هذه المحبة بين البنت وأمِّها، وبين الولد وأمِّه وأبيه، منها ما هو جِبِلِّي ينبع من تصوُّر إحسان الوالدين إلى الولد، وأنهما سبب وجوده، ومنها ما هو شرعي ينبع من تدينه بطاعة الله -جل وعلا- الذي أمر ببر الوالدين ومحبة الوالدين، فهناك محبة جِبليَّة تجاه الوالدين بسبب أنهما السبب في وجود الولد، وأيضًا بإحسانهما إلى الولد، فإذا تصوَّر الولد -وهو أعم من أن يكون ذكرًا أو أنثى- ما حصل لوالديه منذ بداية الحمل إلى أن وصل إلى ما وصل إليه من المراحل التي يلزمه فيها البر، لو تصوَّر الولد من ذكر أو أنثى ما حصل لأمه من عناء الحمل وتعبه وكذلك الولادة، وشقاء الأم بسبب ذلك، ثم تعب الأب في رعايته وتربيته وتنشئته والإنفاق عليه، لتغيَّرتْ نظرة الولد لوالديه، ولأحبهما من أعماق قلبه، إضافة إلى أن الشرع أمره بذلك وأوجبه عليه، وأن حقهما أولى الحقوق بعد حق الله -جل وعلا-.
وكون مثل هذا يوجد في الناس، نعم هو موجود كسائر العبادات، والعبادات لا شك أنها في بداية الأمر تكون مع معاناة ومشقة، ثم يحصل فيها التلذُّذ والتنعُّم، فهذا من الأوامر التي أمر الله بها -أعني البر-، وهو أيضًا مما يوصل إلى الجنة، والجنة حُفِّتْ بالمكاره، فعلى المسلم أن يتعبَّد ويتديَّن ويفعل ما أُمر به تجاه والديه، ويتلذَّذ بذلك فيما بعد، بعد المجاهدة التي تكون في أول الأمر في جميع العبادات، ثم تنقلب إلى لذة واشتياق لهذا العمل، والله المستعان.
أما بالنسبة للإثم فإذا أدَّتْ ما عليها وما أُمرتْ به، ولا تُظهر لوالدتها أنها لا تتلذَّذ ببرها، لا تظهر لها ذلك، فإذا أدَّتْ ما عليها، ولم تقصِّر في حقها فلا إثم عليها.