كتاب الجنائز من سبل السلام (3)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فقال المصنف –رحمنا الله تعالى وإياه-: "عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي– صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله»، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان، وأعله الدارقطني بالوقف، ورجح النسائي وقفه على ابن عمر أيضًا، إلا إن له شواهد مرفوعة ذكرها في الشرح، وأخرج الحاكم والبيهقي بسند ضعيف: لما وضعت أم كلثوم بنت النبي –صلى الله عليه وسلم- في القبر قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله»، وللشافعي دعاء آخر استحسنه فدلَّ كلامه على أنه يختار الدافن من الدعاء للميت ما يراه، وأنه ليس فيه حدٌّ محدود".
المقصود أن الباب ليس فيه ما تقوم به حجة، مما يقال عند وضع الميت، الحديث مُعَلّ بالوقف، روي مرفوعًا وموقوفًا، وإذا تعارض الوقف مع الرفع فالأكثر على الحكم بالرفع؛ لأنه زيادة من ثقة، هذا إذا كان الذي زاده ثقة، جميع الطرق المرفوعة ضعيفة، فالدارقطني حكم عليه بالوقف كذلك النسائي، وجمع من أهل التحقيق، وعلى كل حال المرفوع في جميع طرقه ضعيف، لا يثبت به حكم إلا عند من يرى العمل بالضعيف في الفضائل، وهذا منها، فهذا من فضائل الأعمال، الذي يعمل بالضعيف في الفضائل يقول بمثل هذا، والذي لا يرى الضعيف مطلقًا لا يعمل به.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
هو الفضائل عبادة، الفضائل عبادة.
طالب:...
الكلام على أن الفضائل غير الأحكام، الجمهور على أن الضعيف تجوز به الفضائل، بالشروط التي ذكروها: أن يكون الضعف غير شديد، وأن يندرج تحت أصل عام، وألا يعتقد عند العمل به ثبوته، وإنما يعتقد الاحتياط، وإذا حققنا النظر وجدنا أن الفضائل من الأحكام؛ لأن هذه الفضائل مرتَّب عليها ثواب، وإذا ترتب على العمل ثواب، ولم يترتب على تركه عقاب فهو المستحب والمندوب، والمستحب والمندوب حكم من الأحكام التكليفية، فالقول بالعمل بالضعيف في فضائل الأعمال ضعيف.
طالب:...
العمل به مطلقًا نعم.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- قال: «كسرُ عظْم الميت ككسره حيًّا»، رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم: وزاد ابن ماجه، أي في الحديث هذا، وهو قوله: "من حديث أم سلمة: «في الإثم» بيان للمثلية".
هذا توضيح للمثلية، مثل كسر عظم الحي هل هو في الألم؟ هل هو في وجوب القصاص؟ هل هو في الإثم؟ بيّنت رواية مسلم أنه في الإثم، فالذي يكسر عظم الميت يأثم كما يأثم كاسر عظم الحي؛ لأن المسلم له حرمته، وله حقه، حيًّا كان أو ميتًا.
"فيه دلالة على وجوب احترام الميت كما يحترم الحي، ولكن بزيادة «في الإثم» أنبأت أنه يفارقه من حيث إنه لا يجب الضمان، وهو يحتمل أن الميت يتألم كما يتألم الحي، وقد ورد به حديث: وعن سعد بن أَبي وقّاص قال: "الْحِدوا لي لَحْدًا، وانْصِبُوا عليَّ اللّبِنَ".
الحَدوا؛ لأنه وصل، همزة وصل الحدوا.
طالب:...
عند الحاجة في غير مسلم، عند الحاجة في غير مسلم، جثث الكفار لا بأس بها للمصلحة، أما جثة المسلمين فما يجوز.
طالب:...
ماذا فيه؟ هي الأصل يحتمَل؛ لأن اللفظ يحتمل، لكنه لا يحتمل، أما يحتمل فما لها معنى.
طالب:...
إذا ترتبت عليه مصلحة كبرى فلا بأس، لا بأس؛ لئلا يهدر دمه، ولئلا تنتشر الفوضى؛ لأنه إذا ضاع القاتل ولم يعرَف صارت فوضى.
