ابن القيم -رحمه الله تعالى- ادعى القلب في حديث البروك: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» [أبو داود: 840]، ورأى أن هذا تناقض؛ لأن البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، فكيف يقول: «لا يبرك كما يبرك البعير»، ويقول: «وليضع يديه قبل ركبتيه»، ولذا يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن هذا انقلب على راويه، ويُمثّل به للمقلوب، وسلّم له الناس بذلك، لكن مثل ما قال الحافظ العراقي في حق ابن الصلاح:
"كذا له ولم يصوب صوبه"، فابن القيم -رحمه الله تعالى- انقدح في ذهنه أنه مقلوب، وأن ثمة تعارضًا بين الجملة الأولى والثانية، فأجلب عليها بكل ما أوتي من قوة وسعة اطلاع وبيان، وأطال في تقرير هذا، مع أنه لم يُعلّ أحد من أهل العلم قبل ابن القيم هذا الحديثَ بالقلب، بل من العلماء من صححه، ورجحه على حديث وائل بن حجر: رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم -إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه. [أبو داود: 838]، ولا يمكن أن يخفى مثل هذا على كبار الأئمة، إذن كيف نوجه الحديث على وجه يصح؟
نقول: إن مجرد وضع اليدين على الأرض يختلف عن البروك؛ لأنه يقال: برك البعير، إذا أثار الغبار وفرّق الحصى، فإذا نزل الإنسان بقوة على الأرض، وفرّق الحصى، وأثار الغبار، قلنا: برك مثل ما يبرك البعير، لكن إذا وضع يديه مجرد وضع على الأرض من غير أن يحدث صوتًا أو يثير الغبار، قلنا: هذا صح أنه وضع يديه قبل ركبتيه، ولم يبرك كما يبرك البعير.