كره الإمام مالك أن يقول القائل: زرت قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، والسبب في الكراهة سد الباب؛ لئلا تكثر هذه المقولة على ألسنة الناس فيتخذها الناس عادة وديدن، فيكون مقصدهم من دخول المسجد هو الزيارة فقط. قال ابن تيمية: (وقد كره مالك وغيره أن يقول القائل: زرت قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا اللفظ لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل الأحاديث المذكورة في هذا الباب مثل قوله: «من زارني، وزار أبي إبراهيم في عام واحد، ضمنت له على الله الجنة» وقوله: «من زارني بعد مماتي، فكأنما زارني في حياتي، ومن زارني بعد مماتي، حلت عليه شفاعتي» ونحو ذلك، كلها أحاديث ضعيفة، بل موضوعة، ليست في شيء من دواوين الإسلام). وقد ألّف شيخ الإسلام فيها الأحاديث والكتب والمصنفات والرسائل، وأبدى فيها وأعاد. وألّف السُّبْكِي كتابه (شفاء السِّقام) وحشد فيه من هذه الأحاديث الموضوعة في الزيارة التي جاء منعها، وقد ألّف هذا الكتاب ردًا على ابن تيمية –رحمه الله-، وهو مطبوع ومتداول ومعروف عند الناس. ثم ردّ ابن عبدالهادي على السبكي في (الصارم المنكي في الرد على السُّبكي)، وهذا الكتاب من أنفع الكتب، وأجمع ما جمع في هذا الباب. وكل من ألّف في الأحاديث المشتهرة كالسخاوي وغيره، قالوا: أحاديث الزيارة واهية، ونص ابن تيمية على وضعها، وابن تيمية بالنسبة لعلم الحديث قدمه فيه معروفة، حتى قيل: (كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث). وأحاديث الزيارة لم ينقلها إمام من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا نحوهم، ولكن روى بعضها البزار والدارقطني ونحوهما بأسانيد ضعيفة، وهؤلاء العلماء لم يلتزموا الصحة ولا عموم الثبوت، بل يذكرون أحاديث ويعلُّونها ليبينوا ضعفها.