بالنسبة للتعامل مع الكافر الشريك في العمل هذا لا يخلو إما أن يكون ممن يرجى إسلامه، هذا يرجى إسلامه، فمثل هذا يلان له في الخطاب، لكن لا يبدأ بالسلام يتعامل معه معاملة حسنة، بحيث تكون هذه المعاملة باب من أبواب الدعوة، وذكرنا في المثال الذي أوردناه ابن الديان هذا الطبيب اليهودي لما حضر الدرس ما قال: أخرجوه، الشيخ ما قال: اطردوه من الدرس لأنه يهودي خبيث، نعم هو اليهودي خبيث، لكن يبقى إذا رجي إسلامه لا مانع من تمكينه من طلب العلم، والتعامل معه بالحدود والضوابط الشرعية، بحيث لا يبدأ بالسلام، وإذا ألين له الكلام وجومل في الكلام وحصل المداراة، وحصلت المداراة في هذا الباب هي مطلوبة، لكن لا تحصل المداهنة، فرق بين المداراة والمداهنة، أنت تتعامل مع شخص مخالف تداريه رجاء أن يسلم، لكن لا تداهنه، بمعنى أنك تتنازل عن شيء مما يجب عليك، أو ترتكب شيئاً مما حرمه الله عليك من أجل أن تستقطبه، نفسك أهم عليك منه، فعليك أن تأتي بما أوجب الله عليك بغض النظر عنه، أسلم أو لم يسلم ما هو بشأنك، فلا تتنازل عما أوجب الله عليك ولا ترتكب ما حرمه الله عليك من أجله، وأما المداراة ولين الكلام هذا أمره سهل، بحيث لا ترتكب محرم.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر الشخص الذي في خلقه شيء وقال في حقه: ((بئس أخو العشيرة)) لأن في خلقه وفي طبعه شدة، ثم بعد ذلك لما استأذن وأذن له ودخل ألان له الكلام؛ فروجع النبي -عليه الصلاة والسلام- تقول: ((بئس أخو العشيرة)) وتحدثه بهذا الكلام السهل اللين، قال: نعم، ((إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره)) فمثل هذا يتقى شره من جهة، وأيضاً يكسب بالخلق، وإذا نظرنا إلى تأثير تعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الشخص الذي بال في المسجد، بال في المسجد، ثار عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من باب الغيرة لله -جل وعلا-، واحترام بيوته، ثاروا عليه وكادوا أن يوقعوا به، النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي بُعث رحمة للعالمين قال: ((دعوه، لا تزرموه)) وهذا عين الحكمة، بمثل هذا تكتسب القلوب وتجتذب، أضف إلى ذلك ما يترتب على طرده من المسجد أثناء قضاء حاجته من الإضرار به وتكثير مواضع النجاسة وغير ذلك.
المقصود أن اللين ما دخل في شيء إلا زانه، ولا سلب من شيء إلا شانه، فعلينا أن نتعامل بالناس على مختلف مستوياتهم بالرفق واللين ولا نتنازل عن شيء مما أوجب الله علينا، بعض الناس يضيق ذهنه عن احتواء واستيعاب مثل هذه الأمور فتجده إما أن يصرم بالكلية، ويقول: أنا لا أستطيع أن أتعامل مع هذا إلا بشيء من التنازل، وبعض الناس يسترسل معه ويرتكب الصعب والذلول في سبيل دعوته وهدايته، فيتنازل عن الواجبات، وقد يرتكب بعض المحرمات فلا هذا، ولا هذا.
علينا أن نلين الكلام ونتعامل مع الناس بالرفق واللين والحكمة، ومع ذلك لا نتنازل عن شيء من أمور ديننا..