أولًا: هذا الذي يُعبِّئ هذه العبوات والظاهر أنها مما يُلقى حول المسجد من العبوات الفارغة، فتُعبَّأ من برادة المسجد، هذا المُحسن الذي يُعبِّئ هذه العبوة الفارغة ويدفعها لابن السبيل ويشربها خارج المسجد أو في طريقه في سيارته، هل هو يقبل مثل هذه العبوة المستعملة من قِبل غيره، وقد شرب منها بغير واسطة؟ كان الناس يتسامحون في مثل هذه الأمور، والإناء الواحد يدور على المجلس كله، والكأس الواحد يبقى في الزير وتُدخَل اليد ويُستخرج منها ويُشرب فيه ويُعاد، وإن بقي شيء كُبَّ في وسط الزير، الناس كانوا لا يأنفون من هذه الأمور؛ لشُح المياه، وأما في وقتنا الذي نعيشه وقد توافرت المياه، وترتَّب على ذلك التساهل في أمرها، والناس بين إفراطٍ وتفريط، فعلى الإنسان أن يكون معتدلًا في أموره، ولا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه، يقول: (تعبئة عبوة الماء الصغيرة: التي تُباع بريال) كيف تُعبَّأ؟ بعد أن كانت فارغة! (من البرادات التي خارج المسجد لعابري السبيل) هذا على ما فهمناه، وهو الظاهر.
يقول: (وهل يجوز أخذ العبوة الصغيرة من المسجد؛ لشربها في السيارة؟)، بعض الناس من الصغار وقد يحدث من بعض الكبار يكون لديه نوع شُح، فتجده يأخذ أكثر من حاجته، فيأخذ عبوتين أو ثلاثًا وهو يكفيه واحدة، ثم يضعها في جيبه أو في يده ويذهب بها، والواقف أو المُسبِّل ما يرضى بمثل هذه التصرفات؛ لأنه يَحرم غيره ممن هو أشد حاجة منه، فعلى الإنسان أن يتقي الله –جلَّ وعلا- ولا يستعمل هذه الأوقاف إلا فيما وُضِعت له، ولذا قالوا: لا يجوز لمن احتاج الوضوء أن يتوضأ من برادة المسجد؛ لأنها وُقِفت للشرب، فلا يتوضأ منها.
المقصود أن مثل هذا الذي أخذ العبوة الصغيرة الفارغة وعبَّأها من البرادة، أولًا: يُنظر في مسألة هل هو يقبل مثل هذا؟ ثم ليختر لأخيه وليُحب لأخيه ما يُحبه لنفسه. ثم بعد ذلك أخذ الماء الجديد الموقوف على هذه الجهة أو هذه البقعة من برَّادات المسجد، الآن البرَّادات وُضعتْ في المساجد ووُضع فيها أعداد كبيرة من عبوات المياه التي يحتاجها الناس في الشرب، هذه أخرجها من الموضع الذي أُوقفتْ فيه، فعليه أن يشربها في المسجد، نعم إن شرب منها في المسجد وبقي منها شيء بحيث لا يستعمله غيره، وزاد عن حاجته الآن فيَخرج به معه ولا يُوجد ما يمنع منه، لكن أن ينقلها من المسجد إلى خارجه فهذا هو الممنوع؛ لأن الواقف وَقَفَ هذا الماء على هذا المسجد، وعلى روَّاد هذا المسجد، وحدَّد الجهة، والله أعلم.