كانت الأمور تحصل والكوارث تحصل للمسلمين، والكثير السواد الأعظم من المسلمين لا يدري بها ولا يشعر بها؛ لأنه ليس هناك وسائل اتصال ولا قنوات أخبار لا مسموعة ولا مرئية وقد يموت المسلم ما سمع بما يحصل لإخوانه في جهة من الجهات ولو طالت مدته، الآن في وقت الحدث تسمع وتشاهد، وهذا يزيد في مسؤولية المسلمين؛ لا سيما إن أمكنت مُساعدتهم بالنفس والمال هذا هو الأصل، وإذا حيل بين المسلم وبين ذلك فإنه لا يملك إلا الانطراح والانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، والأيام دُول، والسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، فما الذي يُؤمل غيرهم من أن يحصل لهم ما حصل لهم؟ من يُؤَمِّل المُشَاهِدْ أن يُشَاهَد غداً أو بعد غد؟ فالمسألة ليست سهلة، وإراقة دم مسلم، دم واحد شأنه عظيم عند الله -جل وعلا-، يعني زوال الكعبة أسهل من إراقة دم مسلم، فكيف بالعشرات؛ بل المئات؟! دماء المسلمين تُراق في كل مكان، ومع ذلك لا نملك إلا أن نتفرج، وكثير من المسلمين يبخل عليهم حتى بالدعاء! وبعض المسلمين لا يُوَفَّق للدعاء، قد يكون الإنسان محبوس مُوثق ومصدود عن هذا السلاح العظيم {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [ (60) / غافر ] وعد ممن لا يُخلف الميعاد؛ لكن مع ذلك علينا أن نبذل الأسباب، أسباب القبول، وعلينا أن نجتهد في انتفاء الموانع من قبول الدعاء؛ لأن الدعاء سبب من الأسباب، والسبب له أسباب، وقبول هذا السبب له أسباب، وردُّه ومنعه له أسباب، ادعُ الله أن يجعلني مُستجاب الدعوة، قال : ((أطب مطعمك تكن مُستجاب الدعوة)) مَنْ مِنَّا يُحقِّق ويُدقِّق في أمر المطعم؟ يعني الشُّبهات لا يَسْلَمُ منها كسب اليوم؛ إلا ما قَلّ ونَدَر، الإنسان يطَّلع على أموره وأحواله بنفسه، ولا يَكِل أمُوره إلى غيره هذا ممكن، يعني ما بالعهد من قِدَم، شيوخ لنا أدركناهم وأدركهم شيوخنا يُجاء لهم بالمريض ليرقوهم، فيقول واحد منهم اذهب إلى فلان لماذا؟ لأن قوته من كسب يده، أهل ورع وأهل دين وأهل زهد، طيِّب أنت ما عرفنا إلا خير، قال: لا والله أحيانا الولد يدخل للبيت بشيء مما يؤكل من راتبه، ولا ندري ماذا يصنع بالدوام هل يُخِلّ به أو لا يُخِلّ، النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمُدُّ يديه إلى السماء يا ربِّ يا رب، كل هذه من الأسباب، السفر سبب لإجابة الدعاء، الانكسار والانطراح، ورثاثة الهيئة سبب من أسباب قبول الدعاء، رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء، الدعاء بـ: يا رب يا رب كما قرر أهل العلم أنه أقرب الأسماء إلى الإجابة، وقالوا من دعا الله -جل وعلا- بـ: يا رب يا رب بخمس مرات أُجيبت دعوته، واستدلوا على ذلك بخواتيم سورة آل عمران، ((يقول: يا رب يا رب))؛ لكن الموانع موجودة ، ((مطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذِيَ بالحرام ، فأنَّى)) استبعاد ، ((فأنَّى يُستجاب لذلك)) يُسمع في المواسم العظيمة الأمة كلها تدعو في القنوت وفي غيره على مستوى الجماعات والأفراد، ولا يتغير شيء من الواقع لماذا؟ لأن الموانع متوافرة، والأسباب تكاد تكون معدومة! لكن لا يعني هذا أنه إذا اضطرد عدم الاستجابة أننا لا ندعو! ندعُو الله -جلَّ وعلا-، ونُصَحِّح أوضاعنا؛ لأنه يُسمع أحياناً ولا سيما في العام الماضي استسقى الناس مِراراً وكَرَّرُوا الاستسقاء، وما نزل شيء من المطر! ويُسْمَع من بعض من ينتسب إلى طلب العلم أنه لا داعي لمثل هذا الاستسقاء! وأننا كالمُستهزئين بالله أننا ندعو ونحن نحارب الله علناً بالمعاصي، ونجاهر بالمنكرات والربا على أشده، وغير ذلك من الأمور التي تمنع من إجابة الدُّعاء، يقول ماله داعي ليش تستسقي! نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، الاستسقاء سبب يُستجلب به المطر، تُطْلَبُ به السُّقيا؛ لكن الترك ليس بعلاج، العلاج أن تفعل، وأن تبذل، وأن تسعَ جاهداً بادئاً بنفسك بتوفير أسباب الإجابة، وبالتخلي عن موانع القبول ((فأنَّى يُستجاب لذلك)) والشبهات مُحيطة مُحدقة بنا من كل وجه، لا سيما في المطعم، الملبس والمركب الإنسان يعني يهمه أن يقع المال في يده من أيِّ وجهٍ كان! نعم يتورَّع كثير من المسلمين أن يأخذ حق أو مال مُسلم صراحةً علانية كثير من المسلمين يتورع عن هذا وإن وُجِد من يأخذ المال من غير وجهه؛ لكن هناك