السَّحُور مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ، كما أنَّ الطَّهُور ما يُتَطَهَّرُ بِهِ، والوَضُوء المَاء الذِّي يُتَوَضَّأُ بِهِ، والسُّحُور هُو الفِعِل التَّسَحُّرْ، (تَسَحَّرْنَا مع رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ثُمَّ قام إلى الصَّلاة) فيهِ مَشْرُوعِيَّة الاجْتِمَاع على مِثْلِ هَذِهِ الأُمُور مِنْ سُحُور وفُطُور وغيرها، ومن أَفْضَل الأَعْمَال كَوْن الإِنْسَان يُؤْكَل على مَائِدَتِهِ، ويُحْسِنْ على النَّاس، ويَتَصَدَّق عليهم، وفِي الاجْتِمَاع بَرَكَة، وأُلْفَة ومَوَدَّة، (تَسَحَّرْنَا مع رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ثُمَّ قام إلى الصَّلاة، قالَ أَنَس: قلتُ لِزَيد... كم كان بين الأَذَان والسُّحُور؟ قال: قدْر خَمْسِينْ آية) هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ يُؤَخِّرُ السُّحُور، وما عِنْدَهُم سَاعَات فَلَكِيَّة دَقِيقَة، يُقَال: بين السُّحُور والأَذان رُبع ساعة، بين السُّحُور والصَّلاة رُبع ساعة - لا-، يُقَدِّرُونْ بِالأَعْمَال والأَعْمَالْ مُنْضَبِطَة؛ ولِذَا يَذْكُر الفُقَهَاء فِي دُخُول أَوْقَات الصَّلَوات بعض الأَعْمَال، يقُولُون مَنْ اعْتَادَ أنَّهُ يَصْنَع من طُلُوع الشَّمْس إلى زَوَالِهَا ماصة مثل هذه واضْطَرَدَ عِنْدَهُ هذا خَلاص مَا يَحْتَاج إِلى أنْ يَنْظُر إِلَى الزَّوَال مُجَرَّد ما تَنْتَهِي المَاصَة يُؤَذِّنْ، صاحِبُ القِرَاءَة بِقِرَاءَتِهِ، مَنْ اعْتَادَ أنْ يَقْرَأ فِي السَّاعة خَمْسَة أَجْزَاء يُقَدِّرْ عَلَى هَذَا الأَسَاسْ، يكون بين صلاتَي المَغْرب فِي الغَالِب وأذانْ العِشَاء سَاعة إذا انْتَهى من الخَمْسَة الأَجْزَاء يُؤَذِّنْ للعِشَاء، وهنا قَدَّرَ الوَقْتْ بِعَمَلِ البَدَنْ، والعَرَبْ تُقَدِّر بِذَلِك قَدْرْ حَلْبْ نَاقَة، والله جَلَسَ فُلانْ قَدْرْ حَلْبْ نَاقَة، قَدْرْ نَحِر جَزُورْ، وجَاءَت بِهَا النُّصُوص، وهُنا قَدْر خَمْسِين آيَة، فَمَنْ كان عِنْدَهُ عَمَل مُضْطَرِد مُنْضَبِطْ، يَعْتَمِد عليهِ، وقِرَاءةُ القُرآن مُنْضَبِطَة عِنْدَ من اعْتَادَها، خلاص تَعَوَّد أنَّهُ يَقْرَأ الجُزْء في نِصْفْ سَاعة، ثُلث سَاعة، رُبع سَاعة، اثَنا عَشَر دَقِيقة، تَعَوَّد خَلاص، يَنْضَبِطْ، وهَذَا شَيْءٌ مُجَرَّبْ، وهَذِهِ طَرِيقَة العَرَب في حِسَاب الأَوْقَات، تَقْدِير الأَوْقَات، قَدْر خَمْسِينْ آية، قد يقُول قائل: خَمْسِينْ آيَة مِنْ المَائِدَة أو مِنْ الشُّعَرَاء؟ أيهما أَطْوَل... آية المَائِدَة أو آية الشُّعَرَاء؟ المَائِدَة أَطْوَل آيَاتْ من الشُّعَرَاء، لا أَقْصِد طُولْ السُّورَة مع طُولْ السُّورَة!؛ لكنْ انْظُر أَنْت أنَّ الشُّعَرَاء نِصْفْ المَائِدَة وآيَاتُهَا الضِّعْفْ، يعني الآيَة مِن الشُّعَرَاء بِقَدْر رُبع آيَة من المَائِدَة ... فهل المُرَاد هذا أو هذا؟ ما بُيِّنْ؛ لكنْ إذا أُطْلِقْ مِثل هذا يَنْصَرِفْ إلى المُتَوَسِّطْ، لا آيَة المَائِدَة ولا آيَة الشُّعَرَاء من آيَات البَقَرَة مَثَلاً، فَالحَدِيثْ فِيهِ دَلِيل على تَأْخِير السُّحُور، ((لا تَزَالُ الأُمَّةُ بِخَيْر مَا قَدَّمُوا الفِطْر وأَخَّرُوا السُّحُور)).