وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شيءٍ من النَّوافل أشدُّ تعاهُداً منهُ على ركعتي الفجر)) وفي لفظٍ لمُسلم: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدُّنيا وما فيها)) قد يقول قائل: هاتان الرَّكعتان تُؤَدَّيان في دقيقتين، والإنْسَان يكدح طُول عُمره ما حَصَّل مليون! والدُّنيا فيها المِلْيَارات، نعم هي خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، يعني عند الله -جلَّ وعلا-، والدُّنيا لا تَزنُ عند الله جناح بعُوضة، ولو كانت تَزِن عند الله جناح بعُوضة ما سقى كافر شربة ماء؛ لكن هل يقدر المُسلمون قدر الدُّنيا وقدْر الآخرة؟! الذِّي يَلْهَثْ وراء الدُّنيا ليل نهار، وينشغل عن الواجبات ويقطعُ الأرحام ويرتكب المُحرَّمات من أجل الكَسْب! كسب الحُطَام، هل هذا عرف حقيقة الدُّنيا؟! ((كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)) ومع ذلك يبني القُصُور الشَّاهقة، ويمتلك الأموال، ويقطعُ الأرحام ويرتكب مُحرَّمات، مُوبِقات من أجل الحُطام! ويبخل بالأركان! يبخل بالزكاة التِّي هي رُكن من أركان الإسلام، هل هذا عَرف حقيقة الدُّنيا؟ الذِّي عَرف حقيقة الدُّنيا بالفِعل سعيد بن المُسيِّب عَرف حقيقة الدُّنيا جَاءَهُ مندُوب الخليفة يخطُبُ ابنتَهُ لابنِهِ، هذا السَّفير مندُوب الخليفة يقول: جاءتكَ الدُّنيا يا سعيد بحذافيرها، ابنُ الخليفة يُريد بنتك، ماذا كان جواب سعيد؟ قال سعيد: إذا كانت الدُّنيا لا تزنُ عند الله جناح بعُوضة، فماذا عسى أنْ يُقصّ لي الخليفة من هذا الجناح؟! صحيح وش بيعطيه من هالجناح؟ لكن، اللهُ المُستعان، حالُ المُسلمين، وواقع المُسلمين، ولِسَانُ الحال، يقول بأعلى الصُّوت: أن الدنيا أدنى شيء من الدُّنيا في عُرف النَّاس أفضل من الآخرة! يعني هو إنْ لم يَقُلْها بلسانهِ! هذا فِعل كثيرٍ من النَّاس، يعني لَغَط النَّاس، وصَخَبهُم النَّاس ولَهَثَهُم وراء هذهِ الدُّنيا يُؤَكِّد هذا؛ لكنْ على الإنسان وإنْ اعْتَنَى بِدُنْيَاهُ، وكان على خِلاف الأصل، خِلاف الهَدَفْ الشَّرعي من وُجُودِهِ وهو تحقيق العُبُودِيَّة، إذا نَسِيَ دِينَهُ فلا يَنْسَ ما أوْجَبَ اللهُ عليهِ، ولا يَجُوزُ بحال أنْ يَرْتَكِبَ ما حَرَّمَ اللهُ عليهِ، وما عدا ذلك الأمر فيه سهلٌ إن شاء الله تعالى، واللهُ أعلم، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسُولِهِ نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.