جاءت الأحاديث الصحيحة عنه -عليه الصلاة والسلام- أن مَن أكل ثومًا أو بصلًا فلا يقربنَّ مسجدنا [البخاري: 855 / ومسلم: 564]، وأمر به أن يُخرَج من المسجد [مسلم: 567]، وعلى كل حال على مَن احتاج إلى أكل الثوم والبصل ألَّا يؤذي الناس برائحته، وألَّا يأكل في أوقات الصلوات؛ لئلا يتسبب في ترك الصلاة مع الجماعة في المساجد إذا احتاج إلى ذلك، وقد قال الناس لما نَهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قربان المسجد بعد أكل الثوم: حُرَّمتْ، حُرِّمتْ، فبلغ ذاك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها» [مسلم: 565]، فهما من باب العلاج لا مانع من أكلهما، لكن يتحرَّى في ذلك أوقات تذهب فيها الرائحة قبل حضور وقت الصلاة، وإن بقي شيء يسير منها وخفَّفه بما رائحته طيبة فصار مقبولًا غير مؤذٍ للناس فالأمر في هذا سهل.
يبقى أن مَن جاور مَن أكل الثوم والبصل وتضايق بذلك: إن كان يستطيع إتمام الصلاة فعليه أن يتمها، وإذا كان لا يستطيع ذلك؛ لأن الناس يتفاوتون في هذا، والروائح أيضًا تتفاوت فبعضها لا يُطاق، فإذا كان لا يُطيق ذلك فلا مانع من قطعه الصلاة والانتقال من هذا الموضع. وبهذا نعرف حكمة النهي النبوي عن أكل الثوم والبصل مع الحضور إلى الصلاة في المساجد؛ لأن بعض الناس لا يُطيق، وبعض الناس يتحمَّل، وبعضهم شمُّه ضعيف، وبعض مَن يأكل تخرج منه الروائح كريهة بحيث لا تُطاق، وبعضهم أخف، وعلى كل حال يسعى للتخفيف بقدر الإمكان، وينظر في الوقت الذي يمكن أن تذهب معه الرائحة قبل حضور وقت الصلاة.
وكذا مَن يُهمل نظافة فمه أو يشرب الدخان، فكل ما يؤذي يُمنَع، {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58] فهذا يؤذي، وكذلك مَن يترك جواله على موسيقى والناس يصلون لا شك أن هذا مؤذٍ للجماعة، فيُخشى أن يدخل في الآية.