ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أدركتْ ليلة القدر ماذا تقول، قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [الترمذي: 3513]، هذا من أفضل ما يقال، بل أفضل ما يقال في هذه الليلة، وإذا حصل للإنسان العفو من الله -جل وعلا- عما سلف من ذنوبه حصل له الخير، وبرئتْ ذمتُه -إذا قُبِلتْ دعوته- مما عمله وما اجترحه من الذنوب والمعاصي.
«اللهم إنك عفو» توسُّلٌ إلى الله ودعاء باسمه -جل وعلا-، والله -جل وعلا- يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، «تحب العفو» حثٌّ على العفو بين الناس، وأن يعفو بعضهم عن بعض، ويتقرَّبوا بهذا العفو إلى الله -جل وعلا- ويتوسلوا به؛ لأنه من صالح الأعمال، فإذا سأل الله -جل وعلا- باسمه العفو، وتوسَّل بعملٍ صالح وهو عفوه عن الناس، وطلب منه أن يعفو عنه، فهو حريٌّ وجديرٌ بالإجابة، ما لم يكن هناك مانع من قبول هذا الدعاء.
فقبول الدعاء له أسباب، وله آداب، وله موانع، فليحرص المسلم إذا دعا أن يبذل الأسباب ويمتثل آداب الدعاء، ويتحرَّى أوقات الإجابة، ومن أعظمها ليلة القدر، التي فيها السؤال من عائشة -رضي الله عنها-، فعلى كل حال إذا توسَّل أو دعا الله باسمه العفو وبذل السبب في عفوه عن الناس، وتقرَّب إلى الله بذلك، وتوسَّل بهذا العمل الصالح إلى الله -جل وعلا- ثم سأله، فهو حريٌّ بالإجابة.
لكن -مثل ما ذكرنا- لا بد أن يَبرأ من الموانع، ويتنصَّل منها، ولا يفعل ما يمنعه من إجابة الدعاء، ومن أعظم ذلك أكل الحرام، كما جاء في الحديث الصحيح: «ذَكَرَ الرجلَ يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وَغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟» [مسلم: 1015]، فعلى الإنسان أن يبذل أسباب الإجابة، ويَبرأ ويترك ما يمنع هذه الإجابة من أكل الحرام وغيره مما ذُكِر في الموانع.
ومن الآداب العامة للدعاء:
أولًا: أن يدعو بقلب حاضر، فالقلب اللاهي والغافل جاء ما يدل على عدم إجابته إذا دعا «واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ» [الترمذي: 3479] أو ما في معناه، فلا بد أن يستحضر في أثناء هذا الدعاء عظمةَ المدعو، ولا بد أن يكون مع ذلك منكسر القلب، وجاء في الأثر "أنا مع المنكسرة قلوبهم" [حلية الأولياء: 2/264]، ويُلح في الدعاء، ولا يستحسر ويستعجل ويقول: «قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أر يستجيب لي» [مسلم: 2735]، إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الآداب.