أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه ستقع في هذه الأمَّة الفتنة التي تموج كما يموج البحر، وأن دونها بابًا يُكسَر [البخاري (525)]، وهو مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قُتِلَ رضي الله عنه فتتابعت الفتن بعده، ثم جاءت فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وإذا أراد المسلم أن يعلم الخطورة البالغة للفتن فليقرأ عن يوم الدار، فقد قُتِلَ رضي الله عنه وقد مضى على وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم قُرابة ربع قرنٍ، فقُتِل رضي الله عنه وهو صائم يتلو القرآن في بيته، وهو خيرُ الصحابة بعد أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، ذو النورين أحد المبشرين بالجنة، يقتل بين ظهراني الصحابة؛ ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا! من يتصور هذا الأمر المهول؟! لكنها الفتن!
وقد آثر بعض الصحابة العزلة لما قُتِلَ عثمانُ رضي الله عنه، فعن عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره، فقال: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحبُّ العبدَ التقيَّ، الغنيَّ، الخفيَّ» [مسلم (2965)]، وقد تعرَّب -أي: لحق بالبادية- سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بعد مقتل عثمان رضي الله عنه كذلك، فعن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع: أنه دخل على الحجاج فقال: «يا ابن الأكوع، ارتددت على عقبيك، تعربت؟»، قال: «لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو». وعن يزيد بن أبي عبيد، قال: «لما قتل عثمان بن عفان، خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة، وتزوج هناك امرأة، وولدت له أولادًا، فلم يزل بها، حتى قبل أن يموت بليالٍ، فنزل المدينة» [البخاري (7087)، ومسلم (1862)].