((قال: الثُّلث والثُّلُث كثير)) وفي روايةٍ: ((قال: العُشر، وما زال يَزِيدُهُ حتَّى بَلَغَ الثُّلُث والثُّلُث كثير))، فمثل هذا أحياناً يأتي الإنسان عِنْدَهُ الرَّغْبَة الشَّديدة في الخير، فمثل هذا يُبدأ بهِ من الأدْنَى؛ لكنْ بعض النَّاس مُنْصَرِف، عِنْدَهُ الملايين والمِلْيَارات... هل يُقال لهُ لمثل هذا الثُّلُث كثير؟ أو يُقال لهُ أبُو بكر تَصَدَّق بجميع مالِهِ؟ النُّصُوص الشَّرعِيَّة تأتي بهذا، وهذا عِلاج لأحوالِ النَّاس وأوضَاعِهِم، شخص شحيح مُمْسِك، يقول: يا أخي أبو بكر تَصَدَّق بجميع ماله عسى هذا يَتَصَدَّق بالعُشُر، إذا قُلت لهُ مثل هذا الكلام! لكن شخص مُنْدَفِع جايب لك أموالُهُ كُلُّها تقول: يا أخي يكفي العُشُر، اترك مالك لِنفسِك وورثتك، فالنُّصُوص الشَّرعِيَّة عِلاج.
لمَّا جاء عبد الله بن عمرو وهو مُنْدَفِع يُريد أنْ يَقْرَأ القرآن كُل يُوم، قال لهُ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- اقرأ القرآن في شهر؛ لكنْ هل يَحْسُن أنْ يُقال لِطُلاَّب العلم يكفي منكم أنْ تقرؤُوا القرآن في شهر مع الانْصِراف الذِّي نُلاحِظُهُ؟! – لا – يُقال لهم: إنَّ عُثمان يختم في ركعة! وفُلان يختم في كُل يوم! أقلِّ الأحوال أنَّ طالب العلم يَقْرَأ القُرآن في ثلاث، يُقال مثل هذا لمن؟ للمُنْصَرِف عَلَّهُ أنْ يَرْعَوي؛ لكن المُنْدَفِع، تقول: لا يا أخي جُزْء في يوم تَتَدَبَّر هذا الجُزء أَفْضَلْ لك من خَتْمَة، فالنُّصُوص تأتي عِلاج لأمراض النَّاس، فالدَّاعِيَة والمُعلِّم والعالِم إذا رَأَى في النَّاس انْصِراف وتفريط أوْرَد عليهم من نُصُوص الوعيد، والعكس فيما إذا كان في مُجتمعٍ فيهِ إفراط وغُلُو أوْرَد عليهم نُصُوص الوَعْد، والأصْل التَّوَسُّطْ، يعني الأصل أنْ يُنْظَر إلى هذا مِثل ما يُنْظَر إلى هذا؛ لكنْ في المُجتمع المُتوسِّط؛ أمَّا إذا وُجِد غُلو وإفراط وتشديد تُقرأ نُصُوص الوَعْد، وأنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، وإذا وُجِد مُجتمع ثاني مُفَرِّط مُتساهل مُضَيِّعْ للواجبات مُرْتَكِب للمُحرَّمات، هات نُصُوص الوعيد، ومثل هذا فيما إذا جَاءكَ شخص مُنْدَفع يخرج جميع أموالِهِ تقول لهُ: لا يا أخي العُشُر، الثُّمن، الخُمس، إلى أنْ تصل الثُّلث كثير حد، كما فعل النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((قلت: فالشَّطر يا رسُول الله؟ -النِّصف-، قال: لا. قلتُ: فالثُّلث؟ قال: الثُّلث، والثُّلث كثير)).