شرح المقدمة من نونية ابن القيم - (06)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فالمؤلف –رحمه الله تعالى- في مقدمة هذه المنظومة العظيمة في تقرير الأسماء والصفات، والرد على أصناف المبتدعة المُنكِرة النافية لهذه الأسماء وهذه الصفات أو بعضها، في المقدمة التي في أولها النثرية التي تقع في عشر صفحات أو تزيد أو تنقص قليلًا أبدع المؤلف –رحمه الله تعالى-، وأفاد وأجاد، وذكر لطلاب العلم ما يُعيدهم إلى معرفة أهمية هذا الفن، وأنه أقرب ما يكون وأنفع ما يكون للقلوب؛ لأنه يتعلق بمعرفة الله -جلَّ وعلا-، وذكر أن شرف العلم بقدر شرف المعلوم، ولا أشرف ولا أعظم من الله- جلَّ وعلا-.
وأيضًا شرفه بقدر ما تمس إليه الحاجة، ولا أحوج للمسلم من معرفة الله –جلَّ وعلا-؛ لأنه إذا عرف الله –جلَّ وعلا- خافه ورجاه واتقاه، كما قال أهل العلم: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، ولذا تجد الغفلة –مع الأسف الشديد- موجودة في عامة المسلمين، وقد تُوجد في بعض الخواص الذين لا يُولون هذا العلم ما يُناسبه من الاهتمام، كثيرٌ من طلاب العلم يهتم بالفقه العملي، هذا العلم الذي بين أيدينا وما يتعلق بأنواع التوحيد لا شك أنه هو الفقه الأكبر عند أهل العلم.
والعلم بالفروع لا شك في أهميته؛ لأن المسلم يجب أن يعمل بما أمره الله به، ولا يُمكن أن يعمل بما أُمِر به حتى يعرف حدود ما أُمِر به، فأهميته من هذه الحيثية.
أما ما يتعلق بالتوحيد، وما يتعلق بجناب الله –جلَّ وعلا- من أنواع التوحيد الثلاثة، فهذا شيءٌ آخر، ولذا نبَّه المؤلف –رحمه الله تعالى- في هذه المقدمة النفيسة، تجد بعض طلاب العلم –مع الأسف- ما يهتم للتوحيد ويُعطيه ما يُناسبه من القدر والأهمية.
أذكر بِيعَت مكتبة قبل سنين طويلة، فاشترك فيها اثنان، وكان من الكُتب التي فيها كتاب (الإنصاف) وكتاب (جامع الأصول)، فتنازعا على الإنصاف، مع أن جامع الأصول هو الفقه المُستمد من السُّنَّة، ولا تجدهم يهتمون كثيرًا بكتب العقيدة؛ زعمًا منهم أن هذه الكُتب كانت موجودة وهذه الفِرق التي في هذه الكُتب بيانها والرد على أهلها كانت موجودة في عصر السلف وانتهت.
الكلام هذا ليس بصحيح، وسمعناه كثيرًا، هم موجودون إلى الآن أحيانًا بأسمائهم، وأحيانًا بأوصافهم، ومع الأسف أنه في دروس المشايخ أحيانًا يُقرأ في فنونٍ متعددة، فإذا جاءت القراءة في العقيدة خرج بعضهم؛ لأنه يزعم أنه محتاج إلى الحديث، ومحتاج إلى الفقه، وأما العقيدة فأخذ منها ما يكفي، فليس بحاجةٍ على الإيغال فيها، وبعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك، وأن التوسّع في هذا الباب قد يُفتِّح له أبوابًا يلج منها الشيطان عليه، وهذا الكلام كلام شخص إما جاهل لا يعرف حقيقة الأمر، أو مُغرض في نفسه شيء على أهل التحقيق وأهل السُّنَّة.
