فلا يخفى ما ورد في فضل العلم الشَّرعيّ من نُصُوص الكتاب والسُّنَّة، ومنزلةُ العُلماء في الدُّنيا والآخرة، فإذا عُرِفَ هذا فقد سَلَك أهلُ العلم تَسهِيلًا لِسُلُوكِ هذا السَّبيل المُوصِل إلى الجنة، كما جاء في الحديث الشَّهير: ((من سلك طريقًا يَلتَمِسُ فيهِ عِلماً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقاً إلى الجنَّة)) سَلَكَ أهلُ العلم سُبلًا مُيسَّرةً لِتحصِيلِهِ، وقَسَّمُوا من أجلِ ذلك المُتَعَلِّمِينَ إلى طَبَقَات، وأَلَّفُوا لكلِّ طبقة ما يُناسِبُها من المُتُون، مِثل طبقة المُبتَدِئِين لهُم مُتُون تُناسِبُ أفهَامَهُم، وللمُتَوَسِّطِين مُتُون تُناسِبُ مَدَارِكَهم أيضاً، وللمُنتَهِين المُتَقَدِّمِين ما يُلَائِمُهُم من الكتب التِّي هي أوسع وأكثرُ بَسطاً من كُتُب الطَّبَقَتَين السَّابقَتَين، وهذِهِ الكُتب المَعرُوفة عند أهل العلم بالمُتُون مُقَابَلَةً لها بالشُّرُوح والحَوَاشِي؛ إنَّما أُلِّفت على هذا النَّمَط المُختَصَر؛ لِيَسهُلَ حِفظُها من قِبَلِ المُتَعَلِّمِين، وتَسهُل أيضاً قِراءَتُها على الشُّيُوخ، ومن ثَمَّ شَرحُها وبَيَانُها وتوضِيحها مِن قِبَلِهِم، وقديماً قيل: "من حَفِظَ المُتُون؛ حَازَ الفُنُون"، ومِنَ الطُّرُق التِّي تُعِين على حِفظِ هذهِ المُتُون مِمَّا وُجِدَ في هذا العَصر تَسجِيلُها على أشرِطَةٍ؛ لِيَتَسَنَّى استِمَاعُها في كُلِّ وَقتٍ، وعلى أيِّ حَال! فالاستِمَاعُ أوَّلُ العلم، كما قَرَّرَ ذلك العُلماء، قال سُفيانُ بن عُيينة: "أوَّلُ العلم الاستِمَاعُ، ثُمَّ الفَهم، ثُمَّ الحِفظ، ثُمَّ العمل، ثُمَّ النَّشر" فإذا استَمَعَ العَبدُ إلى كِتَابِ الله تعالى، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بِنِيَّةٍ صَادقة على ما يُحِبُّ الله؛ أفهَمَهُ كما يُحبّ، وجَعَل لهُ في قَلبِهِ نُوراً، فَأَولَى ما يَهتَمُّ بِهِ طالبُ العلم كِتَابُ الله -عزَّ وجل- الذِّي هو أصلُ العلوم الشَّرعيَّة، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُبَيِّنَةُ لكتاب الله -عزَّ وجل-، فَيَبدَأ الطَّالب المُبتدئ بِحِفظ المُفصَّل مِن كِتَابِ الله -عزَّ وجل-؛ إن لم يتيسَّر لهُ حِفظُهُ كَامِلًا، وما يُنَاسِبُهُ مِن سُنَّةِ النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كالأَربَعِين النَّوويَّة التِّي هي في الحَقِيقة قواعِد كُلِّيَّة من قواعد الشَّريعة، وعليهِ أن يُعنَى بِعَقِيدَةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، وما يُناسِبُهُ منها ككتاب الأُصُول الثَّلاثة، والقواعِد الأربع للإمام المُجَدِّد شيخ الإسلام مُحمد بن عبد الوهَّاب -رحمهُ الله -، وما يُعينُ على فَهم الكِتَاب والسُّنَّة كتُحفة الأطفال في التَّجويد، والبَيقُونِيَّة في المُصطَلَح، والوَرَقَات في أُصُول الفِقه، والآجِرُومِيَّة قواعد العَرَبيَّة، والقَواعِد الفِقهِيَّة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السِّعدي، وهذه في نظري كافِيَة لِمَن حَفِظَها بالنِّسبة لهَذِهِ الطَّبقة مِن طَبَقَاتِ المُتَعَلِّمِين، يَنتَقِلُ الطَّالب بعد حِفظِها، وفَهمِها، وقِراءَتِها على الشُّيُوخ، إلى كُتُب الطَّبَقة التِّي تَلِيها، فَأُهِيبُ بِأَولِيَاء أُمُور النَّاشِئَة أن يُوَجِّهُوا أولَادَهُم إلى العِلمِ الشَّرعِيّ على الجَادَّةِ المَعرُوفة المَطرُوقة عِندَ أهلِ العِلم، فِحِفظُ هذهِ الكُتُب؛ يُيَسِّرُ لطالب العلم تَحصِيل ما بعدها إن شَاءَ اللهُ تعالى، واللهُ أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على عبدِهِ ورَسُولِهِ نَبِيِّنا مُحمَّد وعلى آلِهِ وصَحبِهِ أجمَعِين.