قول عمر رضي الله عنه: «نعمت البدعة» [البخاري (2010)] إنما يدخل فيما يُسمى في علم البديع بالمشاكلةِ والمجانسةِ في التعبيرِ، فعلماء البلاغة يقولون: المشاكَلة ذكر الشيء بلفظِ غيره؛ لوقوعِه في صُحبتِه تحقيقًا أو تقديرًا؛ حيث يُطلق اللفظ ولا يُراد به إلا مجرَّد مجانسة لفظ آخر تحقيقًا أو تقديرًا.
فالتحقيق كقول الله جل جلاله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فـ«السيِّئة» الأولى - وهي الجناية- حقيقةٌ، أما معاقبة الجاني فهي حسنة، وإنما أُطلق عليها «سيِّئة» من بابِ المشاكلةِ والمجانسةِ في التعبيرِ. فهذا موجود في النصوصِ، وموجود أيضًا في لغة العرب؛ كما في قول القائل:
قالوا: اقترح شيئًا نجد لك طبخه قلت: اطبخوا لي جبَّة وقميصًا
فهذه مشاكلة، وإلا فالجبة والقميص لا يُمكن أن تُطبخا.
والتقدير أن يقدر اللفظ مشاكلًا لشيء لم يصرح به لكن يقدر كالملفوظ، فكأن عمر - وهو الخليفة الراشد المُلهَم المحدث الذي أُمرنا باقتفاء سنَّته - توقَّع - إن لم يكن قد وقَع - أن هناك من سيقول: «ابتدعت يا عمر»، فقال مجيبًا عن هذا: «نعمت البدعة».