يقول –رحمه الله تعالى-: " فإن الله جلَّ ثناؤه وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يُكرِم عبده بمعرفته" ويجمعَ قلبه على محبته، شرحَ صدرهُ لقبول صفاته العُلى، وتلقّيها مِن مشكاة الوحي"، هي ما تُؤخذ إلا من مشكاة الوحي، لا يُوصَف الرب –جلَّ وعلا- إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
"فإذا ورد عليه شيءٌ منها قابلهُ بالقبول" وفرح به، الآن لو تقف على كتاب يُعرِّفك بشيءٍ من أمور الدنيا أو بغذاءٍ من الأغذية، وأنه ينفع لكذا، وينفع كذا، ويدفع من الضرر كذا، ويفعل كذا، طِرت فرحًا وهو يُعرِّفك بفائدة هذا الغذاء، تفرح به؛ لأنه عرَّفك بشيءٍ ينفعك، فكيف بمن يُعرِّفك بما أنت أحوج إليه من النَّفَس من الطعام والشراب، وبيده كل شيءٍ تحتاجه؟
"فإذا ورد عليه شيءٌ منها قابلهُ بالقبول، وتلقّاه بالرضا والتسليم" ما يُناقش، فقدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم.
"وأذعن له بالانقياد" ما يقول: والله أنا سأنظر وأتريث، كما هو المقرر عند أهل البدع أن أول ما يجب على المُكلَّف النظر أو القصد إلى النظر عند بعضهم أو الشك، يقول: ما تصل إلى حقيقة حتى تشك، ثم إذا بحثت وصلت إلى الحقيقة.
"قابلهُ بالقبول، وتلقّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد، فاستنار به قلبه"، وهذ جزءٌ مما أُمِرنا به من تدبر القرآن، ومعرفة معانيه.
فَتدبَّرِ القُرآنَ إن رُمتَ الهُدى |
|
فالعِلمُ تحتَ تَدبُّر القُرآنِ |
لأنك إذا مررت على الآية وهي متعلقة بشيءٍ من هذا الباب ما أدركت شيئًا أو غيره من أبواب الدين.
"فاستنار به قلبه، واتسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة" الآن لو أن الإنسان صرف جهدًا كبيرًا ووقتًا كثيرًا في معرفة الأسماء والصفات ومعانيها من خلال ما جاء عن الله وعن رسوله تحصل له الوحشة حين الانفراد، الحاصلة لكثيرٍ من الناس الآن؟ الآن لو الإنسان جلس في بيته وليس بين يديه عمل ينشغل به، وأهله الذين يحصل بهم الأُنس خارج البيت، أو جلس ينتظر شخصًا، قال: أنا بعد الصلاة بساعة سآتيك، تأخر ساعتين، الساعة الثانية كم طولها؟ لكن لو عرف هذا الباب، وتعامل معه كما يجب لأَنِس بالله، فصار أُنسه بالله جنته في الدنيا، والله المستعان.
"وعلِمَ أنه تعريفٌ مِن تعريفات الله تعالى" فتح من الله –جلَّ وعلا-، فتح بينك وبينه بابًا كان مُغلقًا؛ فأنِست به وفرحت بالخلوة به.
"تعرَّف به إليه على لسان رسوله" أو في كتابه "فأنزل تلك الصفة مِن قلبه منزلة الغذاء أعظم ما كان إليه فاقة، ومنزلة الشفاء أشدّ ما كان إليه حاجة" هذا عند مَن؟ عند أهل السُّنَّة والجماعة الذين يؤمنون بما جاء عن الله وعن رسوله على مراد الله ومراد رسوله.
أما بالنسبة لأهل البدع المُعطِّلة الذين لا يُثبتون شيئًا من ذلك، أو يُثبتون بعضًا دون بعض يجعلون الظاهر غير مراد، هذا الكلام الذي نفهمه من خلال لغتنا، وما جاء عن نبينا –عليه الصلاة والسلام-، وعن صحابته الكرام، يقولون: هذا ليس المقصود، والكلام ليس على ظاهره، كيف يتلذذون بهذا الكلام؟!