"نصْبًا كما صُنع برسُول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-"، رواهُ مُسْلم. هذا الكلام قاله سعد لما قيل له: ألا نتخذ شيئًا كأنه الصندوق من الخشب؟ فقال: اصنعوا. فذكره".
الآن الشارح ربط بين هذا الحديث والذي قبله، فما الرابط بينهما؟
طالب:...
في نهاية شرح الحديث السابق ماذا قال؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
نعم؟ هو الشارح يريد أن يربط بين الحديثين.
طالب:...
نعم يُنصَب عليه اللَّبِن نصبًا، يعني لو وُضِع اللَّبِن تألم الميت، لكن إذا نُصِب في اللحد تجافى عن الميت ...
"واللحد بفتح اللام وضمها هو الحفر تحت الجانب القَبلي".
القِبلي، القِبلي.
"القِبلي من القبر".
يعني جهة القبلة اللحد والميل عن سمت القبر إلى جهة القبلة، ومنه الإلحاد، وهو الميل عن الصراط السوي.
"وفيه دلالة أنه لُحِد له -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-، وقد أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد حسن. وأنه كان بالمدينة رجلان: رجل يلحد ورجل يشق، فبعث الصحابة في طلبهما فقالوا: أيهما جاء عمل عمله".
عمِل عمله. عمِل عمله، يعني إما الشق وإما اللحد، الأسبق منهما، فالذي يختاره الله -سبحانه وتعالى- لنبيه يصنعونه.
"أيهما جاء عمِل عمله لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-". ومثله عن ابن عباس عند أحمد والترمذي. وأن الذي كان يلحد هو أبو طلحة الأنصاري".
أبو طلحة كان يلحد، وأبو عبيدة كان يشق، نعم فجاء أبو طلحة قبله.
"وفي إسناده ضعف. وفيه الدلالة على أن اللحد أفضل".
هو ضعيف، نعم جاء الخبر أن «اللحد لنا، والشق لغيرنا»، ودلّ على أن اللحد أفضل.
"وللبيهقي عن جابر نحوه أي نحو حديث سعد، وزاد: ورُفع قبره عن الأرض قدر شبر، وصحّحه ابن حبان، وللبيهقي أي روى البيهقي عن جابر -رضي الله عنه- نحوه، أي نحو حديث سعد، وزاد: ورُفع قبره عن الأرض قدر شبر وصحّحه ابن حبان، هذا الحديث أخرجه البيهقي وابن حبان من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر".
الصادق، جعفر الصادق، جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الباقر، نعم.
"وفي الباب من حديث القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أماه، اكشفي لي عن قبر رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا وطيئة، مبطوحة ببطحة العرصة الحمراء".
لا مشرفة، لا مشرفة يعني مرتفعة.
"فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا وطيئة، مبطوحة ببطحة العرصة الحمراء. أخرجه أبو داود والحاكم وزاد: ورأيت رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- مقدمًا، وأبو بكر رأسه بين كتفي رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-، وعمر رأسه عند رجلي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-. وأخرج أبو داود في المراسيل عن صالح بن أبي صالح قال: رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شبرًا أو نحو شبر. ويعارضه ما أخرجه البخاري من حديث سفيان التمار: أنه رأى قبر النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- مسنمًا. أي مرتفعًا كهيئة السنام، وجمع بينهما البيهقي بأنه كان أولاً مسطحًا، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك أُصلح فجعل مسنمًا".
فيه ما يدل على أنه كان مسطحًا؟ فيه أنه مرفوع قدر شبر، هل فيه تعارض بين كونه مرفوعًا قدر شبر وبين كونه مسنمًا؟ مسنمًا يعني محددًا ما هو بمستوٍ مسطح، لكن هل في النصوص ما يدل على أنه كان مسطحًا؟ يرتفع قدر شبر وهو مسنَّم، هناك حاجة لدفع التعارض أو لجوء أو هل هناك تعارض؟
طالب:...
الآن الذي ذكر هو ذكر الروايات ما فيها شيء، لأن الروايات التي يريد أن يوفِّق بينها ما بينها تعارض، كونه مرتفعًا قدر شبر، وإن كان مسنَّمًا يرتفع شبرًا، اللهم إلا إن كان يرى أن المسنَّم مرتفع كالسنام أكثر من قدر الشبر، كان مسطحًا ثم سنِّم زيادة، فهذا اللفظ ما يدل عليه.
