حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة من كداء، -بالفتح والمد- من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى، بالضم كُداء كقُرى، هناك موضع آخر يقال له كُديّ، كسمي، يدخل مكة من أعلاها ويخرج من أسفلها: ولذا يقول الفقهاء: يسن دخول مكة من أعلاها -من كَداء- بالفتح- والخروج من أسفلها -من كُداء- بالضم- ويقولون أيضاً: افتح وادخل، واضمم واخرج، تسهيلاً للضبط؛ لأن الضبطين مشتبهان في الرسم، وأهل العلم يضبطون الكلمات بالشكل والحرف والضد والنظير، وغير ذلك، حرام بن عثمان ضد الحلال، الحكم بن عتيبة بتصغير عتبة الدار، وهكذا لهم طرق في الضبط، وهنا يقولون: افتح وادخل افتح الدخول مناسب للفتح، والمراد بذلك فتح الكاف ما هو بفتح باب، واضمم الكاف من كُداء كقُرى واخرج، يعني عند الخروج، نأتي إلى هذه المسألة وهي: مشروعية الدخول من أعلى مكة والخروج من أسفلها هل نقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قصد الدخول من هذا الموضع، والخروج من ذلك الموضع، أو نقول: أن هذا طريقه؟ أو هذا الأيسر بالنسبة له؟ فمن كان الأيسر له أن يدخل من الأعلى ويخرج من الأسفل فعل، وإن كان الأيسر العكس فعل، هل هذا العمل متعبد به؟ مما يقتدى به، أو من الأفعال التي حصلت اتفاقاً فلا يتعبد به؟ هل هذا مثل خروج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى العيد يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر فيتعبد به؛ لأنه تكرر؟ أو نقول هذا كونه دخل من أعلاها هذا المناسب لأهل المدينة، وكونه خرج من أسفلها؛ لأن النزول أيسر من الصعود، لا يقول قائل إذا كان الدخول من أعلاها هو المناسب لأهل المدينة لماذا لا يكون الخروج كذلك؟ النزول أيسر من الصعود، وقيل بهذا وهذا، إذا تيسر الدخول من أعلاها والخروج من أسفلها فهو الأولى، لكنه قد لا يتيسر لكل الناس لا سيما في المواسم؛ لأنه قد يقصد الإنسان هذا الموضع ثم يصرف عنه، أو يشق عليه مشقة بالغة إذا جاء من الجهات الجنوبية، كيف يلتوي على مكة إلى أن يصل إلى شمالها ثم يدخل! على كل حال من فعل ذلك مع اليسر متعبداً بذلك فلن يخيب ظنه ولن يعدم الأجر -إن شاء الله تعالى- ومن شق على ذلك فلا مانع ولا حرج -إن شاء الله- في المخالفة في مثل هذا.