هذا يشرع ويبدأ في حفظ القرآن، وحفظ القرآن من أهم وأولى ما يُعنى به المسلم؛ لأنه إذا حفظ القرآن أمكنه قراءته على سائر الأحوال ما لم يكن جنبًا، فيحصل بذلك له الأجر العظيم، وتتيسر له قراءته قائمًا وقاعدًا وعلى جنب، وفي سائر الأحوال، لكنه يذكر أنه يصاب بالفتور والكسل إذا شرع فيه، ولا شك أن هذا من تثبيط الشيطان وإرادة ثنيه عن هذا العمل الطيِّب، فليحاسب نفسه، وليترك إن كان عنده شيء من المعاصي، فحفظ القرآن وحفظ العلم عمومًا لا شك أنه عبادة ونور، "ونور الله لا يؤتاه عاصي"، والقرآن كما قال -جل وعلا-: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [الأعراف: 146]، فانظر في نفسك وفي قلبك هل فيه شيء من الكِبْر فتُصرَف بسببه؟ فعالج قلبك، وعلى هذا إذا عقدتَ العزم وطهَّرتَ نفسك وقلبك مما يعوقك ويكون سببًا في صرفك عن حفظ القرآن فرتِّب وقتك، واعزم، واحفظ القدر الذي تستطيعه، ولا تكلِّف نفسك فوق ما تطيق، فإذا كنت لا تستطيع إلا حفظ خمس آيات فلا تحاول أن تحفظ عشرًا، بل رتِّب أمورك على هذا الأساس، ومن سار على الدرب وصل، ومن حفظ في كل يوم آيةً حفظه في مدة عشرين سنة، وآيتين في مدة عشر سنوات، وخمسَ آيات في مدة أربع سنوات، والحمد لله هو على خير، لا يستعجل ليأخذ العلم جملة فيفوته جملة.
وسواء بدأ من أول القرآن أو من آخره، لكنه من الآخر قد يكون أيسر على الطالب في أول الأمر.
وإذا حفظه على شيخ وبصوت مسموع فإنه يكون حينئذٍ أرسخ؛ لتضافر السمع والبصر، وأما إذا حفظه سرًّا فقد يصعب عليه أن يستذكره في أوقات أخرى، ويؤثِّر عليه أدنى سبب، فإذا مرَّ به سبب مِن تحرُّك شيء ضاع حفظه إذا كان حفظه سرًّا، أما إذا كان حفظه جهرًا فإنه يثبت ويستذكره؛ لتضافر السمع والبصر، ولا يتأثَّر إذا تحرَّك عنده شيء، والله المستعان.