"(فائدة): كانت وفاته -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- يوم الاثنين عندما زاغت الشمس لاثنتي عشرة ليلةَ".
ليلةً.
"ليلةً خلت من ربيع الأول، ودُفن يوم الثلاثاء".
أليس ليلة الأربعاء؟ ليلة الأربعاء نعم.
"كما في الموطأ. وقال جماعة يوم الأربعاء. وتولى غسله ودفنه عليٌ والعباس وأسامة. أخرجه أبو داود من حديث الشعبي".
نعم؟
طالب:...
ليلة الأربعاء نعم.
"وزاد: وحدثني مرحب، كذا في الشرح، والذي في التلخيص: مرحب وأبو مرحب بالشك".
الذي في التلخيص مرحب نعم. بدون شك.
"أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف. وفي رواية البيهقي زيادة مع عليّ والعباس "الفضل بن العباس".
الفضلَ، الفضل نعم. أدخلوا الفضلَ، ما فيه أدخلوا؟
طالب:...
ماذا فيه؟
طالب:...
وفي رواية؟
طالب:...
سيان، الفضلَ نعم.
طالب:...
نعم زيادة زيد عليهم، كانوا ثلاثة زيدوا، فالذي ينقل الثلاثة باعتبار ما كان في أول الأمر، والذي ينقل الأربعة والخمسة يرى أنهم زيد عليهم.
"وصالح وهو شقران، ولم يذكر ابن عوف. وفي رواية له ولابن ماجه: علي والفضل وقَثْم وشقران".
قُثَم قُثَم.
"قُثَم وشقران وزاد. وسوّى لحده رجل من الأنصار. وجمع بين الروايات بأن من نقص فباعتبار ما رأى أول الأمر، ومن زاد أراد به آخر الأمر. ولمسلم عنه -رضي الله عنه- أي عن جابر: "نهى رسول الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه". الحديث دليل على تحريم الثلاثة المذكورة؛ لأنه الأصل في النهي. وذهب الجمهور إلى أن النهي في البناء والتجصيص للتنزيه. والقعود للتحريم، وهو جمع بين الحقيقة والمجاز".
يعني استعمال اللفظ بمعنييه، الجمهور على منعه، إذا كان إما للتحريم أو للاستحباب في جميعها، والأصل في النهي التحريم، ولا صارف له، ما جاء صارف للنهي عنه للتحريم.
"ولا يعرف ما الصارف عن حمل الجميع على الحقيقة التي هي أصل النهي. وقد وردت الأحاديث في النهي عن البناء على القبور والكتب عليها والتسريج، وأن يزاد فيها، وأن توطأ. فأخرج أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود مرفوعًا: «لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج». وفي لفظ للنسائي: «نهى أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، أو يكتب عليه"». وأخرج البخاري من حديث عائشة قالت: قال رسول الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». واتفقا على إخراج حديث أبي هريرة بلفظ: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»".
تقدَّم وتقدَّم ما فيه من الإشكال من أن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد، ونبيهم لم يقبَر، فكيف يقال: اتخذوا قبور أنبيائهم؟ النصارى ليس لهم نبي إلا عيسى -عليه السلام-، وهو أيضًا لم يقبَر، فأجيب عنه فيما تقدَّم أن أنبياء اليهود أنبياء للنصارى، أنبياء اليهود أنبياء للنصارى، أو أن الأنبياء لليهود والصالحين للنصارى، في بعض الروايات: «اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد»، فيكون الأنبياء لليهود، والصالحون للنصارى نعم.
"وأخرج الترمذي "أن عليًّا -رضي الله عنه- قال لأبي الهياج الأسْدي".
الأَسَدي.
"لأبي الهياج الأَسَدي: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- أن لا أدع قبرًا مشرفًا إلا سوّيتهُ ولا تمثالاً إلا طمسته. قال الترمذي: حديث حسن، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، فكرهوا أن يرفع القبر فوق الأرض.
قال الشارح- رحمه الله-: وهذه الأخبار المعبَّر فيها باللعن والتشبيه بقوله: «لا تجعلوا قبري وثنًا يعبد من دون الله» تفيد التحريم للعمارة والتزيين والتجصيص، ووضع الصندوق المزخرف، ووضع الستائر على القبر وعلى سمائه، والتمسح بجدار القبر، وأن ذلك قد يفضي مع بعد العهد وفشو الجهل إلى ما كان عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان".