وأنا ذكرت في درسٍ مضى وفي مناسباتٍ كثيرة أن الخطر على أولئك النُّفاة يكمُن في جهلهم التام بالله –جلَّ وعلا- كيف يعرف الله من لا يعرف أسماءه ولا صفاته، أو يُنكِر أسماءه وصفاته؟! من يُنكِر ذلك كيف يعرف؟! يجهل هذه الأسماء، ويجهل هذه الصفات، والناس أعداءٌ لما يجهلون، فإذا جاء الرب –جلَّ وعلا- بصفته التي يعرفونها سجدوا له كما في الحديث الصحيح؛ ولذلك الجهمي ومن يُنكر الصفات كالمعتزلة أو بعض الصفات كالأشعرية هم يعرفون هذه الصفات؟ يعرفونها وهم يجحدونها ويُنكرونها؟ والله خطر عظيم، من أعظم الأخطار التي تُحيط بهم وتُحدق بهم.
"فاشتد بها فرحُه، وعظم بها غناؤه، وقويت بها معرفته" القلب ينشرح، عند انفتاح المغاليق لا شك أن القلب ينفتح، ويشتد الفرح، هذا إذا كان في مسائل من مسائل العلم المعتادة في أبواب الدين التي ليست بمنزلة هذا الباب العظيم، عندك مسألة مُشكلة عليك في أي باب من أبواب الدين، ثم بعد ذلك وجدت حلها في كتاب أو على لسان عالم أو شيء من هذا تفرح بها.
ابن حجر –رحمه الله- يُريد أن يُصحّح حديثًا جمع من طُرقه ما لا يصل إلى حد الصحة، ثم بعد ذلك وجد طريقًا يرتقي به الحديث إلى درجة الصحة، فقال: الحمد لله، ثم الحمد لله، كررها سبع مرات؛ فرحًا بذلك، وهذا شيء تجدونه من أنفسكم؛ لأنك إذا أشكل عليك مسألة ثم انحلت تفرح بذلك، إلا إذا كنت ممن يُساوي العوام في عدم التفريق بين أن تفهم أو لا تفهم.
"وقويت بها معرفته، واطمأنت إليها نفسه" يرتاح ويطمئن قلبه، وأكثر من ذِكر الله –جلَّ وعلا-، وبذِكر الله تطمئن القلوب، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] لا سيما إذا ذكره بأسمائه مع معرفة معاني هذه الأسماء وما تقتضيه هذه الصفات، فإن القلب ينشرح ويطمئن ويُسَر بذلك سرورًا عظيمًا، بخلاف رأس أو من رؤوس المبتدعة ابن عربي صاحب (الفتوحات، والفصوص) وغيرها من كُتب الضلال، يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب. يعني هل يُتصوَّر أن إنسانًا مسلمًا يقول: لا إله إلا الله، يصل إلى هذا الحد يُمكن؟
ألا بذكر الله...
طالب: .............
يقصد ما يقصد، عندنا قرآن وعندنا كلامه، ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب. مهما تأوَّل له أصحابه وأتباعه الذين يُحسنون الظن به، ويرجموننا بأننا لا نفهم.
في درس بالمدينة قبل خمسة عشر سنة، وتعرَّضت لمثل هذا الكلام وإلا واحد يكتب، يكتب ورقة من وجهين بكلامٍ طويل آخر ما قاله: وأنت وشيخك ابن تميمة وغيركم لا تفهمون كلام هذا الإمام. وهم تأوَّلوا، أتباعهم تأوَّلوا مرادهم بذلك، لكن هذا الكلام يقبل التأويل؟ ألا بذكر الله تزداد الذنوب؟!
طالب: ..............
هذا الطمس، طيب متى يُتصوَّر أن مسلمًا يقول: لا إله إلا الله، ويقول: سبحان ربي الأسفل في السجود؟!
يا إخوان، على المسلم لاسيما طالب العلم أن يكون حذرًا من أن يُستَدرج شيئًا فشيئًا، حتى يقع في شيءٍ ما يتصور أنه سوف يقوله في يوم من الأيام، ولذلك على الإنسان أن يأخذ بالاحتياط، ويجعل لنفسه سياجًا يمنعه من هذا الانحدار.
هذا إبراهيم الخليل الذي حطَّم الأصنام، يقول: إبراهيم مَن؟
طالب: ..............
إبراهيم التيمي، ومن يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم، والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ».
"واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه" بعض شيوخنا المتخصصين في العقيدة الذين يُدرِّسون مثل هذا الكلام يبكون من قراءة التدمرية أكثر مما يبكون من كتاب الرِّقاق في صحيح البخاري ورأيناهم وسمعناهم، لماذا؟ لأنهم أدركوا حقيقة الأمر، وأن هؤلاء الذين نفوا تنقَّصوا الرب –جلَّ وعلا-، تنقَّصوه، وصار يعبد العدم، لا شيء، ومع الأسف أنهم يُوصَفون بأعظم الأوصاف من الذكاء والنبوغ، يعني إذا ذُكِر الرازي أو الآمدي أو غيرهما من الأئمة المعروفين المشهورين بالذكاء والعبقرية بعض الناس ترتعد فرائصه هيبة، لكن من الذي ينفعه الذكاء مع وجود الزكاء كما قال شيخ الإسلام: أوتوا ذكاءً، ولم يُعطوا زكاءً.
وفي ترجمة ابن عربي من كتاب (الميزان) للحافظ الذهبي، يقول: والله إن العيش خلف أذناب البقر خيرٌ من علم ابن عربي وأمثاله. يعني فلاح جالس، فلاح يسوق البقر التي تجر الماء من...
طالب: .............
هو قال في تفسير سورة الشورى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] يقول: ألَّف في أعضاء الله شخصٌ يُدعى محمد بن إسحاق بن خزيمة كتابًا سمَّاه (كتاب التوحيد)، وهو حريٌّ بأن يُسمى كتاب الشِّرك، ابن خزيمة هذا الذي يُدعى ابن خزيمة، أئمة الإسلام ممن جاؤوا بعده يُسمونه إمام الأئمة.
طالب: .............
نعم؟
طالب: .............
على كل حال نسأل الله الثبات.
طالب: .............
هم اعتمدوا غير ما أُمِروا به من تدبر الكتاب والسُّنَّة والتفقّه منهما، وتعوّضوا بعلوم الأقدمين يُسمونها الفلسفة والمنطق، تجد عمدتهم ومُعوَّلهم على أرسطو وغيره، ثم بعد ذلك مَن يُسمَّون فلاسفة الإسلام –مع الأسف- ابن سينا، وابن رُشد وغيرهما.
طالب: .............
هذا كلامه، لكنه ندم وتاب، والرازي ذُكِر عنه توبة وندم، وأنهم لم يُحصِّلوا من علومهم شيئًا، وبعضهم صرَّح بأنه يموت على دين عجائز نيسابور، كل العلم الذي يتعبون عليه هذا هباء منثور.
"فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته بين رياضها وبساتينها" أسام من السوم: وهو الرعي، السائمة بهيمة الأنعام التي ترعى، والتي تجب فيها الزكاة التي ترعى الحول أو أكثر الحول هذه السائمة.
وهنا يقول: "وأسام عين بصيرته بين رياضها وبساتينها؛ لتيقنه" ما الذي دعاه إلى ذلك؟ دعاه إلى ذلك تيقُّنُه بأن شرف العلم تابعٌ لشرف معلومه، الآن الذي يقرأ ويُحاول أن يفهم مثلًا من كُتب الأشعرية (شرح المواقف) في ثمانية أجزاء، وهو مبني على علم الكلام من أوله إلى آخره، وفيه وُعُورة وصعوبة، وكما قال شيخ الإسلام: كمثل لحم جَملٍ غثٍّ على رأس جبل، تعب ليس وراءه أرب، وما أسهل العلم إذا أُوتي من أبوابه، وبُني على كتاب الله وسُنَّة نبيه- عليه الصلاة والسلام-.
"وأسام عين بصيرته بين رياضها وبساتينها؛ لتيقنه بأن شرف العلم تابعٌ لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى"، يعني إذا قارنت مثلًا في كُتب التراجم والسير كونك تدرس سيرة النبي –عليه الصلاة والسلام-، أو تدرس سير العلماء بكافة أنواعهم من مفسرين ومُحدثين وفقهاء وغيرهم، أو تدرس سير الأدباء بما عندهم، شرف العلم تابعٌ لشرف المعلوم، هل دراستك لسيرة النبي –عليه الصلاة والسلام-، والمعلوم منه محمد –عليه الصلاة والسلام-، أو تدرس سير، الآن فيه مجلدات عن سير لبعض الناس مثلًا من أدباء، وفُتِن الناس بكتب التراجم، وكُتب الرحلات والذكريات والمذكرات، وصارت ديدن كثيرٍ من الناس، لكن ما النتيجة؟ النتيجة لا شيء، تعرف عن هذا الشخص كل ما قال عن نفسه، ثم ماذا؟ بينما كُتب السيرة النبوية كثير من طلاب العلم لا يولونها أدنى اهتمام.
