أولًا: أعمال الجوارح لا بد لها من نية وإخلاص، وهو من أعظم أعمال القلوب، والثواب المرتَّب عليها على قدر هذا الإخلاص لله -جل وعلا-، فبقدر إخلاص العمل يكون عِظَم ثوابه، وأيضًا حضور القلب في أعمال الجوارح وارتباطه بالله -جل وعلا- له أثر في زيادة الثواب ونقصه، وليس للإنسان مِن صلاته إلا ما عقل، فقد يَخرج الإنسان بعُشر الثواب، أو بربعه، أو ثلثه، أو نصفه، أو أقل أو أكثر؛ تبعًا لحضور القلب في هذه الصلاة، وكذلك في غيرها من الأعمال؛ لأنه قد يقرأ القرآن وقلبه غافل ساهٍ لاهٍ، هذا ليس أجره كمن قرأ القرآن بقلبٍ حاضرٍ متفكِّرٍ متدبِّرٍ، فهنا يختلف الوضع بالنسبة لزيادة الثواب ونقصه، وهكذا.
فعلى المسلم أن يسعى في تزكية نفسه وأعماله القلبية، فالله -جل وعلا- يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس: 9] يعني: نفسَه، ويزكيها بالإخلاص، وهذا أهم ما تدور عليه الأعمال؛ لأن الإخلاص له أثر كبير في قبول العمل وردِّه، وكذلك المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهما شرطا القبول لجميع العبادات: الإخلاص، والمتابعة، وإذا وُجد الخلل في الإخلاص كان الأثر ناقصًا بقدر الخلل، فقد يكون العزوب عن استحضار العبادة يسيرًا ويعود إليها بقلبه هذا قد لا يؤثِّر كثيرًا، لكن إذا استمر في أكثر العبادة أخلَّ بها، وإذا قصد بها غير وجه الله فإنها تكون حينئذٍ باطلة وحابطة ويُؤاخَذ عليها، فأوَّل مَن تُسعَّر بهم النار ثلاثة -كما هو معلوم-:
- العالِم الذي يتعلَّم العلم ويعلِّمه الناس؛ ليقال عالم.
- والمجاهد الذي يُقتَل وهو في الظاهر في سبيل الله، ولكنه كان يجاهد ويقاتل؛ ليقال شجاع.
- وكذلك المتصدِّق الذي يتصدَّق وظاهر حاله أنه لله، ولكنه في حقيقة أمره؛ ليقال جواد.
هؤلاء الثلاثة -نسأل الله العافية- هم أوَّل مَن تُسعَّر بهم النار، فلا شك أن مدار العمل على النية والإخلاص، فبدلًا من أن يكون تعلُّم العلم وتعليمه من أفضل القربات وأعظم الطاعات يكون صاحبه مِن أوَّل مَن تُسعَّر بهم النار يوم القيامة، وقل مثل هذا في الجهاد، وفي الصدقة والإنفاق في سبيل الله، والله المستعان.