كتاب الحج (09)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف رحمنا الله وإياه ووالدينا والمسلمين أجمعين:

"بَابُ نُزُولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ:

قال: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ: «مَنْزِلُنَا غَدًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ».

قال: حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، قال: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ بِمِنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ»، يَعْنِي ذَلِكَ المُحَصَّبَ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ، تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَوْ بَنِي المُطَّلِبِ: أَنْ لاَ يُنَاكِحُوهُمْ وَلاَ يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ سَلاَمَةُ، عَنْ عُقَيْلٍ، وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، وَقَالاَ: بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي المُطَّلِبِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: بَنِي المُطَّلِبِ أَشْبَهُ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ نُزُولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ" يعني أين نزل النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما عاد من منى إلى مكة، يعني بعد نهاية أعمال الحج في يوم الثالث عشر؟ وإن كان سيأتي في الحديث أنه غدًا من يوم النحر، قال: سننزل، ويأتي ما فيه.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ" الحكم بن نافع.

"قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ" وهو ابن أبي حمزة.

"عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ" وهو ابن عبد الرحمن.

"أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ" يعني بعد رجوعه من التعريف، ومجيئه إلى منى قال هذا الكلام، سُئل فأجاب، أين تنزل؟ فقال: ننزل في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، «مَنْزِلُنَا غَدًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ»، وقوله: «غَدًا» وهو في يوم النحر يعني به الثاني عشر، وهذا تجوُّز، الثاني عشر مكث في منى ولم يتعجل، وإنما نزل المحصَّب في الثالث عشر حينما فرغ من أعماله.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ" عبد الله بن الزبير الحميدي المكي.

"قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ" وهو ابن مسلم.

"قال: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ" وهو ابن عبد الرحمن.

"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ" يعني في اليوم الحادي عشر، يوم النحر العاشر، ومن الغد الحادي عشر.

"وَهُوَ بِمِنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ»" هناك قال: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ» وقالوا: إن تعليقه هذا بالمشيئة للتبرك لا للتعليق؛ وامتثال لقول الله –جلَّ وعلا-: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24]، فكل شيءٍ تحت مشيئته وتدبيره وإرادته، {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24]، كل شيءٍ بمشيئته- جلَّ وعلا-.

الصاوي في حاشيته على الجَلالين، وفي كلامه على هذا الاستثناء أورد مسألة الاستثناء في الإيمان وقول القائل: أنا مؤمنٌ إن شاء الله، وذكر الخلاف فيه، وذكر كلامًا قبيحًا مفاده أنه يجب تقليد الأئمة، وأنه لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالفت الكتاب والسُّنَّة وقول الصحابي، هذا كلامه في هذا الموضع، وهو كلامٌ لغو لا قيمة له.

"مِنَ الغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ بِمِنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ» يعني بذلك المحصَّب الذي نزل به النبي –عليه الصلاة والسلام- لما انتقل من منى. 

«حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ» قريش ومن حالفها تقاسموا على الكفر، يعني تحالفوا وكتبوا بذلك وثيقة.

"وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ، تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَوْ بَنِي المُطَّلِبِ" وهو الأصح بني هاشم وبني المطلب، يقول: «نحن وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ»، ولذلك مرجَّح عند كثيرٍ من أهل العلم أن أهل البيت الذين لا يجوز لهم أن تحل لهم الصدقة هم بنو هاشم وبنو المطلب.

"عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَوْ بَنِي المُطَّلِبِ"، وهذا شك من الراوي.

"أَنْ لاَ يُنَاكِحُوهُمْ وَلاَ يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، "حَتَّى يُسْلِمُوا" بأن يُخلُّوا بينهم وبينه، «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» إلى أن قال: «وَلَا يُسْلِمُهُ» يعني لا يتركه لعدوه، هذا المسلم فكيف بالنبي- عليه الصلاة والسلام-؟!

"أَنْ لاَ يُنَاكِحُوهُمْ وَلاَ يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" يعني حاصروهم في الشِّعب، والحصار وقطع الأكل والشرب والمصالح، والبيع والشراء هذه سُنَّةٌ جاهلية معروفة عندهم.

"وَقَالَ سَلاَمَةُ، عَنْ عُقَيْلٍ، وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، وَقَالاَ: بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي المُطَّلِبِ" من غير شك.

"قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ" وهو البخاري -رحمه الله- "بَنِي المُطَّلِبِ أَشْبَهُ"، يعني أرجح.

نعم.

"بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الآية [إبراهيم:35-37]"

يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} [إبراهيم:35] ترجم بالآية أو بالآيات، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم:35]، وهناك قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا} [البقرة:126] ،وقلنا: إن الفرق بينهما أن قوله: {اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا} [البقرة:126] يعني هذا المكان قبل أن يُوجد البلد، وأما بعد وجوده فيُشير إليه {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم:35].

قد يقول قائل: إنه لا فرق بينهما، وأن الإشارة كانت قبل وجوده، وأنها إشارة لما هو موجودٌ في الذهن لا في الأعيان، لكن الظاهر من السياق ما ذكرناه أولًا، كما يقول بعض المؤلفين: أما بعد فهذا كتابٌ، وهو لم يُولَّف بعد، كتب المقدمة، وقال هذا الكلام إشارةً إلى ما هو موجودٌ في الذهن.

