التشدد في الدين أن يعمل بأكثر مما طلب منه شرعاً، أو يزيد على القدر المحدد شرعاً، يزيد على القدر المحدد شرعاً فيلتزم به ويلزم به غيره، يتشدد يتنطع في الأمور التي فيها فسحة، نعم، كون الإنسان يحزم نفسه ويرتكب العزائم، ويقلل من الرخص، ويترك كثير من المباحات خشية أن تجره إلى المكروهات والشبه ثم إلى المحرمات، هذا ورع وليس بتشدد؛ لكن لا يلزم به غيره؛ إنما يلزم الناس بما دل عليه الكتاب والسنة.
فالإنسان قد لا يتوسع في أمور الدنيا، من الناس من لا يركب السيارة، وموجود؛ لكن مع ذلك هل له أن يحرم على الناس ركوب السيارة؟ ليس له ذلك، من الناس من لا يستعمل الكهرباء، يجوز له أن يحرم على الناس استعمال ما أحل الله لهم؟ أبداً؛ لكن هل يلزم بأن يستعمل الكهرباء أو يركب السيارة، وهو يرى الإباحة ما يرى التحريم، ولكنه يقول: أنا لا أتوسع في هذه المباحات، وأحمل نفسي على العزيمة، وأربيها على هذا، لئلا تجرني إلى ما هو ... هذا لا يلام؛ إلا إذا حصل بسبب ذلك ترك واجب، يقول: أنا لا أركب السيارة؛ لكن مكة لا أستطيع أن أحج إلا بسيارة؛ وأنا لا أركب السيارة، نقول: يجب عليك أن تركب السيارة؛ لكن في أمورك العادية وحاجاتك التي تقضيها بدون سيارة ما نلزمك تركب سيارة؛ لكن لا تحرم على الناس ما أحل الله لهم؛ فكون الإنسان يحزم نفسه، ويعامل نفسه بالعزائم لا يلام، وقد كان جمع من السلف يتركون تسعة أعشار الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، فكوني لا أتوسع في المباحات لا ألام؛ لكن كوني أحرم على الناس ما أحله الله، هذا محل اللوم، وهذا محل التشدد.