صحيح الإمام مسلم بن الحجاج ثاني كتب السنة بعد (صحيح البخاري)، على خلاف في ذلك بين أهل العلم، لكن هذا هو القول المعتمد، وبعض المغاربة مع أبي علي النيسابوري فضلوا (صحيح مسلم)، وليس المجال مجال بحث المفاضلة بينهما، فالجمهور -وهو القول المعتمد- على أن (البخاري) أفضل، ومع ذلك فـ(صحيح مسلم) يأتي في المرتبة الثانية بعد (صحيح البخاري)، كما يقول الحافظ العراقي –رحمه الله-:
ومسلم بعد، وبعض الغرب مع |
| أبي علي فضَّلوا ذا لو نفع |
«ومسلم بعد» يعني بعد (صحيح البخاري)، «فضلوا ذا لو نفع» يعني فضلوا (مسلمًا) على (البخاري)، لكن لا ينفع؛ لأنه مرجوح، فالمفضَّل هو (البخاري).
على هذا اعتنى الأئمة العلماء بـ(صحيح مسلم) وشرحوه بشروح كثيرة مطولة ومختصرة، فأولها كتاب (المعلِم) للمازري المالكي، وهو شرح مختصر مطبوع في ثلاثة أجزاء، أكمله القاضي عياض بشرح مبسوط نوعًا ما أسماه (إكمال المعلم)، ثم جاء الأُبِّي وكمَّل كتاب (الإكمال)، فألَّف (إكمال إكمال المعلم)، ثم تلاه بعد ذلك السنوسي فصنَّف (مكمل إكمال الإكمال)، فهذه سلسلة مرتب بعضها على بعض، يستفاد منها مجتمعة، (المعلم) ثم (إكمال المعلم) ثم (إكمال الإكمال) ثم (مكمل إكمال الإكمال) هذه سلسلة مترابطة، وطريقتهم أنهم يذكرون الكلام ويضيفون إليه، فالقاضي عياض يذكر كلام المازري ويضيف إليه، فيُستغنى بكتاب القاضي عياض عن (المعلم)، لكن يبقى أن (المعلم) هو الأصل، وكلامه مختصر وفيه فوائد.
والنووي -رحمه الله- شرح (صحيح مسلم) بشرح متوسط فيه فوائد وقواعد لا يستغني عنها طالب علم، فيضاف إلى ما تقدم من الشروح، وكثير من طلاب العلم يقتصرون عليه ولا يقرؤون فيما عداه؛ لأنه جمع بطريقة مختصرة بين ما تقدم من الشروح، واعتمد كثيرًا على القاضي عياض مع كتاب (التحرير في شرح صحيح مسلم) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأصفهاني، وهذا كتاب لم يُطبع ولم نقف عليه، وفوائده منقولة في (شرح النووي)، ويبدو أن (التحرير) شرح نفيس؛ لأن النووي ينقل عنه نقولًا في غاية الأهمية.
ومن الشروح لـ(صحيح مسلم) شرح مطوَّل لمعاصرٍ اسمه شبِّيْر أحمد العثماني، وهو شرح حافل اسمه (فتح الملهم)، لكنه لم يُكمل، وصدر له تكملة أيضًا مطوَّلة بنفس النَفَس لمحمد تقي العثماني، وكلاهما مطبوع ومتداول، فالكتاب بتكملته من الشروح المهمة لـ(صحيح مسلم).
وعلى مختصرات (صحيح مسلم) أيضًا شروح في غاية الأهمية، فالقرطبي أبو العباس له (تلخيص صحيح مسلم) شَرَحه بكتاب نفيس جدًّا اسمه (المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم) لنفْسِ المُختصِر، وهناك أيضًا (مختصر المنذري) شرحه صدِّيق حسن خان بشرح أيضًا نفيس ومطبوع ومتداول، والشروح كثيرة.