قد يقول قائل: لماذا لا نصحح الفريضة على النصف أخذاً بعموم الحديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وعمومه يتناول الفريضة والنافلة؟ نقول: عمومه مُعارَض بحديث عمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) فلا تصح الصلاة إلا مع عدم الاستطاعة، ما الذي دلنا على أن المراد بهذه الصلاة النافلة؟ دلنا على ذلك سبب ورود الخبر, النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة مُحِمَّة – فيها حمى– فوجدهم يصلون من قعود, فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فدلنا سبب الورود على أن الصلاة نافلة, كما دلنا أيضاً على أنهم قادرون على أن يصلوا من قيام، فقصرنا الحديث على سببه؛ لأن عمومه مُعارَض بما هو أخص منه حديث عمران بن حصين، قد يقول قائل: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، نقول: صحيح, وهذه القاعدة متفق عليها, نُقِلَ عليها الإجماع, لكن يُعمَل بالعموم ما لم يُعارَض بما هو أخص منه, فإذا عُورِض هذا العموم, قصرنا الخبر على سببه كما سمعنا.
فسبب الورود يدل على أنه في النافلة, النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد وهم يصلون, ولو كانت فريضة ما صلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-, ودل على أنهم يستطيعون القيام, بدليل أنهم تجشموا القيام فقاموا وهم مرضى، فإذا كان الشخص يستطيع القيام, وصلى النافلة من قعود, صحت صلاته, لكن ليس له من الأجر إلا النصف، وأما الفريضة, فلا تصح إلا من قيام بالنسبة للقادر, وأما العاجز فتصح صلاته فرضاً ونفلاً, وأجره كامل -إن شاء الله تعالى-.