قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح: (نعمت البدعة) حمله شيخ الإسلام على البدعة اللغوية، وأما الشاطبي فقال بأنه مجاز، والذي عندي أنه لا هذا ولا هذا، فإذا لم تكن بدعة لا لغوية ولا شرعية _وعمر -رضي الله تعالى عنه- من أهل اللسان، ويعي ما يقول_ فماذا تكون؟
في علم البديع هناك ما يسمى بالمشاكلة والمجانسة في التعبير، بحيث يطلق اللفظ ولا يراد به إلا مجرد مجانسة لفظ آخر حقيقةً أو تقديرًا، ففي قول الله -جل وعلا-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40] السيئة الأولى حقيقة وهي الجناية لكنَّ جزاءها ومعاقبة الجاني عليها ليس سيئة بل حسنة، وإنما أُطلق عليها سيئة من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، وهذا موجود في النصوص، وفي لغة العرب، قال الحريري:
قالوا: اقترح شيئاً نُجد لك طبخَه |
|
قلتُ: اطبخوا لي جبةً وقميصاً |
فهذا من باب المشاكلة وإلا الجبة والقميص لا يمكن طبخهما، فأسلوب المشاكلة والمجانسة موجود في النصوص وفي لغة العرب، وعلى هذا يحمل قول عمر –رضي الله عنه-.
وعلماء البلاغة في البديع يقولون: (حقيقة أو تقديراً)، فـ(حقيقة) أي: قد يكون هناك من قال لعمر: (ابتدعت يا عمر)، و(تقديراً) أي: كأن قائلًا قال: (ابتدعت يا عمر)، فقال عمر –رضي الله عنه- مجيباً عن هذا المُحَقَّق أو المُقَدَّر: "نعمت البدعة"، وكأن الخليفة الراشد المُلهَم المُحدَّث الذي أُمرنا باقتفاء سنته، كأنه توقع إن لم يكن واقعًا أن هناك من سيقول: (ابتدعت يا عمر) فأجاب بذلك.
ووجد من الشراح من يقول: (البدعة بدعة ولو كانت من عمر)!، ولا شك أن هذا سوء أدب مع الخليفة الراشد –رضي الله عنه-، والحقيقة أن هذه ليست ببدعة؛ لأنها عُملت على مثال سَبَقَ من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وكونُه -صلى الله عليه وسلم- تركها جماعة مع أصحابه فهذا من شفقته -عليه الصلاة والسلام- بأمته خشية أن تفرض عليهم.