الإنسان الذي فرضه التقليد -سواء كان عاميًّا أو طالب علم مبتدئًا في حكم العامي- ليس له أن يتنقل في المذاهب بحثًا عن الأسهل، وهذا ما يُعرف عند أهل العلم بتتبع الرخص، فمثل هذا ربما يخرج صاحبه من الدين وهو لا يشعر؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها أقوال، فإذا كان ينتقي من هذه المسائل أسهل الأقوال، كأن تكون المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم، قال أحمد: حرام، وقال أبو حنيفة: مكروه، وقال مالك: جائز، يأخذ رأي مالك في هذه المسألة، جاءت مسألة بالعكس، قال مالك: حرام، قال أبو حنيفة: مكروه، قال أحمد: جائز، يأخذ برأي أحمد في هذه المسألة، فمثل هذا يخرج من الدين بالكلية، ويتنصل عن جميع الشرائع، ولا يبقى عنده إلا ما علم من الدين بالضرورة، مما اتفق عليه وأجمع عليه العلماء، ولهذا أثر عن السلف قولهم: «من تتبع الرخص تزندق»، يعني: خرج من الدين؛ فإنّ من يقول بهذه الرخصة لا يقول بتلك وهكذا، وجمعها في رجل واحد مفضٍ إلى الخروج من الإسلام ونبذ شرائعه، فمثل هذا لا يسوغ له أن ينتقل وينتقي من المذاهب، بل إذا قلد إمامًا رأى أن ذمته تبرأ بتقليده امتثالًا لقول الله -جل وعلا- {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] يلتزم قوله في كل مسألة، إلا أن يدلي غيره بدليل صحيح صريح في المسألة، فانتقل من تقليد هذا الإمام إلى اعتماد هذا الدليل، فتبرأ ذمته حينئذ.