نعم وسائل للشرك، وسائل للشرك، فهي كلها محرمة.
"فكان في المنع عن ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المفضية إلى الفساد، وهو المناسب للحكمة المعتبرة في شرع الأحكام من جلب المصالح ودفع المفاسد، سواء كانت بأنفسها أو باعتبار ما تفضي إليه انتهى. وهذا كلام حسن، وقد وفينا المقام حقه في مسألة مستقلة".
نعم للصنعاني رسالة ما اسمها؟
طالب:...
ماذا؟
طالب: ................
شرح الصدور بتحريم رفع القبور؟ كذا؟
طالب: ................
أليس للشوكاني هذه؟
طالب: ................
طيب ماذا له؟
طالب:...
تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد عامة، لكن ليست رسالة مستقلة في الباب.
طالب: ................
نعم كمِّل.
طالب:...
منهي عنها، منهي عنها.
طالب:...
ما الفائدة من كتابة اسم الميت ورقمه؟ ما له داعٍ، يمكن أن يعرَف بدون ذلك.
طالب:...
نعم.
طالب:...
هذه محادة ومعارضة صريحة للنصّ، أقول: هذه معارضة للنصّ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، نسأل الله العافية، هذه محادة، بل هذا يكفي، يكفي عرض الحديث.
طالب:...
لكن سور المقبرة هذه من الداخل أو من الخارج.
طالب:...
نعم؟ إذًا ماذا يكتَب على القبور؟ ماذا يكتَب على السور؟ آداب زيارة القبور مثلاً وتذكير ما فيه شيء إن شاء الله؛ لأنه ما يترتب عليه، ما هو بوسيلة إلى شرك.
طالب:...
ترقيم الأموات؟ والله داخلة في الكتابة، المقصود أن كل هذه الأمور محدثة ما توجد عند من تقدّم.
طالب:...
تلوينه وغيره هذا مثل التجصيص، مثل التجصيص.
"وعَنْ عامرِ بنِ ربيعةَ -رضيَ اللَّهُ عنْهُ- أنَّ النبيَ -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- صلّى على عثمانَ بنِ مَظْعُون وأتى الْقَبْرَ فَحَثى عليه ثلاثَ حَثَيَات، وهُوَ قائمٌ" رواهُ الدارقطنيُّ. وأخرجه البزار وزاد بعد قوله وهو قائم: "عند رأسه" وزاد أيضًا: "فأمر فرشَّ عليه الماء" وروى أبو الشيخ في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة مرفوعًا: «من حثا على مسلم احتساباً كتب له بكل ثراة حسنة» وإسناده ضعيف. وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة "أن رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- حثى من قِبَل الرأس ثلاثًا" إلا أنه قال أبو حاتم: حديث باطل، وروى البيهقي من طريق محمد بن زياد عن أبي أمامة قال: "توفي رجل فلم تصب له حسنة إلا ثلاث حثيات حثاها على قبر فغُفرت له ذنوبه". ولكن هذه شهِد بعضها لبعض.
وفيه دلالة على مشروعية الحثو على القبر ثلاثًا، وهو يكون باليدين معًا؛ لثبوته في حديث عامر بن ربيعة، ففيه حثا بيديه، واستحب أصحاب الشافعي أن يقول عند ذلك: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55] الآية".
الدفن فرض كفاية، إذا قام به، لا بد أن يقوم به من يكفي، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، صار سنَّة في حقهم، فالمشاركة فيه مشاركة في فعل السُّنَّة، والذي لا يشارك يحرَم هذه السُّنَّة، في حق من شارك سنَّة، نعم لا يأثم من لم يشارك، اللهم إلا إذا لم يكفِ من باشر الدفن، إذا باشر الدفن من يكفي سقط الإثم عن الباقين، ثم يقع لمن شارك ثلاث حثيات له أجره، والحديث فيه ضعف.