سيرة ابن هشام قرأتها أنت كاملة؟
طالب: ..............
جزاكم الله خيرًا.
لكن ما تجد أكثر... يعني سيرة ابن هشام اختُصِرت واعتُصِرت، وحُذِف منها ما حُذِف، وتبقى هي الأصل السير، كُتب السيرة كثيرة جدًّا، لكن من أهم ما كُتِب في السيرة على اختصاره الشديد كتاب الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب؛ لأنه يربط أخبار السيرة وأحاديث السيرة بالعقيدة، يربط الأخبار وما جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- في حله وترحاله، في غزواته، في حجِّه، في صيامه، في جميع أموره يربطها بمسائل الاعتقاد، ومن هنا جاءت أهميته، وإلا فكُتب السيرة فيها ما هو أكثر من عشر مجلدات مطوَّلة، وفيها تفاصيل وفيها أشياء، وفيها أخبار بعضها يصح، وبعضها لا يصح.
من كُتب السيرة التي تربط سيرة النبي –عليه الصلاة والسلام- بالنص والدليل والاستنباط ما جاء في (زاد المعاد) لابن القيم، هذا أيضًا مهم جدًّا.
"شرف العلم تابعٌ لشرف معلومه"، طيب لا مانع أن تقرأ بعض الأشياء للاستجمام أو مجرد الاطلاع، أو لترتاح من باب: «روِّحوا القلوبَ ساعةً بعد ساعةٍ»، يعني مذكرات أو الأيام لطه حسين ثلاثة أجزاء مثلًا، ماذا تعرف في النهاية؟ أو حياتي لأحمد أمين أو غيرهم من هؤلاء الأدباء، عندهم أساليب، وعندهم طرائف، يكتبون بأساليب جذابة، وأحيانًا قد يتفوهون ببعض ما يفعلونه مما لا يجوز فعله، وقُل مثل هذا في سائر كُتب الأدب، لكن على قوله بأن شرف العلم تابعٌ لشرف المعلوم، في الأيام لطه حسين من هو المعلوم؟ هو، يعني هل هذا يُقارن أو فيه وجه مقارنة بينه وبين أي كتاب من كُتب السيرة المختصرة؟
"ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن شرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه" يعني شرف العلم لأمرين:
الأول: شرف المعلوم.
الثاني: الحاجة إليه.
طيب قد تكون الحاجة إلى هذا العلم تحصيل أمر دنيا، وأنت بأمسِّ الحاجة إليه، شرفه بقدر ما يؤدي وما يُثمره هذا العلم.
"وأن شرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه" يعني ما عدا ذلك ضياع، تقرأ كتابًا من مجلداتٍ كثيرة وهو لا يتعلق بالله –جلَّ وعلا- ولا بنبيه، ولا بشيءٍ حثَّ عليه الدين والإسلام، وأيضًا ما تدعو إليه أدنى حاجة، لكن قد تجد في ثناياه من بين هذه المجلدات الكثيرة العشرة والعشرين فائدة، فائدتين، عشرًا، مائة، لكن بعض الكتب كل سطر فيه فائدة، وأنت إذا أردت أن تعرف مقدار هذا، هل إذا قيل لك: إن تجارة الغنم مثلًا تكسب في كل رأس خمسة ريالات، تجارة السيارات تكسب في كل سيارة عشرة آلاف، أين تذهب؟
طالب: السيارات.
ما فيه شك.
