تحقيق التوحيد سبب لحصول الأمن التام في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ} [الأنعام: 82]. ومفهوم الآية أن الذين لبسوا إيمانهم بظلم لا يحصل لهم الأمن، وليسوا بمهتدين. وهذه الآية لما نزلت قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّنا لم يظلم؟ فأنزل الله -عز وجل-: {إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] [البخاري (32)، ومسلم (124)]، فبين أن المراد بالظلم هنا الشرك، لا كما تبادر إلى أذهان الصحابة رضي الله عنهم أنه أي ظلمٍ الذي لا يسلم منه إلا من رحم الله، مع أنَّ الله -جل وعلا- حرَّمه على نفسه، وجعله بين الناس محرمًا، كما في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا» [مسلم (2577)].
وكذلك مما ورد في هذا المعنى قوله -جل وعلا- في سورة النور: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنًاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـًٔاۚ} [النــور: 55]، ومعنى العبادة هنا: التوحيد، بدليل المقابل {لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـًٔاۚ}. وأما الدين الذي ارتضاه الله لنا فهو الإسلام: {وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينًاۚ} [المائدة: 3]، وعلى هذا فالمشرك لا تحصل له هذه الخصال.
فلماذا البحثُ مع الجادة عن وسائل تحقيق الأمن والغفلُ عن مثل هذه التوجيهات الإلهية؟! فلماذا لا نعتني بالتوحيد، ونحارب الشرك بجميع مظاهره؛ ليتحقق لنا هذا الوعد بالأمن؟ فلا أمن إلا بتحقيق التوحيد، ولا أمن إلا بنبذ الشرك، وهذه هي النعمة العظمى التي يتقلب بها مَن منَّ الله عليه بتحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته من شوائب الشرك والبدع.