أمور ليس لها مالك مباشر مُواجه كالتساهل فيما يتعلق ببيت المال مثلاً، والتساهل في الوظائف، وعدم أداء الأمانة في التعليم وغيره، يتساهلون، وهذا خلل كبير؛ إن هذه الشبهات إذا تساهل فيها الإنسان سَهَّلَت عليه ما بعدها، يعني يتساهل الإنسان في الشُّبهات ((فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) لا محالة، ومن منا يسلم من الشبهات؟! ونجد من يُفتي بالإقدام والإصرار على الربا! يقول: تعامل وش المانع وتخلَّص! ويُفتون بالمُختلط ثُمَّ بعد ذلك أخرج النِّسبة التي يغلب على ظنك أنها دخلت عليك من غير الوجه الشرعي، يعني أقدم على المُحَرَّم ثُمَّ بعد ذلك تخلَّص منها! يعني كأنَّ هذا القائل إن كان التنظير لا ينطبق من كل وجه كأنه قال: ازني ثم اعقد! صَحِّح! الربا عند جمع من أهل العلم أشد من الزِّنا، وجاء فيه الحديث وإن كان الأكثر على تضعيفه؛ لكن بعضهم صَحَّحَهُ ((درهم من ربا أشد من ستةٍ وثلاثين زنية))، ونجد من يقول: المختلط، المُختلط ما فيه شيء! من يسلم من المُختلط! ضرورات!! إيش ضرورات؟ نحن الذين أوجدنا هذه الضرورات، ولاّ لو أُوصِد الباب من أصلِهِ ما وُجِدَت هذه الضرورات، ولا هناك ضرورات، هناك ضرورة التكاثر من المال من غير وجهه، ما هناك ضرورة، أقدم على الربا ثم تخلص! هذا لا يقول به أحد من أهل العلم، التخلص فيما إذا دخل عليك مال لا تعلم به ، ثم عرفت إنَّ هذا المال؛ نعم تخلَّص منه، أو دخل عليك هذا المال وأنت تعرف أنَّهُ مُحرَّم، ثم تُبت منه ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))، أما أن تُصِرّ عليه أو تُكَرِّرُهُ وتُعاوِدُهُ مِراراً وتِكراراً على أنَّهُ لا شيء فيه من الأصل ما فيه شيء؛ لأنك تنوي التخلص منه هذا لا يقول به أحد من أهل العلم، حتى الحنفية الذين قاسوا المختلط على قولهم في الطهارة، يقولون: الشيء اليسير لا يضر، هل يقول حنفي تعال يا فلان فبل قطرات على ثوبي ما يقوله عاقل هذا؛ لكن إذا حصل تساهلوا في الشيء اليسير من غير قصد، والذي لا يستبرئ من البول معروف أنه يُعذَّب في قبره كما جاء في الحديث الصحيح، أما أن يُقال أقدم على المُحَرَّم ثُمَّ تَخَلَّص منه؛ هذا لا يقول به عاقل، لا يقول به عالم، وفرق بين أن يَرِد الحرام من غير قصد ثم بعد ذلك يتخلَّص منه، وبين أنْ يُقْصَد الحرام ويًصر عليه ويُكَرَّر ثم بعد ذلك يقول تخلَّص منه! هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا كان الحنفية... هذا القائل الذي قاس الربا على يسير النجاسة، قالوا إن اليسير معفوٌّ عنه، فلا يُمكن أن يقول حنفي بحال من الأحوال أو يُلطِّخ نفسه بنجاسة يسيرة ثُمَّ يقول هذه معفوٌّ عنها! لكن إذا حصلت؛ هذا شيء آخر، من غير قصد على أنَّ أكثر أهل العلم أنَّ النجاسة متفاوته، ليس حُكمها واحد، يسير الدم يُعفى عنه، يسير المذي يُعفى عنه، النجاسات المُخفَّفة المُختلف فيها اختلاف كبير يقولون بالعفو عنها؛ لكن النجاسات المجمع عليها مثل البول ينص الشافعية والحنابلة على أنه لا يُعفى عن يسيرِهِ حتى ما لا يُدركه الطَّرف كرؤُوس الإبر لا يُعفى عنها، فبهذا نعلم أنَّ الدعاء له أسباب، وله موانع، وله أوقات إجابة، جوف الليل، صلاة جوف الليل مشهودة، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ندعُ في حال السُّجود في جوف الليل في الثلث الأخير من الليل في وقت النزول الإلهي، وفي ساعة الجمعة، يعني من دخول الإمام إلى الفراغ من الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، أوقات استجابة، وعشيَّة عرفة ممن يستغلها وغير ذلك من الأوقات التي يُستجاب فيها الدُّعاء الثابتة بالأحاديث الصحيحة، وكُتب الأدعية فيها الشيء الكثير عن الأسباب، والموانع، والأوقات، والآداب؛ فهذا أمره عظيم، وشأنه كبير؛ لكن كثير من الناس لا يُوفَّق للدعاء، فإذا وُفِّقَ للدُّعاء مع بذل الأسباب التي يُجابُ بها الدُّعاء؛ فقد وُفِّق للإجابة، والإنسان قد يدعو طُول عمره بشيء؛ وفي النهاية لا يحصل ! فهل أنت خسران؟ لستَ بخسران؛ لأنَّ كل من دعا الله -جل وعلا – لا بد أن يحصل له واحد من الثلاثة الأمور: إما أن تُجاب دعوته بما طلب، أو يدفع عنه من الشر ما هو أعظم مما طلب، أو يُدَّخر له يوم القيامة، وبعض الناس يستعجل ويستحسر دعوت ودعوت وما فيه فائدة! مثل ما يُقال عن صلاة الاستسقاء وغيرها والله المستعان.