{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] إبراهيم الخليل الذي حطَّم الأصنام يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، فكيف بغيره؟! الخوف من الشرك يقول إبراهيم التيمي: من يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم؟ الإنسان يجب أن يكون خائفًا وجِلًا من أن يقع في الشرك سواءً كان يشعر أو لا يشعر بقصدٍ أو بغير قصد، ما دام الخليل الذي حطَّم الأصنام يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم:35-36]، تبعه على الحنيفية على الملة وعلى الدين {فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم:35] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].

{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36]، هذا إبراهيم الخليل من رحمته ورأفته يذكر في هذا الموضع الذي تحصل فيه المعصية يقرنه بالمغفرة والرحمة، وهذا فيما دون الشرك، أما الشرك فغير قابل للغفران، {إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار}، نسأل الله العافية.

{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:37]، وقصة نقل هاجر وولدها إسماعيل إلى هذا الوادي الذي هو غير ذي زرع، وتركه إياهم لله –جلَّ وعلا- يحفظهم ويرعاهم معروفةٌ مشهورة.

{عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:37] يعني في هذا المكان المعظَّم لإقامة الصلاة.

{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:37]، فأجاب الله دعاءه، وصارت أفئدة الناس لا تُطيق الصبر عن هذا المكان، يترددون إليه، ويتناوبونه، ولا يمكن أن يخلو في يوم من الأيام.

{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:37]، البخاري اقتصر على القرآن فقط، ولم يذكر حديثًا، فلعله بيَّض له ليجد حديثًا على شرطه فلم يجد أو أنه اكتفى بالآيات.

وفي بعض النَّسخ، بل في شرح ابن بطال ضم هذه الترجمة إلى التي تليها؛ لأنه بعد ذلك وقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة:97] من دون باب، باب قول الله تعالى في الترجمة الثانية ليس فيها باب، مما يدل على أن الترجمة الثانية تابعة للترجمة الأولى.

وعلى كل حال أكثر النُّسخ والمتداول أنهما بابان، وكثيرًا ما يُبيِّض للحديث ليجد على شرطه حديثًا، ثم لا يجد، ويبقى بدون حديث.

نعم.

"بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة:97].

قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قال: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ».

قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-.

 قال: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ المُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ».

قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ، وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»، تَابَعَهُ أَبَانُ، وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ البَيْتُ، وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ، سَمِعَ قَتَادَةُ، عَبْدَ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ، أَبَا سَعِيدٍ".

قال –رحمه الله تعالى-: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة:97] {الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ} [المائدة:97] الطواف بالكعبة وهو البيت، {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، فالكعبة والبيت شيءٌ واحد بيت الله، بخلاف المسجد؛ ولذا يقول أهل العلم: تحية البيت –الذي هو الكعبة- الطواف، وتحية المسجد الركعتان.

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة:97] يعني قائمًا إلى أن تقوم الساعة.

{قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة:97] الشهر الحرام هل المراد به شهر بعينه أو الأشهر والمراد الجنس جنس الأشهر الحُرم؟

{وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} [المائدة:97] هذه شعائر يجب تعظيمها.

{وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا} [المائدة:97] أو نقول: شرع الله –جلَّ وعلا- هذه الأمور {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة:97] بحيث لا يخفى عليه شيء الذي يعلم السِّر وما هو أخفى من السِّر؟ لا شك أنه بكل شيءٍ عليم.

قال: "حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" وهو ابن المديني الإمام المعروف.

"قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو ابن عُيينة.

"قال: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ نعالى عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ»هناك قال: {قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة:97] يعني هو قائمٌ إلى أن تقوم الساعة، وتخريب ذي السويقتين للكعبة في آخر الزمان، وسيأتي أنه يُحَج البيت بعد يأجوج ومأجوج، وبعد أشراط الساعة، وإذا خُرِّبت الكعبة على يد ذي السويقتين من الحبشة لن تُعمَر بعد، فيكون الطواف على مكانها.

«يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ» ذو السويقتين تصغير تثنية الساق لما حقيقته ما عليه من الدقة والحموش، إذا قيل: أحمش الساقين: دقيقهما.

الأعمش سليمان بن مهران الإمام المعروف اشتكت امرأته من عمشه، وذهبت تشكوه إلى شخص، وبيَّن لها أنه إمام، ولا يغرك عمش عينيه، وحمش ساقيه، ونتن إبطيه، وعدَّد أشياء ما اشتكت منها.

فحموشة الساقين: دقتهما هي تكثر في هؤلاء الذين هم من الحبشة.

قال الأعمش: قاتلك الله أخبرتها عن أشياء لا تعرفها، هو أثنى عليه قال: إمام وهو إمام، الأعمش من أئمة الإسلام ومن حُفاظ الحديث، لكن أخبرها بأشياء كانت غافلةً عنها، كانت مترددة في الانفصال والخُلع يمكن تجزم.