"وعن عثْمانَ -رضي الله تعالى عنه- قال: كانَ رسُولُ اللَّهِ -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- إذا فرغ مِنْ دفن الميِّتِ وقَفَ عَلْيه وقال: «استغْفِرُوا لأخيكُمْ، واسْأَلُوا لَهُ التّثْبيت فإنّهُ الآن يُسْأَل»، رواهُ أبو داود وصححه الْحاكِمُ. فيه دلالة على انتفاع الميت باستغفار الحي له، وعليه ورد قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}[الحشر:10]، وقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19] ونحوهما. وعلى أنه يسأل في القبر، وقد وردت به الأحاديث الصحيحة، كما أخرج ذلك الشيخان. فمنها من حديث أنس أنه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- قال: «إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم». زاد مسلم «وإذا انصرفوا أتاه ملكان» زاد ابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة: «أزرقان أسودان يقال لأحدهما المنكر، والآخر النكير». زاد الطبراني في الأوسط «أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما البقر مثل الرعد»، زاد عبد الرزاق: «ويحفران بأنيابهما ويطآن في أشعارهما ومعهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها»، وزاد البخاري من حديث البراء: «فيعاد روحه في جسده».
ويستفاد في مجموع الأحاديث أنهما يسألانه فيقولان: ما كنت تعبد؟ فإن كان الله هداه فيقول: كنت أعبد الله، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل، لمحمد -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. وفي رواية «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقال له: صدقت»، «فلا يسأل عن شيء غيرها» ثم يقال له: «على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى». وفي لفظ: «فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، وألبسوه من الجنة قال: فيأتيه من روحها»".
رَوحها.
"«فيأتيه من رَوحها وطيبها، ويفسح له مد بصره، ويقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله مقعدًا من الجنة، فيراهما جميعًا، فيقول: دعوني حتى أذهب أبشر أهلي فيقال له: اسكت، ويفسح له في قبره سبعون ذرعًا ويملأ خضرًا إلى يوم القيامة». وفي لفظ: «ويقال له: نم فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله. وأما الكافر والمنافق فيقول له الملكان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري ويقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم: فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقال: لا دريت، ولا تليت، أي لا فهمت ولا تبعت من يفهم، ويضرب بمطارق من حديد ضربة لو ضرب بها جبل لصار ترابًا فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين».
واعلم أنه قد وردت أحاديث على اختصاص هذه الأمة بالسؤال في القبر دون الأمم السالفة، قال العلماء: والسر فيه أن الأمم كانت تأتيهم الرسل، فإن أطاعوهم فالمراد، وإن عصوهم اعتزلوهم وعولجوا".
عوجلوا عوجلوا. وعوجلوا بالعذاب.
"وعوجلوا بالعذاب. فلما أرسل الله محمدًا -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب وقبِل الإسلام ممن أظهره سواء أخلص أم لا، وقيض الله لهم من أن يسألهم في القبور ليخرج الله سرهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب. وذهب ابن القيم إلى عموم المسألة وبسط المسألة في كتاب الروح".
للمسلمين وغيرهم للمسلمين وغيرهم.
"وذهب ابن القيم إلى عموم المسألة، وبسط المسألة في كتاب الروح".
نعم؟
طالب:...
كيف؟
طالب: ................
نعم، لكن في السؤال الأحاديث التي جاء بها السؤال لانقسام إلى فريقين قسم يجيب فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهذا يقال له ما سمعتم، والقسم الثاني لا يجيب يقول: هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، فيحصل له ما سمعتم، من ثبت عذابه في القبر من المسلمين وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، النمام مثلاً، ماذا يحصل له؟ يجيب أو لا يجيب؟ وهو مسلم، موحد، يقول: لا إله إلا الله من خالص قلبه صادقًا في ذلك، ويشهد أن محمدًا رسول الله ويتبعه، لكنه عاصٍ هذه المعصية التي ثبت التعذيب عليها بالقبر، ومثلها كونه لا يستبرئ من البول، فهل يجيب الجواب المسلم المؤمن الموحد؟ فيوفق للجواب أو لا يوفق كالكافر فيضرب بالمرزبة ويعذب؟
فإن كان يجيب بجواب أهل الإخلاص وأهل التوحيد فالجواب المسدد يقال له: نم، يفسح له في قبره، ويفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من روحها، وإن كان من الصنف الآخر يضرب بالمرزبة إلى آخره، هو ثبت أنه يعذَّب، لكن ماذا عن الجواب؟ هل يكون جوابه سديدًا أو غير سديد؟ وهل هو ممن يفسح له في قبره؛ لأنه ما في الحديث إلا صنفان ما فيه صنف ثالث، كما أنه ثبت عذابه في القبر، «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير»، فهم من أي النوعين؟ يجيبون أو لا يجيبون؟
طالب:...
يجيبون ويفسح لهم في قبورهم ويفتح لهم باب إلى الجنة؟ ويأتيهم من روحها؟
طالب:...
نعم؟ لكن هل يفسح له ويفرش له ويقال له: نم، ما يقال له: نم، وهو يعذب.
طالب:...
هم ليسوا من الصنف الآخر، لكن هل هم من هذا الصنف الذي يوفَّق للجواب ويقال له ما ثبت في الحديث؟ يفسح له في قبره ويفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من روحها إلى آخره، وهو ثابت عذابه بلا شك، والمرزبة كما هو معلوم لمن يقول: هاه، لا أدري، -نسأل الله العافية-.
طالب:...
أو يعذَّب قبل السؤال؟
طالب:...
لكن هنا أنه يسمع قرع نعالهم.
طالب:...
نعم.
طالب:...
مرة بلا شك، نعم.
طالب:...
نعم، لكن الآثار المترتبة على الجواب أنه يفسح له في قبره، مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة ويأتيه من روحها إلى آخره، يكون يعمل معه هذه الأشياء ويعذب؟
طالب:...
لأنه ليس في الحديث أكثر من فريقين.
طالب:...
لا شك أنه فيه قسم ثالث مسكوت عنه، قسم ثالث مسكوت عنه، عذاب القبر حق وثابت، لكن الذي يفسح له في قبره ويفتح له باب إلى الجنة هذا ما يتصور أنه يعذب، يقال له: نم، ينام كما ينام العروس يوقظه أحب الناس إليه، مثل هذا ما يعذب، والصنف الثاني الذي يقول: هاه هاه، لا أدري لا يتصور أن يكون هذا جواب شخص مسلم موحد يشهد أن لا إله إلا الله من صميم قلبه، لا.
طالب: ما الحكمة الآن أنه لم يتكلم على القسم الثالث؟
كيف؟
طالب: ما الحكمة الآن أنه لم يتكلم على القسم الثالث؟
ما هو ما تكلم، ولكن في الحديث قسمهم قسمين، قسم الأموات إلى قسمين قسم يجيب، وسترتب عليه الآثار، وقسم لا يجيب ويترتب عليه الآثار، وهذا في المؤمن، وهذا في المنافق أو الكافر أو المرتاب، طيب العصاة؟
طالب: لعلهم تحت المشيئة.
هم تحت المشيئة بالنسبة لعذاب الآخرة.
طالب: قطعي.
الله أعلم، هو قد ثبت التعذيب بسبب النميمة، وبسبب عدم الاستبراء من البول.
طالب: كل المعاصي والذنوب موجبة لعذاب القبر.
عامة عذاب القبر من ذلك، فإن عامة عذاب القبر من ذلك، من هذين الأمرين.
طالب:...
بالنسبة لآخر أهل الجنة دخولاً للجنة، آخر من يدخل الجنة الذي ليس في قلبه إلا مثقال ذرة من إيمان، مثل هذا ما وضعه في القبر؟
طالب:...
ما وضعه في القبر؟ من أي الفريقين يكون؟
طالب:...
والعذاب المسألة مفترضة في شخص يعذب في النار، آخر الناس خروجًا من النار ودخولًا الجنة، هو يعذب يعذب، كونه يجيب بالجواب الذي ترتب عليه آثاره، أو نقول: الله أعلم بحالهم ونسكت كما سكت الحديث، نعم، نقول: الله أعلم بحالهم.
طالب: ................
ماذا؟
طالب:...
كيف؟
طالب:...
نقول: الله أعلم بحالهم ومآلهم.
طالب:...
