هذه الليالي العشر الذي هي أفضل ليالي العام يحرص الإنسان أن يحفظ نفسه فيها، ويضبط أموره، ولا يفرط في هذه الليالي، فشرع الاعتكاف لحفظ هذه الأيام وحفظ هذه الليالي، والاعتكاف أصله طول المكث والبقاء ولزوم المكان، وهو في الشرع: لزوم مسجد لطاعة الله - عز وجل-، وهذه الطاعة إنما تكون في الأعمال الخاصة كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتخذ حجيرة ويعتزل الناس، وعلى هذا جرى أزواجه وأصحابه من بعده، ولذا أهل العلم قاطبة يعطلون الدروس في هذه الليالي وفي هذه الأيام فلا تجد منهم من يدرس في هذه الليالي وإن كان معتكفاً في المسجد ليخلو بربه ويتعبد بالعبادات الخاصة اللازمة من صلاة وذكر وتلاوة وتفكر وتأمل وتدبر لكلام الله -جل وعلا-، فيعمر هذه الأوقات بطاعة الله -جل وعلا-، خلاف ما يفعله بعض من يعتكف في هذه الأيام التي كثرت فيها وسائل الراحة وصعب على النفوس تركها، بعض الناس يكون معتكف؛ لكن ما نصيبه من الصلاة؟ التراويح والرواتب والفرائض ولا أكثر ولا أقل، الاعتكاف، معتكف لأي شيء؟ ما نصيبه من تلاوة القرآن؟ يقرأ جزء جزئين ثم يمل وينام، وإلا يكلم الجوال، وبعض الناس عنده تلفون، وبعض الناس يزاول حياته العادية يؤتى له بالصحف والجرائد والرادو للأخبار، هذا اعتكاف هذا؟! إذا كان أهل العلم يعطلون تعليم القرآن والسنة؛ لأن النفس تحتاج لتربية، القلب يحتاج إلى صلة بالله -جل وعلا-، كيف تقوى هذه الصلة؟ تقوى بمثل هذا، بالانجماع والانكفاف عن الناس والاعتزال وقطع العلائق، بهذا يؤتي الاعتكاف ثماره..