قال: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قال: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ"، هنا في الغالب يأتي بحاء وهو الانتقال من إسناد إلى إسناد تحوُّل.

"قال: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ المُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ"، يعني العرب في الجاهلية وفي أول الإسلام كانوا يصومون عاشوراء، وقبلهم بنو إسرائيل كانوا يصومونه، ولما انتقل النبي –عليه الصلاة والسلام- هاجر إلى المدينة رآهم يصومون فسألهم، فقالوا: هذا يومٌ عظيم نجَّا الله في موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، فنحن نصومه شكرًا لله، قال: «نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فصامه وأمر بصيامه.

"كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ..."؛ لأن صيام رمضان إنما فُرِض في السنة الثانية من الهجرة.

"وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الكَعْبَة"، وهذا هو الشاهد ذِكر الكعبة والترجمة {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ} [المائدة:97].

"فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ»يعني تُرِك الوجوب نُسِخ الوجوب، وليست المشيئة هنا للتخيير تصوم أو ما تصوم إنما «مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ» من غير إلزام ولا وجوب، ولا تأثيم، وإنما صيامه من السُّنن المؤكدة، ويحتسب على الله أن يُكفِّر سنة، «وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ».

"قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ" وهو ابن حفص.

"قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ، وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»".

 يأجوج مأجوج وهما قبيلتان في آخر الزمان يُبالغ المؤرخون في أوصافهم إما في الطول وإما في القِصر، وأكثر المؤرخين على بيان قِصرهم، وأن قصرهم شيء لا يمكن مقارنته ببشرٍ موجودٍ الآن، وهذا من كلام المؤرخين ولم يثبت فيه شيء.

 المقصود أنهما أمتان عظيمتان مفسدتان، فإذا خرج يأجوج ومأجوج هذه من العلامات الكبرى، والنبي –عليه الصلاة والسلام- يقول: «لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ»، يعني بعد خروج يأجوج ومأجوج يُحَج البيت، بعد تخريب ذي السويقتين للكعبة، فالمراد مكانه على ما قال الشراح.

«وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»، تَابَعَهُ أَبَانُ، وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ" الساعة لا تقوم والأرض يُقال فيها: الله الله، والساعة تقوم على شرار الناس كما هو معلوم، فالكلام هنا محمولٌ على ما قبل قيام الساعة في آخر الوقت الذي يُوجد فيه الأخيار.

"تَابَعَهُ أَبَانُ، وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ" عندنا حجاج بن حجاج عن قتادة تابعه على روايته أبان وعمران تابعا الحجاج في روايته عن قتادة.

"وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ البَيْتُ، وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ" يعني أنه يُحج البيت، ولكن لا يظهر هناك معارضة أنه يُحَج في أوقات الأشراط، ولكن إذا أزِف قيام الساعة وهي لا تقوم إلا على شرار الناس لا يُحَج البيت يُعطَّل البيت كسائر الشعائر. "وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ" يعني أنه يُحَج.

"سَمِعَ قَتَادَةُ، عَبْدَ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ، أَبَا سَعِيدٍ" هذا يُبين أن الحديث "سَمِعَ قَتَادَةُ" وهو معروفٌ بالتدليس عن عبد الله بن أبي عُتبة قد رواه بالعنعنة، لكنه في التعليق اللاحق بيَّن سماع قتادة؛ فانتفت تهمة التدليس، وعبد الله بن أبي عتبة سمعه من أبي سعيد فهو متصل بالسماع.

يقول الحافظ ابن حجر: "ويظهر -والله أعلم- أن المراد بقوله: «لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ» أي: مكان البيت؛ لما سيأتي بعد بابٍ أن الحبشة إذا خرَّبوه لم يُعمَر بعد ذلك".

"بَابُ كِسْوَةِ الكَعْبَةِ:

قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قال: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ، قال: وحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الكُرْسِيِّ فِي الكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا المَجْلِسَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهُ.

قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلاَ، قَالَ: هُمَا المَرْءَانِ أَقْتَدِي بِهِمَا".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ كِسْوَةِ الكَعْبَةِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" الثوري.

"قال: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ" ويُصحَّف عند بعضهم بعاصم الأحول، واصل الأحدب صحَّفه بعضهم قال: عاصم الأحول، وهذا التصحيف يسمونه تصحيف السمع؛ لاشتراك هذه الأسماء بالوزن، الوزن الصرفي الوزن واحد واصل وعاصم واحد، والأحدب والأحول واحد والحروف متقاربة، فيسهل حينئذٍ التصحيف.

"حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ" شقيق بن سلمة.

"قَالَ: جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ" الحجبي من حُجاب البيت من بني شيبة.

"وحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الكُرْسِيِّ" هناك جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ"، وهنا "جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الكُرْسِيِّ فِي الكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا المَجْلِسَ عُمَرُ" يعني قبلك، هذا المجلس جلسه عمر- رضي الله تعالى عنه-.

"فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ" لا ذهب ولا فضة مما يُهدى إليها.

"إِلَّا قَسَمْتُهُ" بين المسلمين.

