"إن العلم لا ينفع إلا بالعمل"؛ لأن هذا مستفيض على ألسنة أهل العلم، أن الثمرة من العلم هي العمل، كالثمرة من الشجر هي المقصودة منه، حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم: "إن العلم لا ينفع إلا بالعمل" تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه.
يعني كثير من الناس إذا سمع أن العلم لا قيمة له بدون عمل، يقول: إذاً لا داعي لئن أتعلم وأنا أرى كثيراً ممن تعلم لا يعمل بعلمه، نقول: العلم مطلوب ومرغب فيه، ويجب وجوباً عينياً على بعض الناس، وكفائياً على عموم الناس، ويستحب بالنسبة لسائر الناس، هذا بالنسبة للعلم، والعمل مطلوب أيضاً، لكن العلم متقدم على العمل كما ترجم الإمام البخاري -رحمه الله-: "باب: العلم قبل القول والعمل". يقول ابن حجر -رحمه الله-: قوله: فبدأ بالعلم، أي حيث قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [(19) سورة محمد] ثم قال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [(19) سورة محمد] والخطاب وإن كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو متناول لأمته؛ لأن الأصل أنه هو القدوة وهو الأسوة.
العلم يهتف بالعمل، والمقولة التي سبقت وهي: أن العلم بدون عمل كالثمر بلا شجر، هذه لها حظ من النظر؛ لأن الثمرة العظمى من العلم هي العمل، فإذا تعلم وعمل بعلمه، ودعا الناس إليه ووجههم وأرشدهم إليه، استحق أن يدعى ربانياً، فإذا علم هذا فميراث النبوة العلم والعمل والدعوة إلى هذا العلم والعمل، والصبر على ذلك، وهي المسائل الأربع التي قررها الإمام المجدد في الأصول الثلاثة، واستدل لها بسورة العصر التي قال فيها الإمام الشافعي: "لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم".