إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْـزِلَة المُرَاقَبَة، واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ، يعني لو تَصَوَّرْنَا أنَّ الزَّانِي وهو يُزَاوِلُ هَذِهِ الفَاحِشَة يَسْتَحْضِر أنَّ الله -جلَّ وعلا- مُطَّلِعٌ عَليهِ، ما أَقْدَم على هذِهِ المَعْصِيَة، لو اسْتَحْضَرْنَا أنَّ المُرَابِي وهو يَعْقِد الصَّفْقَة يَسْتَحْضِر أنَّ الله مُطَّلِعٌ عَليهِ وأنَّهُ يُزَاوِلُ حَرْبَ الله -جلَّ وعلا- ما أَقْدَم على هذا العَمَل؛ لَكِنْ الذِّي يَقُودُ إلى هذِهِ الأُمُور الغَفْلَة، والغَفْلَة عُقُوبة من الله -جلَّ وعلا-، سَبَبُها ما يُغَطِّي القُلُوب منْ غَشَاوَة الذُّنُوب، هذا هُو الرَّان، إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْـزِلَة المُرَاقَبَة واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ وَتَرَكَ ما يُسْخِطُهُ؛ بَلْ ما لا يُقَرِّبُ إِليِهِ، واهْتَمّ بما يُقَرِّبُ منهُ حتى تَقَرّ عَيْنُهُ بِعِبَادَتِهِ، ويَأْنَسْ بِمُنَاجَاتِهِ، ويَسْتَوْحِشْ مِنْ غَيْرِهِ، يعني نَسْمَع في سِيَر المُتَقَدِّمِينْ التَّلَذُّذ بِمُنَاجَاةِ الله، الوَحْشَة مِنْ مُجَالَسَة المَخْلُوقِينْ، أَظُن هذا ضَرْب من الخَيَال... لماذا؟ لِأَنَّ الإِنْسَان يُؤَدِّي هذِهِ العِبَادَة عَلَى وَجْهٍ قَدْ لا يُكْتَبْ لَهُ مِنْ أَجْرِهَا شَيْئًا، يَأْتِي بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا؛ لَكِنْ لا يَحْضُر قَلْبُهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا، مِثْل هذِهِ العِبَادَة يَتَلَذَّذ بِهَا صَاحِبُهُا؟ يَرْتَاحُ بِهَا المُتَعَبِّد؟ هذِهِ الصَّلاة التِّي يُكَبِّر تَكْبِيرَة الإِحْرَام ويُسَلِّم ولا اسْتَحْضَر مِنْها شَيْء مِثْل هذِهِ العِبَادَة يَتَلَذَّذْ بِهَا صَاحِبُهُا؟ يَتَلَذَّذ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ إِذَا سَجَد وانْطَرَحَ بَيْنَ يَدَيْهِ؟ أَبَداً! تَجِدْهُ مَتَى يَنْتَهِي مِنْ أَدَاءِ هَذِهِ العِبَادَة، الآنْ وُجِدَتْ السَّاعَاتْ فِي جُدْرَانِ المَسَاجِدْ تَجِدْ الإِنْسَانْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مِنْ دُخُولِهِ! مِنْ تَكْبِيرة الإِحْرَام إلى السَّلام وعَيْنُهُ فِي السَّاعة مَتَى ينتهي؟ لماذا؟ لِيُرُوح يَسْتَانَسْ مع فُلانْ وعَلَّانْ، عَكْسْ مَا عليهِ سَلَفْ هذِهِ الأُمَّة، مِنْ أُنْسِهِمْ بِالله، وتَلَذُّذِهِمْ بِمُنَاجَاتِهِ، واسْتِيحَاشِهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، واللهُ المُسْتَعَانْ.
أقول: إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْـزِلَة المُرَاقَبَة، واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ، وَتَرَكَ ما يُسْخِطُهُ؛ بل ما لا يُقَرِّبُ إِليِهِ، واهْتَمّ بما يُقَرِّبُ منهُ حتى تَقَرّ عَيْنُهُ بِعِبَادَتِهِ، ويَأْنَسْ بِمُنَاجَاةِ ربِّهِ، ويَسْتَوْحِشْ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ لِسَلَفِ هذِهِ الأُمَّة، بِخِلافِ مَنْ غَفَلَ عَنْ مُرَاقَبَةِ الله -جَلَّ وعَلا-؛ فَإِنَّهُ لا يَتَلَذَّذ بِعِبَادَة؛ بَلْ تَثْقلُ عليهِ، ويَأْنَسْ بِغَيْرِهِ، وهَذَا أَمْرٌ مُشَاهِدٌ مُجَرَّب.