحٌ للمؤثر، فإذا مدحت كتابا فأنت تمدح مؤلفه ضمنًا، والجواب على هذا:
أن ما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، فاللَّه جل جلاله يقول: {فلا تزكوا أنفسكم} [النجم: 32]، وتزكية الكتاب تزكية لصاحبه بلا شك، لكن المظنون بأهل العلم أن مرادهم بذلك إغراء طالب العلم للإفادة من علمهم لتجري عليهم الأجور، وفي الحديث الصحيح: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» [مسلم (1893)]، وفي الصحيح أيضا: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث -منها- أو علم ينتفع به» [مسلم (1631)]، وهذا الأجر يبقى ويتسلسل إلى قيام الساعة، فكل من يستفيد منك لك أجره، ومثل أجر الذين يستفيدون منه وهكذا، وفضل اللَّه جل جلاله لا ينتهي، ولا حدّ له.
وهذا النوع من المدح يستعمله ابن القيم كثيرًا فتراه إذا بحث واستطرد في مسألة وبيّنها ووضحها وأفاض وأجاد فيها قال: «فلعلك لا تظفر بها في مصنف آخر البتة» [مدارج السالكين 1/242] يفعل هذا من أجل أن يغري طالب العلم بما كتبه ليفيد منه، وهذا هو المظنون بأهل العلم، وأما ما تنطوي عليه القلوب فاللَّه أعلم به.