شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أن العمرة بعد الحج لا تشرع، ولا يسن لمن كان بمكة أن يخرج ليعتمر، ولا كان هذا من هديه -صلى الله عليه وسلم-، ولا من هدي خلفائه –رضي الله عنهم- من بعده. وحَمَل -رحمه الله- إعمار عائشة –رضي الله عنها- من التنعيم بعد حجِّها كما قال ابن القيم: أنه جبر لخاطرها، وأن الناس يرجعون لا سيما أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- بعمرة متكاملة مفردة، وحج كامل مفرد، وترجع هي بعمرة داخلة في الحج، وترى أن في هذا نقصًا عن فعل صواحبها. هذا مفاد كلام شيخ الإسلام –رحمه الله-. ولا شك أن ما فعلته عائشة –رضي الله عنها- هو بأمره -عليه الصلاة والسلام- وبتقريره، فقد سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تعتمر، فأمر أخاها أن يُعمرها من التنعيم، وحبس الناس انتظارًا لفراغها من عمرتها، ولا يمكن أن يجبر-عليه الصلاة والسلام- خاطر عائشة –رضي الله عنها- على حساب غيرها في أمر ليس بمشروع. فالحديث دليل دلالة صريحة على أن هذا لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-، وأن المتابعة بين الحج والعمرة أمر مشروع، جاء فيه الأوامر، وجاء فيه فعل عائشة -رضي الله عنها- بأمره وإقراره -عليه الصلاة والسلام-. فمن أراد أن يعتمر بعد الحج فلا إشكال في ذلك على ألا يكون على حساب ما هو أهم من هذه العمرة. والحكم الشرعي يلزم بدليل واحد، ولا يلزم أن يكون له أكثر من دليل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد حث على العمرة في رمضان، وقال: إنها تعدل حجة معه -عليه الصلاة والسلام-، [البخاري: 1863]، ومع ذلك لم يعتمر في رمضان، ولا عُرف من خلفائه أنهم اعتمروا في رمضان، فهل يقال: إن العمرة في رمضان ليست مشروعة؟!، إنما يكفينا النص، وفعله -عليه الصلاة والسلام- وتركه لهذه العمرة قد يكون الأفضل في حقه؛ لأنه يترتب عليه تعطيل ما هو أهم منها. ولو أن شخصًا أنيطت به مصالح المسلمين بعمومهم، ثم قال: إنه يعتمر في رمضان من أجل تحصيل هذا الفضل العظيم، أجر حجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وترتب على ذلك تضييع ما أنيط به من المصالح العامة، نقول: عدم العمرة أفضل من العمرة بالنسبة لك. فالمسألة مسألة مفاضلة بين هذه العبادات. ويقال مثل هذا في جميع العبادات، حتى قال بعضهم: يخرج بضعة أميال ويضيع ما هو أهم من ذلك، مما يدل على أن المسألة إذا لم يترتب عليها تضييع ما هو أهم فإنها مشروعة. وهل تجزئه هذه العمرة عن عمرة الإسلام؟، لا شك أن الذي يقول: إن هذه العمرة بدعة، يقول: لا تجزئه. والذي يقول: شرعية، يقول: إنها تجزئه.