مفاتيح تفتح الآفاق أمام طالب العلم، وفي نقل عن سفيان بن عيينة بمناسبة المفاتيح وقفت عليه، يقول سفيان: أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر، علم بدون عمل؛ كشجر بلا ثمر، ما فائدة نخلة فحل لا تنبت بمفردها للزينة، ما الفائدة منها؟! أو من الشجر الذي يجعل كالمنظر في الشوارع وفي بيوت بعض العلية من القوم، هذه لا قيمة لها، مثل العلم بدون عمل، إن كان يتخذ العلم لا للعمل بل للزينة كما تتخذ هذه الأشجار هذه حقيقة مرة، هذه حجة على من تحمل هذا العلم، فعلى طالب العلم أن يعمل بما يعلم، إذا تعلم، استمع، فهم، حفظ، عمل بنفسه، نشر علمه، نشر علمه للآخرين؛ لكي يستفاد منه، و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وتصور أن بعض الناس تجرى لهم الأجور مئات السنين، كيف تجرى لهم مئات السنين؟! ((أو علم ينتفع به))، ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:.... أو علم ينتفع به)) طيب انتفع هذا الجيل وانقرضوا لأن بعض الناس يقول: العلم الذي ينتفع به خاص بالتصنيف هو الذي يستمر، أما بالنسبة للتعليم ينقطع بانقطاع الجيل الذي علمته، بعد ذلك ينتهي، لا يا أخي ما ينتهي، فضل الله واسع، أنت علمت زيد ومعه مائة من الطلاب، زيد هذا علم مائة، وهؤلاء أجورهم مثبتة لزيد وأجر زيد مع أجورهم مثبت في أجرك أنت، فالأمر عظيم جداً، وفضل الله -جل وعلا- لا يحد؛ لكن نحتاج إلى أن نطلب العلم بنية خالصة، ونتعلم، وننشر، ونعلم، ونؤلف بنية خالصة صالحة؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك، فإما أن يكون مع السفرة الكرام البررة، مع النبيين والصديقين، وإما أن يكون من أول من تسعر بهم النار -نسأل الله السلامة والعافية-.
فعلينا أن نعنى بهذا الشأن، ونخاف منه أشد الخوف، فالنشر لا شك أنه يوسع دائرة الأجر، فلك أجرك ولك عملك، ولك أجر من دللته على الخير ((والدال على الخير كفاعله)) والنشر يكون بالتعليم، والتعليم من أقوى وأعظم وسائل التحصيل، المعلم أول ما يبدأ بالتعليم يعني علومه محدودة بقدر ما حفظه وفهمه عن شيوخه ومن محفوظاته؛ لكن إذا علم الناس لا شك أن علومه تنمو وتزداد، وبركة آثار العلم تظهر عليه مع النية الصالحة الخالصة؛ و إلا إذا لم يعلم غيره لا يلبث أن ينسى ما تعلمه، ولنا عبرة بمن تعلم وتسلم المناصب العليا، وكان يشار إليه بالبنان، يشار إليهم، علماء كبار ثم بعد ذلك تركوا التعليم وانصرفوا عنه، نعم هم على خير، وعلى ثغور في مصالح العامة؛ لكن مع ذلك تركوا التعليم فانحسر علمهم، أخذ يتراجع، والنسيان آفة من آفات تحصيل العلم، النسيان معروف ما سمي الإنسان إلا لنسيانه، وكثير من الطلاب الذين مروا علينا أثناء التدريس في الجامعة نوابغ، وتجدهم مع الأوائل، وتسأل في القاعة وفي الفصل تجدهم -ما شاء الله- مبرزين في تحصيلهم، وقد فاقوا أقرانهم؛ لكن يتوظف بعد التخرج بوظيفة إدارية شأنه الكتابة، نعم الكتابة ما ينسى الكتابة لأنه يزاول الكتابة؛ لكن العلم إذا مضى عليه سنة نسي قدر من علمه، سنتين ينسى أكثر، ثلاث سنوات ينسى، خمس سنوات عشر سنوات يعود عامي أو في حكم العامي! فعلينا أن نتابع التحصيل والنشر، التعلم والتعليم، فالتعلم لا حد له "تفقهوا قبل أن تَسودوا" أو "تُسوّدوا" قال أبو عبد الله البخاري: "وبعد أن تُسوّدوا"؛ لأنكم إذا تسودتم وقفتم على حد نسيتم ذلك.