فأنت وأنت تقرأ ... دعنا من قراءة كُتب التواريخ والأدب وغيرها من أجل الاستجمام وراحة النفس، هذا شيء آخر، لكن تعتمده ويكون هو ديدنك وهو اختصاصك، وهو تُمضي عليه عمرك كله كما هو حاصل من بعض الناس، فضلًا عن أن يكون الأدب بغير العربية؟ ومع الأسف أنه يُوجد من بناتنا من يُسافر إلى بلاد الغرب؛ ليدرس أدبهم، الأولاد يعني أمرهم أسهل... والله المستعان.
طالب: ..............
تعرف شيئًا بالأدب الفرنسي أنت؟
طالب: ..............
ليس بلازم لنا، والله أغنانا بكتابه وسُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام- أنا أقول: إن في بعض الكتب، وإن كانت قليلة الأثر فيها ترويح للنفس، وفيها عبرة واتعاظ مثل كُتب التواريخ هذه تُقرأ، ولا يُجعَل لها مثل ما نقول ونتداول يُجعَل لها سنام الوقت، يُجعَل لها أوقات الضياع، وأنت تنتظر، وأنت...
طالب: ..............
نعم.
"وأن شرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجةُ الأرواح قط إلى شيءٍ أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها" إلى معرفة خالقها ومُوجِدها وفاطرها، الفاطر: الذي يبتدئ الشيء، "هي بئري أنا فطرت" يعني: ابتدأتها، وابن عباس لما قرأ في أول سورة فاطر.
طالب: ..............
نعم أولها، لكن الكلام على اللفظ فاطر، أشكل عليه في أول الأمر حتى سمع أعرابيًّا يقول، ماذا يقول؟
طالب: ..............
نعم تخاصم عنده أعربيان، فقال: أنا فطرتها، يعني: أنا الذي بدأتها.
طالب: ..............
نُقِل عنه نعم، حتى شيخ الإسلام نقل شيئًا من هذا.
طالب: ..............
هو كلامه أنه يموت على عقيدة العجائز خلاص.
طالب: ..............
لا، تراجع عن عقيدته، وأن تضييع عمره في علم الكلام وما يتعلق به، انظر كلام شيخ الإسلام في (الحموية) ذكر شيئًا.
"أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبته وذِكره والابتهاج به" يعني: الفرح "وطلب الوسيلة إليه، والزلفى عنده" الزلفى: القُربى والدرجة {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3].
"ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه" الذي ما تعرف أوصافه ولا أسماءه نعم مجهول، وقديمًا قيل: الناس أعداءٌ لِما يجهلون، فكيف تُحبه والجهالة غطَّت على قلبك، حتى جعلتك من أعداءه.
"فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف" ولذا يقول النبي –عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: «وَأَعْلَمَكُمْ وأَتْقَاكُمْ» في: «لأنا» في آخر بعض الروايات.
طالب: ...........
في الحديث تقديم وتأخير.
"فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف" ويتردد في كلام أهل العلم مثل هذا، وهو من كان بالله أعرف كان منه أخوف؛ لأنك كما تعلم أنه واسع المغفرة، وأنه غفورٌ رحيم، تعلم أنه شديد العقاب.
طالب: .............
هذا أسلوب عند المتصوفة.
"وله أطلب" يعني يطلب الله –جلَّ وعلا- ويطلب رضاه، ويطلب محبته وما يُقرِّب إليه.
"وإليه أقرب" «مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِرَاعًا» الحديث.
"وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل" يعني مثل المعرفة عند الناس على حسب اهتماماتهم وتخصصاتهم، يعني من يعرف الحديث برواياته وبرجاله وبجميع ما قيل فيه، وبجميع ما رُوي في الباب يصير عنده مَلكة، أولًا: هو يُحب هذا الفن بسبب أنه لا يعسر عليه شيء، ولا يصعب عليه شيء؛ لأن الكُره بسبب ثِقله على النفس، من تعلم العلم وعرفه، وأدام النظر فيه عرفه، وانحلت له إشكالاته، وقديمًا قالوا: الباب إذا لم تُجمَع طُرقه لم يتبين خطؤه، فإحاطة المُحدِّث بروايات هذا الخبر وبرواته وبجميع ما قيل فيهم لا شك أنه ينشرح قلبه، ويُحبه محبةً شديدة، ويُديم النظر فيه، بينما شخص يسمع أن هناك حديثًا، وأن هناك عشرات الألوف من الرواة، ولا يبدأ بمزاولة تعلم هذا العلم والإيغال فيه يكره هذا العلم، يقول: علم شديد وشاق ولا يُحاط به، ولو تسأل أيهما أسهل علم الحديث أم التخصص في الفرائض؟ كثير من الناس يقول: الفرائض بأسبوع وأنت منتهٍ منه، لكن الحديث ما يكفيه العُمر.