كيف؟ في ماذا؟
المسألة بحث، يعني ما هي بمسألة افتراض، ولا مسألة إلزام، ولا، مسألة لعل ولعل، نقول كذا وكذا، وفي الأخير إذا لم نجد جوابًا مدعومًا بالدليل قلنا: الله أعلم، لكن ما يمنع في مجال الدرس ومجال البحث أن تلتبس العلماء كلهم يفعلون هذا، الشراح وغيرهم يذكرون أشياء، ابن القيم ذكر أشياء ليس عليها آثار من دليل ولا غيره، لكن ...
طالب:...
من أوساط الموحدين.
طالب: ................
كيف؟ ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب.
طالب:...
وفرّط في واجبات، وعُذِّب حتى ما يبقى منه إلا موضع السجود.
طالب:...
هذا بالنسبة للآخرة، الأمر واضح بالنسبة للآخرة، لكن بالنسبة إذا وُضِع في قبره، افترضنا المسألة في شخص ثبت فيه عذاب القبر، فهل يجيب أو لا يجيب؟ نقول: الله أعلم، الحديث ما بيّن حاله.
طالب:...
نعم، يسمع قرع نعالهم.
طالب:...
نعم، في وقتها حتى لو أُحرق، حتى لو غرق، حتى لو أكله سبُع في وقته. يعني هو مدفون حكمًا، في وقت الدفن الحكمي، لكن إذا كان يدفن دفنًا حقيقيًّا لو أخّره أهله ما يُسأل حتى يدفن، حتى يدفن.
طالب:...
نعم؟
طالب: ................
لا، ما فيه إشكال إن شاء الله.
طالب:...
ما الذي يمنع؟
طالب: ................
نعم، اقتداء، والاستتار مطلوب.
طالب:...
لا، هو الأصل أن الروح فارقت الجسد، لكن قد ترد إليه في بعض الأوقات يسمع ويسلم وما أشبه ذلك.
"وعن ضَمْرة بن الحبيب -رضي الله عنه- أحد التابعين قال: كانوا يستحبون إذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه، أن يقال عند قبره: يا فلان، قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات، يا فلان قل ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، رواه سعيد بن منصور موقوفًا، وللطبراني ونحوه من حديث أبي أمامة مرفوعًا ومطولاً".
هو ضعيف جدًّا نعم.
"وعن ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم، ابن حبيب بالحاء المهملة مفتوحة فموحدة فمثناة فموحدة- أحد التابعين، حمصي ثقة، روى عن شدّاد بن أوس وغيره (قال: كانوا) ظاهره الصحابة الذين أدركهم (يستحبون إذا سوي) بضم السين المهملة مغير الصيغة من التسوية".
مغير الصيغة؟ مغير الصيغة يعني من الفاعل للمفعول، نعم.
"(على الميت قبره، وانصرف الناس عنه أن يقال عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات، يا فلان قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. رواه سعيد بن منصور موقوفًا)".
يعني التلقين بعد الموت، نعم.
"موقوفًا على ضمرة بن حبيب، (وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة مرفوعًا مطولاً)، ولفظه عن أبي أمامة: إذا أنا متُ فاصنعوا بي كما أمر رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- فقال: «إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة»".
يا فلانُ ابنَ.
"«يا فلانُ ابن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما كنت عليه في الدنيا من شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، وبالقرآن إمامًا. فإن منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لُقِّنَ حجته؟ فقال رجل: يا رسول الله، فإنه لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى أمّه حوّاء، يا فلان ابن حواء».
قال المصنف: إسناده صالح، وقد قوّاه الضياء في الأحكام له.
قلت: قال الهيثمي بعد سياقه ما لفظه: أخرجه الطبراني في الكبير، وفي إسناده جماعة لم أعرفهم. وفي هامشه: فيه عاصم بن عبد الله ضعيف: ثم قال: والراوي عن أبي أمامة سعيد الأزدي بيض له أبو حاتم، وقال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: هذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول: يا فلان ابن فلانة، قال: ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة. ويروى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه. وقد ذهب إليه الشافعية. وقال في المنار: إن حديث التلقين هذا حديث لا يشك أهل المعرفة بالحديث في وضعه. وأنه أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن ضمرة بن حبيب عن أشياخ له من أهل حمص، فالمسألة حمصية، وأما".
طالب:...
ماذا فيه؟
طالب:...
لا، ضمرة ضمرة، الذي عندك في الحديث، هو راوي الحديث الأصلي ضمرة.
