جاء رجل من العراق أو من الشام كما في صحيح مسلم يسأل ابن عمر رضي الله عنهما عن مسألة في المناسك، فقال: «اذهب إلى ابن عباس»، وابن عباس رضي الله عنهما كان ندًّا لابن عمر رضي الله عنهما، ونظيرًا له في السن، وعند ابن عمر رضي الله عنهما من الجوانب ما لا توجد عند ابن عباس رضي الله عنهما، والعكس أيضًا، يعني: جانب العلم في ابن عباس رضي الله عنهما أظهر، وجانب العمل والعبادة في ابن عمر أظهر، ولذلك قال السائل لما قال له ابن عمر رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم: «اذهب إلى ابن عباس، فقال: أنت أحب إلينا منه، رأيناه قد فتنته الدنيا، فقال: وأينا -أو أيكم- لم تفتنه الدنيا؟» [البخاري (1233)].
فالناس عامة يثقون في العالم الذي لا يتوسع في أمور دنياه، وحاشا أن يقول قائل: إن ابن عباس رضي الله عنهما ارتكب محرمات، وجلب الأموال من غير حلها، أو صرفها في غير حلها، كلا، وحاشاه من ذلك ومما هو أدنى منه، لكنه توسع في الدنيا أكثر من ابن عمر، وابن عمر شدد على نفسه في التحري والورع، والتثبت، ولا يعني هذا أن مقابله متساهل، فابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن، لكن عامة الناس تجدهم يثقون في صاحب العمل أكثر من غيره، وإن كانوا لا يميزون أيهما أعلم، والرجل السائل لابن عمر رضي الله عنهما لا يدري أيهما أعلم، لكن شهرة ابن عمر رضي الله عنهما في تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، جعلته راجحًا عند هذا، وإلا فلا شك أن ابن عباس أعلم من ابن عمر رضي الله عنهم.