قُل مثل هذا في سائر الفنون والصنائع إذا حصل أدنى خطأ في حديث، فهذا البارع المُطَّلع الإمام يعرفه ولو لم يُراجع، وقالوا: يكفيك من الحديث شمه، وهم البياطرة وهم الأطباء في هذا الباب.
وفي العلل قالوا: إنك تُدرك العلة ولا تستطيع التعبير عنها، وقالوا: هذا العلم كِهانة عند الجاهل، متى يصل الإنسان إلى هذا الحد إلى هذا المستوى؟ يحتاج إلى أن يُديم النظر في هذا العلم ويُحب هذا العلم ويتفانى في خدمته.
قل مثل هذا في العلوم الأخرى، بعض الناس في السيارات أعمى يُؤتى به في المعارض ويختبر السيارة هل هي مسمكرة أم لا، ماذا تقول؟
طالب: ..............
وواحد عنده صوت في سيارته، ذهب بها إلى جميع الورش والوكالة، كلٌّ عجز أن يعرف سبب هذا الصوت، سمعه واحد أعمى، قال: قبل أذان الفجر مُر عليّ وأُعلِّمك، يوم مر عليه ركب معه قال: اذهب بطريق الخرج، ثم قال: ارجع خلاص انتهينا، فيه حصاة داخل الياي، إذا نزل قليلًا صوتت الحصاة هذه، من يُدرك مثل هذا إلا بعد خبرة طويلة.
فلتكن خبرتك بهذا الباب الذي -وجهدك كله منصبٌ إليه- الذي يُقرِّب إلى الله- جلَّ وعلا-.
"وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله تعالى يُنزِل العبد مِن نفسه حيث يُنزِله العبد مِن نفسه".
طالب: .............
لا، هو المطلوب معرفة الله –جلَّ وعلا- بأسمائه وصفاته على ما جاء عنه وعن رسوله، معرفة الأوامر والنواهي هذا الفقه الثاني الذي يُسمونه الفقه الأصغر في مقابل الفقه الأكبر.
"والله تعالى يُنزِل العبد مِن نفسه حيث يُنزِله العبد مِن نفسه" {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ:26]، والجزاء من جنس العمل.
ثم قال: "فمن كان لذِكر أسمائه وصفاته مبغِضًا".
طالب: ..............
ما قُرئ، وقفت على هذا؟
طالب: .............
اقرأ اقرأ.
أم تُريدون أن نقف عليه؟
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: .............
تجد عندهم صدقًا مع الله في باب من الأبواب، وكُوفِؤوا بمثل هذا، أو إحسانه إلى الخلق أو ما أشبه ذلك، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40].
كم الساعة؟ تسعة إلا ثلث الآن؟
طالب: إلى قوله: فما أعظم المصيبة بهذا، هذا ما وقفنا عليه بالفقرة هذه نهاية الكلام، ما قبل قوله: والجهاد حجة.
لا، عندك التقسيم تقسيم القلوب، وأنها تعود على قسمين.
طالب: إلى قلبين نعم، هذا ينتهي في قوله –أحسن الله إليك-: فما أعظم المصيبة في هذا.
القلب الثاني.
طالب: هذا القلب الثاني نعم.
والقلب الثاني متى ينتهي؟
طالب: فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان.
أين؟
عن طريق العلم والإيمان؟
طالب: لا، الذي بعده، أحسن الله إليك.
بعد؟
طالب: بعدها بثلاث فقرات.
فما أعظم!
طالب: نعم فما أعظم مصيبة بهذا، هذا تكملة الكلام، هذا نهاية الكلام آخر فقرة.
كلامه –رحمه الله- كلام لشيخه.