أهل العلم يختلفون في هذه المسألة -في تعارض الوقف مع الرفع، أو الإرسال مع الوصل- فمنهم من يقول: العبرة بالمرفوع والموصول؛ لأن مَن رَفَعَ ووَصَلَ معهما زيادة علم، ولا يُلتفت لا لمن وَقَفَ ولا لمن أَرسَلَ؛ لأن مَن رفع معه زيادة علم خفيتْ على مَن وَقَفَ، وكذلك مَن وصل معه زيادة علم خفيتْ على مَن أرسل، فلا يُلتفت إلى مَن أرسل. ومن أهل العلم من أهل الحديث من يقول بالعكس: الحكم للوقف؛ لأنه المتيقَّن، والرفع مشكوك فيه، وكذلك العبرة بالإرسال؛ لأن الوصل مشكوك فيه، والإرسال هو المتيقَّن. ومنهم من يقول: العبرة بالأكثر. ومنهم من يقول: العبرة بالأحفظ..إلى غير ذلك من الأقوال، لكن الذي عليه عمل الأئمة والجهابذة الحفاظ الكبار أنهم لا يحكمون بحكم عام مطَّرد، بل يحكمون تبعًا لما تُرجِّحه القرائن، فأحيانًا يحكمون بالوقف ويُعلُّون المرفوع بهذا الموقوف، ويحكمون بالإرسال ويُعلُّون الموصول؛ لأن القرائن دلَّتْ عليه ورجحته، أو العكس، فليس هناك حكم عام مطَّرد، ولذلك كل حديث يُحكم عليه على حِدة، ويُنظر في أقوال الأئمة فيه، مع أن المتأخرين جرتْ عادتهم وقواعدهم المطَّردة على أن الحكم للرفع وللوصل؛ لأن معه زيادة علم، لكن الأئمة الحفاظ الكبار تجد أحكامهم متفاوتة في هذا بين حديثٍ وآخر.
فالعبرة بما تُرجحه القرائن، وهو الذي عليه عمل الأئمة الحفاظ؛ لأنا وجدنا في أحكامهم أنهم يحكمون بالإرسال أحيانًا، وأحيانًا يحكمون بالوصل، وأحيانًا يحكمون بالوقف، وأحيانًا يحكمون بالرفع، تبعًا لما ترجحه القرائن، وإن كان بعض الأئمة يميل ويستروح إلى الإرسال مثل: أبي حاتم، ومثل: الدارقطني فإن الغالب عنده الإرسال، لكن ليس هناك حكم عام مطَّرد، وأما بقية الأئمة الكبار الحفاظ مثل: أحمد، وابن المديني، وابن القطان وغيرهم من الأئمة الكبار فإنهم يتركون الحكم للقرائن في كل حديث، فيحكمون عليه بأن المحفوظ فيه الوقف، أو المحفوظ فيه الرفع، أو المحفوظ فيه الوصل، أو المحفوظ فيه الإرسال، والله أعلم.