"قُلْتُ" يقوله شيبة "إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلاَ" وهما الرسول –عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر ما فعلا ذلك فكيف تفعله أنت؟ قال عمر –رضي الله تعالى عنه-: "هُمَا المَرْءَانِ" يعني الرسول –عليه الصلاة والسلام- وأبا بكر "أَقْتَدِي بِهِمَا" يعني فلا أفعل مثلهم- رضي الله عنه وأرضاه-.

طيب ما مصير هذه الأموال التي تُهدى إلى الكعبة "صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ" ذهب وفضة، فأراد عمر أن يقسمها بين المسلمين، فقال له شيبة الحاجب: الرسل –عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر ما فعلا؛ ليُبين أن ما يُهدى إلى الكعبة سواءٌ من الذهب والفضة أو الكسوة التي هي محل الترجمة مفاد الخبر أنه لا يتصرَّف فيهم، يعني إدخال هذا الحديث تحت باب الكسوة أن الكسوة تُهدى إلى الكعبة، وأنها مثل الذهب والفضة الذي يُهدى إليها، لكن ما مصيره؟

المفتاح أعطاه النبي –عليه الصلاة والسلام- بني شيبة، وقال: «خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً» يعني المفتاح خذوه «لَا يأخذه مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ»، لكن ما مصير هذه الأموال التي امتنع عمر من قسمتها اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ يعني هل تُستعمل هذه الأموال من الذهب والفضة لتحلية الكعبة، كما هو حاصلٌ الآن في الباب والميزاب أو تُصرَف فيما تحتاجه الكعبة، لو احتاجت مثلًا إلى ترميم وبيت المال ليس فيه شيء أو امتنع الخليفة في وقته من الترميم هل تُرمَّم من هذه الأموال التي تُهدى إليها؟

نرى ماذا قال الشارح؟

يقول: "قال ابن بطال: أراد عمر لكثرته إنفاقه في منافع المسلمين، ثم لما ذُكِّر بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتعرض له أمسك، وإنما تركا ذلك -والله أعلم-؛ لأن ما جُعِل في الكعبة وسُبِّل لها يجري مجرى الأوقاف، فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم الإسلام وترهيب العدو.

قلت: أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث، بل يحتمل أن يكون تركه -صلى الله عليه وسلم- لذلك؛ رعاية لقلوب قريش، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة «لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ»، ولفظه: «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابًا...» إلى آخر الحديث، فهذا التعليل هو المعتمد، وحكى الفاكهي في كتاب مكة أنه -صلى الله عليه و سلم- وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية، فقيل له: لو استعنت بها على حربك فلم يحركه، وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم؛ لزوال سبب الامتناع، ويمكن أن يُحمَل قوله: «فِي سَبِيلِ اللَّهِ» على ذلك –يعني التسبيل والتحبيس-؛ لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله، واستدل التقي السبكي بحديث الباب على جواز تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة ومسجد المدينة، فقال: هذا الحديث عمدةٌ في مال الكعبة، وهو ما يُهدى إليها أو يُنذر لها، وأما قول الرافعي: لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلها حكى الوجهين في ذلك:

أحدهما: الجواز تعظيمًا كما في المصحف والآخر المنع إذ لم يُنقل من فعل السلف، فهذا مُشكلٌ؛ لأن للكعبة من التعظيم ما ليس لبقية المساجد" إلى آخر ما قال.

المقصود أن هذا المال ما مصيره؟ وما مآله؟ أنه يُحبَّس ويُسبَّل ويُوقَّف على الكعبة فيما تحتاجه الكعبة.

نعم.

"بَابُ هَدْمِ الكَعْبَةِ:

قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ».

قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ، قال: حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ، يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا».

قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ»".

يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ هَدْمِ الكَعْبَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ»نسأل الله العافية.

هذا الحديث المُعلَّق عن عائشة –رضي الله عنها- موصولٌ عند الإمام البخاري في أوائل البيوع من طريق نافع بن جُبير بلفظ: «يغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ حتى إذا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ»، وفيه، قيل: فإن فيهم الباعة والسوقة، قال: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيّاتِهمْ».

«يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ»، لماذا لم يُخسَف بذي السويقتين لما شرع في هدم الكعبة، هؤلاء أرادوا الغزو خُسِف بهم، وذو السويقتين هدمها يقلعها حجرًا حجرًا، لماذا؟

طالب: ...............

قصة أبرهة والفيل وحبس الفيل عن الكعبة معروفة، وهؤلاء يغزون الكعبة فيُخسف بهم، وذو السويقتين في آخر الأمر إذا تم الأمر وأزِف قيام الساعة وانصرف الناس عن الدين، وإن كان يُوجد نُزَّاع يحجونها بعد هدمها، ولكن هي في النهاية. 

"حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ" الفلَّاس.

طالب: ...............

هو في آخر الزمان لا تقوم الساعة حتى لا يوجد من يقول: الله الله، هذا في آخر الأمر.

قال: "حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ" القطَّان الإمام المعروف، وعمرو بن علي الفلَّاس إمامٌ أيضًا.

"قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ" من رجال البخاري، وله أكثر من رواية، والكلام فيه من قِبل أهل العلم، يقول ابن حجر في الجزء العاشر من (فتح الباري): "وثَّقه الأئمة، وشذ ابن حبان، فقال: يُخطئ كثيرًا". هذا كلامه في الفتح، في هذا الموضع ما تكلم عليه ابن حجر في الجزء العاشر ذكر ذلك: "وثَّقه الأئمة وشذ ابن حبان، فقال: يُخطئ كثيرًا" مع أنه قال في (التقريب) "عُبيد الله بن الأخنس صدوقٌ، قال ابن حبان: يُخطئ" وسكت، كلام ابن حجر مطَّرد ولا مضطرب؟

مضطرب بلا شك، في (التقريب) يقول: "صدوقٌ، قال ابن حبان: يُخطئ" يعني ذكره ولم يتعقبه، وهناك في (فتح الباري) ذكره وتعقبه، بل وصفه بالشذوذ، وهو من رجال الصحيح، "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ" فالمعتمد توثيقه؛ لأنه وثَّقه الأئمة، وابن حبان معروف بالتساهل في التعديل والتشديد في الجرح.

"قال: حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ" عبد الله بن أبي مليكة.

"عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" حَبر الأمة وترجمان القرآن "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا" يعني عنه وعن أبيه.

"عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ»" يعني ذا السويقتين.

«كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ» يعني بعيد ما بين الساقين، بعيد ما بين الرجلين.

«أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا» بعض الناس كتب في بعض المواقع لما رُشِّح أوباما رئيسًا لأمريكا، قالوا: إن ترجمة أوباما بلسان الحبشة ذو السويقتين، ما أدري هو فرية للإثارة أو هو حقيقة؟ الله أعلم، لكن وقانا الله شره.

«يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا» هناك أرادوا أن يغزوا، ووصلوا بيداء من الأرض فخُسِف بهم، وهنا «يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا»، وأبرهة لما جاء إلى الكعبة؛ ليهدمها أُرسِلت عليه الطير الأبابيل، فقضت عليهم، وهنا لم تم الأمر، وقضى الله –جلَّ وعلا- أن تُهدَم؛ لقُرب قيام الساعة يقلعها حجرًا حجرًا.

الحَجاج لما أراد أو شرع في حرب ابن الزبير، وهو في مكة أرسل المنجنيق عليها، أرسل عليها المنجنيق، المنجنيق معروف أنه مثل القنابل يهدم.

قال: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ" وهو ابن سعد.

"عَنْ يُونُسَ" ابن يزيد الأيلي.

"عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ»" وعرفنا أن الهدم يكون في آخر الزمان قُرب قيام الساعة، ويُمكَّن ذو السويقتين من هدمها مع منع غيره من ذلك، بل من غزوها لأمرٍ يُريده الله –جلَّ وعلا- لقُرب النهاية؛ لقُرب قيام الساعة.

قال ابن حجر: "قيل: هذا الحديث يُخالف قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت:67]، ولأن الله حبس عن مكة الفيل، ولم يُمكِّن أصحابه من تخريب الكعبة، ولم تكن إذا ذاك قبلة، فكيف يسلَّط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة للمسلمين؟

وأجيب بأن ذلك محمولٌ على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة، حيث لا يبقى في الأرض أحدٌ يقول: الله الله، كما ثبت في صحيح مسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّه»، ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان: «لا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا». 

وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية، ثم من بعده في وقائع كثيرة أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة، فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرةً، وقلعوا الحجر الأسود فحوَّلوه إلى بلادهم، ثم أعادوه بعد مدةٍ طويلة، ثم غزي مرارًا بعد ذلك، كل ذلك لا يعارض قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت:67]؛ لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين، فهو مطابقٌ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلا أَهْلُهُ»، فوقع ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو من علامات نبوته، وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها. والله أعلم".

نعم.

"بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الحَجَرِ الأَسْوَدِ:

قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قال: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الحَجَرِ الأَسْوَدِ، عن مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قال: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ" سفيان بن عيينة.

"عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ" عابس تستغربون هذا الاسم؟ ما هو بأغرب من عباس صيغة المبالغة، لكن كثرة ورود الاسم عباس عباس على الأسماع ما يُستنكَر، لكن إذا قيل: عابس يُستغرَب؛ لأنه لا يتردد كثيرًا. 

"عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ-: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ"، هو حجر، وإن كان حجرًا فيما قيل أو فيما جاء به الخبر نازل من السماء، وكان أبيض سوَّدته –كما قيل في الأثر- خطايا بني آدم، فقيل: لِمَ لمْ تُبيضه طاعاتهم وحسناتهم إذا سوَّدته خطاياهم؟

طالب: .............

والأعمال الصالحة متجددة.

طالب: .............