"وأما جعل «اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» شاهدًا له، فلا شهادة فيه".
هذا سؤال من الأحياء ليس بمخاطبة ميت.
"وكذلك أمر عمرو بن العاص بالوقوف عند قبره مقدار ما ينحر جزور".
وكذلك أمرُ.
"وكذلك أمرُ".
عمرو بن العاص نعم.
"بالوقوف عند قبره مقدار ما ينحر جزور؛ ليستأنس بهم عند مراجعة رسل ربه، لا شهادة فيه على التلقين. وابن القيم جزم في الهدي بمثل كلام المنار، وأما في كتاب الروح فإنه جعل حديث التلقين من أدلة سماع الميت لكلام الأحياء، وجعل اتصال العمل بحديث التلقين من غير نكير كافيًا في العمل به، ولم يحكم له بالصحة، بل قال في كتاب الروح: إنه حديث ضعيف، ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف، والعمل به بدعة، ولا يُغتر بكثرة من يفعله".
العبرة بالثابت، الثابت عن المعصوم، أما ما يحدثه الناس فإذا تواطئوا عليه وأكثروا من العمل به أنه لا يثبت به شرع.
"وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-: «كنتُ نهيتكم عن زيارة القبُور فزوروها»، رواه مسلم زاد الترمذي، أي من حديث بريدة: «فإنها تذكِّرُ الآخرة». زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود، وهو الحديث الخمسون بلفظ ما مضى وزاد: «وتُزَهّدُ في الدنيا»".
طالب:...
نعم....
"وفي الباب أحاديث عن أبي هريرة عند مسلم، وعن ابن مسعود عند ابن ماجه والحاكم، وعن أبي سعيد عند أحمد والحاكم، وعن عليّ -عليه السلام- عند أحمد، وعن عائشة عند ابن ماجه. والكل دال على مشروعية زيارة القبور وبيان الحكمة فيها، وأنها للاعتبار، فإنه في لفظ حديث ابن مسعود: «فإنها عبرة وذكر للآخرة والتزهيد في الدنيا»، فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعًا".
نعم، الحكمة من زيارة القبور فيما لا يلزم عليه شد رحل ولا سفر التذكر والاعتبار والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، والإحسان إلى الأموات بالدعاء لهم، واتباع السُّنَّة في ذلك، فهذا توجيه نبوي، أما إذا كان الشخص لا يعتبر ولا يتعظ، عند القبر أو في الأسواق لا فرق، فيعالج قلبه.
ذكر القرطبي -رحمه الله- في تفسير {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر1:2] أن قسوة القلوب إنما تعالج بزيارة القبور، إن لم يفد مثل هذا فبمشاهدة المحتضرين وتغسيل الأموات، أما إذا لم يجدِ هذا فعلى الإنسان أن يلح بالدعاء في أن يحيي الله -سبحانه وتعالى- قلبه، وما بعد هذا شيء، إذا شوهد الناس اليوم حول القبور فمنهم من يبيع ويشتري، ومنهم من يضرب المواعيد للأسفار والرحلات، بل شوهد من يدخِّن على شفير القبر، وهو كهل، ومن أهل البلد، -نسأل الله السلامة والعافية-.
طالب: ................
أين؟
طالب:...
كمِّل.
"وحديث بريدة جُمع فيه بين ذكر أنه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- كان نهى أولاً عن زيارتها، ثم أذن فيها أخرى. وفي قوله: «فزوروها» أمر الرجال بالزيارة وهو أمر ندب اتفاقًا، ويتأكد في حق الوالدين لآثار في ذلك".
لأنه حظر بعد نهي، وإلا فالأصل في الأمر الوجوب، لكن كونه بعد نهي جعله أهل العلم مستحبًا لا سيما والعلة تصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، تذكير الآخرة تزهيد في الدنيا، كل هذا مستحب.
"وأما ما يقوله الزائر عند وصوله المقابر فهو: سلام عليكم".
السلام عليكم، عندك سلام؟
طالب:...
نعم، السلام عليكم بالتعريف، ولذا يقولون: ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، يعني تقول: السلام عليكم وتقول: سلام عليكم، أما بالنسبة للميت فما ورد فيه إلا التعريف.
"السلام عليكم دار قوم مؤمنين".