الرحلة في طلب العلم سنة مأثورة، وهي معروفة عند العلماء في جميع التخصصات الشرعية وفروع معرفة العلم الشرعي، ولا سيما عند أهل الحديث، وصنَّفوا في ذلك مصنفات في الرحلة في طلب الحديث، لكن إذا تعارضتْ هذه السنة مع طلب الوالد الذي تجب إجابة طلبه فلا شك أنه حينئذٍ يُقدِّم رغبة الوالد ويجلس في بلده، ويقوم على مصالح إخوانه وتربيتهم، ومساعدة والده على ذلك.
ويَذكر أن في بلده طلبة علم ومشايخ، فيستفيد منهم بقدر الإمكان، فيقدِّم رغبة الوالد ويجلس في بلده، ويساعده في أمور دينه ودنياه، وفي تربية إخوانه، ويبذل ما يستطيعه في طلب العلم من خلال التعاون مع هؤلاء -طلبة العلم والمشايخ-، وأيضًا الأمور الآن تيسَّرتْ أكثر من ذي قبل بتلقِّي العلم عن علماء الأمصار مع تباعد الديار عن طريق الأجهزة، فالدروس تُبَث الآن من خلال المواقع وفي الحوافظ من الأشرطة وغيرها، فيستفيد من ذلك، إضافة إلى ما يطلبه على مشايخ بلده، فالأمر ميسور ومدرَك، نعم الرحلة والمثول بين يدي الشيوخ وثني الركب أمامهم هذا هو الأصل، و«من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة» [مسلم: 2699]، لكن إذا تعارضتْ رغبة الوالد -وطاعتُه فرض- مع الرحلة في طلب العلم فلا شك أن المقدَّم هو رغبة الوالد، ويمكن أن يَستدرك ما يفوته من خلال ما ذكرنا، والله أعلم.