نعم، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]، لكن لو قُدِّر أنه سوَّدته الخطايا، فانقلب الناس، وأسلموا، وصارت الحسنات أكثر كما هو في عهد الصحابة لِمَ لمْ يحصل البياض؟

قالوا: لأن البياض يقبل التسويد، والسواد لا يقبل التبييض –واضح؟

 لو أتيت بثوب أسود وتغسله الليل والنهار يصير أبيض؟ ما يصير، لكن الأبيض أدنى ما يأتيه يقلبه.

"جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ" وتقبيله جاء الخبر بالحث عليه: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ» فتقبيله سُنَّة، وهل يُشرَع في كل وقت أو مع الطواف فقط إذا حاذاه قبَّله أو مسحه أو أشار إليه، يعني إذا حاذاه في الطواف؟

فمن أهل العلم من يقول: إنه لا يُشرَع تقبيله إلا في الطواف، ومنهم من يقول: الأمر فيه مطلق ما دام يمين الله، وحث على تقبيله فليُقبَّل. 

"جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ" ليُسمِع من حوله منزلة هذا الحجر، وأنه حجر لا ينفع ولا يضر، وأن تقبيله مجرد اقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بعض الجُهَّال إذا نظر إلى الفعل ما يعرف الهدف والمقصد، فيظن أنه ينفع كما قالت المرأة التي ذكرنا بالأمس: أنه عندكم ما ينفع وعندهم ينفع. سبحان الله! حديد جيء به من المصنع، يعني لو قُدِّر أن يُركَّب على أي مكان ركِب ما فيه...، فقالت: عندكم ما ينفع وعندنا ينفع، البدع مثلما قلنا: إذا أُشرِبت القلوب حبها صعب الرجوع عن ذلك إلا بعنايةٍ إلهية، وصدق ممن أراد التوبة والإقلاع، والبُعد عن قدوات الشر، عن قدوات علماء السوء الذي يزاولون هذه الأعمال يقتدي بهم العامة، يطوفون على القبور، فيقتدي بهم العامة، فعليهم من الأوزار مثل أوزار من اقتدى بهم، نسأل الله العافية.

وكثيرٌ من هؤلاء المقتدى بهم منتفعة ينتفعون بهذا الاقتداء إما ماديًّا أو معنويًّا، وطوائف البدع معروف أن رؤوسهم يستفيدون من الأتباع، فرجوعهم صعب؛ حتى لا ينقطع هذا الانتفاع وهذا التعظيم، والعوام مساكين يصنعون ما يصنعه علماؤهم علماء السوء.

عمر –رضي الله عنه- أراد أن يبرأ من هذا الاقتداء من بعض الجُهَّال الذين لا يعرفون حقيقة الحال "فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"، تقبيله مجرد اقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم- فالانتفاع الذي نفاه عمر من الحجر، والانتفاع الذي رجاه عمر من الاقتداء، الاقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم- نافع أم غير نافع؟ نافع بلا شك يترتب عليه الأجر العظيم، فهذا انتفاع، ولكن ليس انتفاعًا بذات الحجر بقدر ما هو انتفاعٌ بالاقتداء بالنبي –عليه الصلاة والسلام- والائتساء به.

قال الطبري: "إنما قال ذلك عمر؛ لأن الناس كانوا حديث عهدٍ بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجُهَّال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يُعلِم الناس أن استلامه اتباعٌ لفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان.

يقول: تكميل: اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي، فقال: كيف سوَّدته خطايا المشركين، ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد؟ وأجيب بما قال ابن قتيبة: لو شاء الله لكان ذلك، وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ، ولا ينصبغ على العكس من البياض.

وقال المحب الطبري: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد، فتأثيرها في القلب أشد.

قال: وروي عن ابن عباسٍ: إنما غيره بالسواد؛ لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة" يعني انتقل من البياض وهو نازل من الجنة، فصار أسود؛ إنما غيَّره بالسواد؛ لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة.

"فإن ثبت، فهذا هو الجواب، قلت: أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف، والله أعلم".

طالب: .............

نعم استلام {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12]، وهذا من الآثار.

نعم.

"بَابُ إِغْلاَقِ البَيْتِ، وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ:

قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيتُ بِلاَلًا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ".

مشددة عندك الياء؟

طالب: اليمانيين، لا ما هي مشددة.

بين العمودين.

طالب: اليمانيين.

يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ إِغْلاَقِ البَيْتِ" الذي هو الكعبة، معروف أنها لها باب يُغلَق وتمنى الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن يكون لها بابان بابٌ يُدخَل معه، وبابٌ يُخرَج منه كما تقدم.

"بَابُ إِغْلاَقِ البَيْتِ، وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ" لكن المكان الذي صلى به النبي –صلى الله عليه وسلم- معروف كما جاء في الحديث.

"قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ" وهو ابن سعد.

"عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم" ابن عبد الله.

"عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ" وهذا أصح الأسانيد عند الإمام أحمد.

يقول:

وَجَزَمَ ابْنُ حنبلٍ بالزُّهْرِي
 

 

عَنْ سَالِمٍ أَيْ: عَنْ أبيهِ البَرِّ
 

"أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ"، بلال المؤذن، وأسامة بن زيد مولى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعثمان بن طلحة الحجبي حاجب.

"فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ" يعني من دخل، هذا مَن هو؟ ابن عمر، سيأتي أنه حج البيت كثيرًا، ولم يدخل الكعبة.

"فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلاَلًا، فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟"

ليقتدي، ابن عمر معروف بشدة تحريه في الاقتداء وفي موضعه، في روايةٍ: أين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ هنا قال: "هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ" اليمانيين الأصل في ياء النَّسب التشديد.

ياءٌ كَيَا الكُرْسِيِّ زيدت للنَّسَبْ
 

 

...............................................
 

ولذلك ابن تيميَّة أو ابن تيميِة إلا لو زيد فيه ألِف كما هنا، لو زيدت ألف أغنت عن الياء الأولى، اليمانيين، مع أن سيبويه أجاز التشديد في هذه الصورة، وإلا الجمهور على أنه لا يُجمَع بين البدل والمُبدَل.

"بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ" يعني الكعبة فيها كم عمود؟

طالب: ............

أو ستة؟

"بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ" في رواية الجويري: بين العمودين المقدَّمين، وفي رواية مالك عن نافع: جعل عمودًا وعمودًا عن يساره، وفي روايةٍ عنه: عمودين عن يمينه، وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطًا في باب الصلاة بين السواري بما يُغني عن إعادته، لكن نُذكِّر هنا ما لم يتقدم ذِكره أو نذكر هنا ما لم يتقدم ذكره، فوقع في رواية فُليحٍ الآتية في المغازي: بين ذينك العمودين المتقدمين، وكان البيت على ستة أعمدة، ستة ثلاثة وثلاثة سطرين، فجعل عمودين عن يمينه وعمود عن شماله.

"وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين العمودين من السطر المقدَّم، وجعل باب البيت خلف ظهره، وقال في آخر روايته: وعند المكان الذي صلى فيه مرمرةٌ حمراء، وكل هذا إخبارٌ عمَّا كان عليه البيت قبل أن يُهدم ويبنى زمن ابن الزبير، فأما الآن فقد بيَّن موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه –صلى الله عليه وسلم- وبين الجدار الذي استقبله قريبًا من ثلاثة أذرع، وجزم برفع هذه الزيادة مالكٌ عن نافعٍ، وأخرجه أبو داود، وصلى بينه وبين القبلة ثلاثة أذرع.

وفي كتاب (مكة) للأزرقي والفاكهي من وجهٍ آخر أن معاوية سأل ابن عمر أين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة، فعلى هذا ينبغي لمن أراد الاتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرعٍ، فإنه تقع قدماه في مكان قدميه- صلى الله عليه وسلم- إن كانت ثلاثة أذرع سواء، وتقع ركبتاه ويداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة أذرع، والله أعلم"

كل هذا ليس من المقصود في الشرع أن تقع القدم على القدم، أو الركبة على الركبة، كل هذا ليس من مقاصد الشرع، إنما يقع في الكيفية كيف سجد؟ أين وضع يديه؟ وهل فرَّجهما أو ضمهما؟ وهل جافى؟

ما وردت به السُّنَّة في صفة صلاته –صلى الله عليه وسلم-، أما أن تعمد إلى المكان الذي وقع قدمه عليه من الأرض، فتضع قدميك هذا فعلٌ ما وافق ابن عمر عليه أحد، وكان يُكفكف دابته؛ لتقع أخفافها على مواقع أخفاف ناقة النبي –عليه الصلاة والسلام-، وهذا ليس من مقاصد الشرع، ولا فعله من هو أكبر من ابن عمر.

نعم.

"بَابُ الصَّلاَةِ فِي الكَعْبَةِ:

قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قال: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الكَعْبَةَ، مَشَى قِبَلَ الوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَيَجْعَلُ البَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ، يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِ أَذْرُعٍ، فَيُصَلِّي، يَتَوَخَّى المَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلاَلٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الصَّلاَةِ فِي الكَعْبَةِ".

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قال: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الكَعْبَةَ، مَشَى قِبَلَ الوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ" يعني يقصد أمامه من الباب يستمر أمامه حتى ما يكون بينه وبين الجدار الغربي إلا ثلاثة أذرع.

"مَشَى قِبَلَ الوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَيَجْعَلُ البَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ" يعني خلف ظهره.

"يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِ أَذْرُعٍ، فَيُصَلِّي" الذراع مذكَّر أم مؤنث؟

طالب: ...............

ما قال: ثلاثة أذرع، هو يُذكَّر ويؤنَّث.

قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِ أَذْرُعٍ، فَيُصَلِّي" يعني يتوخى المكان الذي صلى به النبي –عليه الصلاة والسلام- فيتحرى، وَ"يَتَوَخَّى المَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلاَلٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ".

 يعني إذا تيسر له الدخول فليُصلِّ في أي مكان، وليس عليه بأس، وأصل الدخول إذا قيل بمشروعيته وسُنيته لا يعدو أن يكون سُنَّة، وتحري المكان قلنا: إنه فيما لم يرد به نص في الحث عليه كالصف الأول، ويمين الصف، وما أشبه ذلك، فإنه يستوي فيه المكان.

"وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ" يعني قِبل الوجه، قِبل الظهر مقابل، قِبل: مقابل ومواجه.

يقول: "وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ" يقول الشارح: الظاهر أنه من كلام ابن عمر، مع احتمال أن يكون من كلام غيره، وقد تقدم الحديث في كتاب الصلاة، في باب الصلاة بين السواري.

نعم.

"بَابُ مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الكَعْبَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَحُجُّ كَثِيرًا وَلاَ يَدْخُلُ.

قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَعْبَةَ؟ قَالَ: لاَ".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الكَعْبَةَ" الأحاديث السابقة تدل دلالةً قطعيةً صريحةً صحيحة بأنه دخل الكعبة، وصلى فيها، وهنا يقول: "بَابُ مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الكَعْبَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحُجُّ كَثِيرًا وَلاَ يَدْخُلُ".

 وفيما تقدم ما يدل على أن ابن عمر دخل وصلى، ولا يمنع أن يحج بعد ذلك مرارًا ولا يدخل، ولا يناقض القول بعضه بعضًا، ما فيه تناقض، نفترض أنه حج مرة أو مرتين أو ثلاثة ودخل الكعبة وصلى، وحج عشرين، ثلاثين مرة، ولا دخل ولا صلى، يصدق عليه أنه حج كثيرًا ولم يدخل "وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: يَحُجُّ كَثِيرًا وَلاَ يَدْخُلُ".

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ" وهو ابن مسرهد.

"قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" الحذاء أم الطحان؟

 ماذا تقولون؟

طالب: ..............

نعم.

طالب: ..............

هو الطحان كما قال الشيخ.

أحيانًا يقول البخاري: حدثنا خالدٌ عن خالد. الطحان عن الحذاء.

"قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ"؛ لأن الناس يَحطُمونه، ويتأذى بذلك –عليه الصلاة والسلام- من كثرة ازدحام الناس عليه.

 

"وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَعْبَةَ؟ فقَالَ: لاَ".

 قال النووي: قال العلماء: سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور، يعني حينما لم يدخل في هذه العمرة أو في الفتح أو في غيره البيت فيه أصنام، ولا يُطيق أن يرى هذه الأصنام، والصور، وفيه صورة لإبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان الأزلام، كما سيأتي في الحديث اللاحق، وكذبوا عليهما، «واللَّهِ إنِ اسْتَقْسَما بالأزْلَامِ» يعني ما استقسما بالأزلام، وهو من أبعد الناس عن ذلك إبراهيم وإسماعيل.

في هذه العمرة أو في فتح مكة ما دخل البيت ولا صلى، لكن الكفار لا يدعونه يدخل، أما بعد فتح مكة والهجرة وانتصار الإسلام، وحجة أبي بكر التي أُزيلت فيها الأصنام ووجود العراة، بعد ذلك دخل النبي –عليه الصلاة والسلام- في الأحاديث المثبتة.

"فلما كان الفتح أمر بإزالة الصور، ثم دخلها -يعني كما في حديث ابن عباس الذي بعده- ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع في الشرط، فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة زيادةً على الثلاث، فلم يقصد دخوله؛ لئلا يمنعوه.

استدل المُحب الطبري به على أنه –صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة في حجته وفي فتح مكة، ولا دلالة فيه على ذلك؛ لأنه لا يلزم من نفي كونه دخلها في عمرته أنه دخلها في جميع أسفاره. والله أعلم".

نعم.

"بَابُ مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الكَعْبَةِ:

قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، قال: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ»، فَدَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ".

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الكَعْبَةِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ" وهو ابن سعيد.

"قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ" وهو ابن أبي تميمة السختياني.

"قال: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ"، يعني يوم الفتح أول الأمر.

"وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ" يعني وحُطِّمت الأصنام، وجاء الحق وزهق الباطل.

"فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ –عليهما السلام- فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ" السهام أو الأقداح التي يستقسمون بها، ويكتبون على بعضها: امضِ، وعلى بعضها: لا تمضِ، وإذا أراد أحدهم سفرًا أدخل يده في الموضع الذي فيه هذه الأزلام، فيأخذ منها كيفما اتفق، فإذا خرج امضِ مضى، وإذا خرج لا تمضِ نكص، وكذبوا على إبراهيم وإسماعيل.

"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ»" يعني: لعنهم «أَمَا وَاللَّهِ قَدْ عَلِمُوا» وهم يجزمون أن إبراهيم وإسماعيل لم يستقسما بالأزلام، ولكن هذا من شدة المعاندة وتبرير أفعالهم بأفعال الصالحين ولو بالفرية كما هنا.

«أَمَا وَاللَّهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ» في بعض الروايات: «بهما» يعني الأزلام هذه فيها ما يدل على الخير، وفيها ما يدل على الشر، فهما نوعان، ولكن أكثر الروايات «بِهَا» أي: بالأزلام.

"فَدَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ" ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه صلى، والمثبِت مُقدَّم على النافي أو أنها مرار مرةً صلى، ومرةً لم يُصلِّ، وكلٌّ يحكي ما شاهد، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.