بيَّن ذلك أبو هريرة -رضي الله عنه- حيث قال: كان الصحابة يشغلهم العمل في أموالهم -يعني من الزروع-، والصفق بالأسواق -يعني البيع والشراء-، وأنا رجل مسكين ألزم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دعا له وأمرَه ببسط ردائه وأمرَه بضمه فلم ينس ما سمع منه -عليه الصلاة والسلام- [يُنظر: البخاري: 2047]، وأما غيره فاشتغلوا بما تمس حاجتهم إليه من قوْتهم وقوْت من تحت أيديهم، وهذا أمر مطلوب شرعًا، لكن لا شك أنه يعوق عن الحفظ وعن الجلوس لأداء الحديث للناس والراغبين، بخلاف من تفرغ لذلك، فهذه هي العلة. وبعضهم يرى أنه إذا أدَّى الحديث واحد لا يلزم أن يؤديه بعد أن بُلِّغ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وسقط الواجب بذلك، فلا يلزم أن يرويه كلُّ مَن سمعه، ولذلك حديث «إنما الأعمال بالنيات» [البخاري: 1] حُدِّث به على المنبر، وعمر –رضي الله عنه- خطب به على المنبر، ومع ذلك هو غريب في طبقاته الأربع الأولى، ما رواه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر –رضي الله عنه-، وما رواه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، وما رواه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا رواه عنه إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، مع أنه خُطب به على المنبر، هذا معروف عند أهل العلم أنه إذا نقله مَن تثبت الحجة بنقله سقط عن الباقين؛ لأن التبليغ من فروض الكفايات فلا يلزم أن يكون كلُّ مَن سمع ينقل ويروي، ويتبرع لذلك وينبري له مَن يحتسب الأجر والثواب من الله -جل وعلا- بالتبليغ، «بلغوا عني ولو آية» [البخاري: 3461]، «نضَّر الله امْرَأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها» [الترمذي: 2658] إلى غير ذلك، مع أن مَن انشغل ممن هو أكبر من أبي هريرة –رضي الله عنه- وأقدم صحبة انشغل بما هو نافع مما تحتاجه الأمة، وهكذا الأمة متكاملة، فهذا يتجه إلى كذا، وهذا يتجه إلى الفرع الثاني من أنواع العبادات...، وإلى غير ذلك.
السؤال
لماذا الصحابة الكبار الذين لازموا النبي -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم- لَمْ يُكثروا من رواية الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام- خلافَ غيرهم؟
الجواب