وعن أنس -رضي الله تعالى عنهُ- قال: قيل يا رسُولُ الله: ما السَّبيل! المُشار إليهِ في قولِهِ -جلَّ وعلا-: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران/97] ما السَّبيل! قال: ((الزَّادُ والرَّاحِلة)). يعني كُل من وَجَد زاد وراحلة يَلْزَمُهُ الحج! أو مِمَّا تَتَطَلَّبُهُ الاستطاعة الزَّاد والرَّاحِلة! يعني هل تفسير السَّبيل بالزَّاد والرَّاحلة يعني على فرضِ ثُبُوتِهِ وإلاَّ فهُو ضعيف؛ لأنَّهُ من طريقٍ مُرسل، وطريقٍ آخر من حديث ابن عُمر في سَنَدِهِ مَتْرُوك، تفسير السَّبيل بالزَّاد والرَّاحلة هو تفسير بالمِثال أو تفسير بالمُطابقة، يعني من وَجَد زاد وراحلة يَلْزَمُهُ الحج، لو افترضنا رجل وجد زاد وراحِلة؛ لكنَهُ لا يَثْبُت على هذهِ الرَّاحلة يلزمُهُ الحج أو لا يَلْزَمُهُ؟! لا يَلْزَمُهُ، شخص بِمَكَّة، ويستطيع أنْ يصل إلى المشاعر بنفسه من غير راحلة هل نقول لا يلزمُهُ إلا أن يجد راحلة؟! يلزمُهُ وإنْ لم يجد راحلة، فعلى كُلِّ حال الخبر ضعيف؛ لكنْ جُلّ النَّاس لا يَتَمَكَّن من أداء الحج إلاَّ بالزَّاد والرَّاحلة، وهي مما يتطلبُهُ الوُجوب، وعلى كل حال الوُجُوب إمَّا بالنَّفسِ أو بالغير؛ لأنَّهُ قد يجد زاد وراحلة يجد نفقة، يجد قُدْرة واستطاعة على الحج لا بنفسِهِ، عندهُ زاد وراحلة؛ لكنْ لا يثبُت على الرَّاحلة كما سيأتي في حديث من سألت عن أبيها الذِّي لا يثبت على الرَّاحلة، فلا يلزم من وُجُود الزَّاد والرَّاحلة القُدْرة والاستطاعة بالنَّفس، كما أنَّه لا يلزم من عدمهما عدم القُدْرة على الحج، كما نظَّرنا فيمن لا يحتاج إلى راحلة منْ أهل مكَّة مثلاً؛ بل من المسلمين من حج على الأقدام من أقاصي الدُّنيا، والخلاف في المُفاضلة بين الرُّكوب والمشي إلى الحج معروف بين أهل العلم، النبي -عليه الصلاة والسلام- حجّ على رحل، كما في الصَّحيح: ((حجَّ النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- على رحل، وحجَّ أنس على رحل ولم يَكُنْ شَحِيحاً)) لا شكَّ أنَّ الرَّحل مركُوب مُتواضع، وهكذا ينبغي أنْ تكُون حال المُسلم لا سِيَّما في مواطن العِبادة أنْ يَسْلُك هذا المَسْلَك، مَسْلَك التَّواضُع. تجد كثير من النَّاس الآن العكس، يُبَالِغُون في التَّرَفُّه، وإذا اعْتَمَر بحث عن الفنادق الرَّاقِيَة، وإذا أراد أنْ يَحُجّ بَحث عن الحملات الغالية، يُبَالِغُون مبالغ خَيَالِيَّة، ويُوَفَّر لهُم -على حَدِّ زَعمِهِم- ما يَفْتَخِرُونَ بِهِ إذا رَجَعُوا إلى أَهْلِيهِم، وهذا لا شكَّ أنَّهُ يُنافِي المَقْصود من العِبادة التِّي فيها العُبُودِيَّة، واستِشْعَار الذِّلّ والخُضُوع لله -جلَّ وعلا-.
لا شكَّ أنَّهُ ينبغي على وليِّ الأمر أن يَحُد من هذهِ المُبالغات التِّي تُوجد في بعض الحملات، تَجِد في إعلاناتِهِم، توفير كُلّ ما يَطْلُبُهُ الحج! وشَاركُوا بعض النَّاس؛ بل حتَّى في أقسام النِّساء ما يُوجد عندهُنّ في بُيُوتِهنّ وفي دوائرهنّ فيما بينهنّ يُوفِّرُون أكلات الضحى، وأكلات العصر، وأكلات ما أدري إيش!!! عندهم شيء فيهِ مُبالغة حقيقةً؛ لكن الله المُستعان، فالإشارة من الحديث أنَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- حجّ على رحل، وحجّ أنس على رحل ولم يَكُن شَحِيحاً، دليلٌ على أنَّ التَّواضُع مَطْلُوب في كُلِّ حال لا سِيَّما في مواطِن العِبادات، ومنهُم من يُفضِّل المَشي إلى العِبادة، والرجال قُدِّمُوا على الرُّكْبَان {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج/27] قُدِّمُوا على الرُّكْبَان، فَيَرَى بَعْضُهُم أنَّ المشي أفضل؛ لكنْ لا أفْضَل من عَمَلِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- وما اخْتَارَهُ من الرُّكُوب.
ولا شكَّ أنَّ الزَّاد أمرٌ لا بُدَّ منهُ، إنْ لَم يتيسر لهُ الزَّاد عاشَ عالةً على النَّاس، وكثير من المُتَصَوِّفَة الذِّين يُظْهِرُون التَّوكُّل على الله -جلَّ وعلا-، ويَقْطَعُونَ الفَيَافي والمَفَاوز بِدُونِ زاد يَزْعُمُونَ أنَّهُم يتوكَّلُون على الله -جلَّ وعلا-، ومع ذلك إذا حضر وقتُهُ تَكَفَّفُوا النَّاس وسَأَلُوهُم!!! هؤُلاء يتوكَّلُون على النَّاس، واللهُ المُستعان.