جاء في الحديث الصحيح في (مسلم) وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذَكَر يوم الجمعة، فقال: «فيه ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، وهو يصلي، يسأل الله شيئًا، إلا أعطاه إيَّاه»، وزاد قتيبة في روايته: وأشار بيده يُقلِّلها [البخاري: 935 / ومسلم: 852]، هذه الساعة يختلف فيها أهل العلم على قولين، ولكل منهما ما يُرجِّحه:
- أنها وقت دخول الإمام، هذه ساعة استجابة.
- وآخر ساعة من عصر يوم الجمعة.
وكلاهما مظنَّة لذلك، والأكثر على أنها آخر ساعة من عصر يوم الجمعة، وهذا الوقت في الأصل وقت نهي عن الصلاة، "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: «حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمس للغروب حتى تغرب»" [مسلم: 831]، هذه الأوقات الثلاثة مع الوقتين الموسَّعين: من بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس، ومن صلاة العصر إلى أن تتضيَّف الشمس للغروب، هذه خمسة أوقات، لكن أشدها الثلاثة المضيَّقة.
وعلى هذا لو دخل المسجد عصر الجمعة وقد بقي على غروب الشمس ربع ساعة أو ثلث ساعة، بعد اصفرار الشمس وبعد أن تتضيَّف للغروب، فالمرجَّح في هذه الساعة ألَّا يصلي؛ لأن النهي عن الصلاة في هذه الأوقات محفوظ، بخلاف النهي عن الصلاة في الوقتين الموسَّعين، فإنه مخصوصٌ بمَن تصدَّق على مَن فاتته صلاة الصبح كما في الحديث [الترمذي: 220]، وأيضًا النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر [البخاري: 1233].
فالمتَّجه ألَّا يُصلي في الأوقات المضيَّقة، ومن أهل العلم كالشافعية ومَن يقول بقولهم يرون أن ذوات الأسباب مخصوصة من هذه الأوقات الخمسة، لكن الجمهور على أن أوقات النهي مخصَّصة من عموم حديث ذوات الأسباب.
وعلى كل حال إذا قلنا بأن المتَّجه ألَّا يصلي، ولو صلى لا يُثرَّب عليه؛ نظرًا للقول الآخر وقوة دليله، لكن مع ذلك حديث المنع أقوى من جهة نظري؛ لأن عمومه محفوظ، وعلى هذا ففي «لا يوافقها عبد مسلم، وهو يصلي، يسأل الله شيئًا، إلا أعطاه إيَّاه» يكون المراد من الصلاة: الدعاء، ومن القيام: الملازمة والمواظبة، لا حقيقة القيام، أشار إلى ذلك العيني في (عمدة القاري)، ولو قيل: بأن الذي ينتظر الصلاة في صلاة، فهو في الصلاة حكمًا كأنه يصلي، فـ«لا يوافقها عبد مسلم، وهو يصلي» يعني: ينتظر الصلاة، فهذا مَحمَلٌ حسنٌ وموافِقٌ للأدلة الدالة على ذلك.
وقولنا بأن المتَّجه ألَّا يُصلي في الأوقات المضيَّقة، المراد صلاة النافلة، أما الفرائض ففيها «مَن نسي صلاةً، أو نام عنها، فلْيُصلِّها إذا ذكرَها، لا كَفَّارة لها إلا ذلك» [البخاري: 597 / ومسلم: 684]، والأوقات الثلاثة المضيَّقة -كما ذكرنا في الحديث- هي: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب، هذه الثلاثة، والوقتان الموسعان معروفان: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن صلاة العصر إلى أن يضيق الوقت بتَضيُّفِ الشمس للغروب.
فالوقت الموسَّع الأول من طلوع الفجر وليس من بعد صلاة الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، ومنهم مَن يرى أن ما قبل صلاة الصبح ليس محلًّا للنهي، فيجوز أن يتنفَّل فيه ما شاء حتى تُقام الصلاة مثل العصر، ولكن المرجَّح أنه من طلوع الفجر، بخلاف العصر فإنه من صلاة العصر، وأما راتبة الفجر قبل صلاة الفجر فهذه مستثناة، وإذا فاتته قبل صلاة الصبح فإنه يصليها بعدها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلًا يصلي الركعتين فقال: «صلاةَ الصبح ركعتين؟!»، فقال: إنه لم يُصلِّ ركعتي الفجر، فأقرَّه على ذلك [أبو داود: 1267]، ومع ذلك أقرَّ مَن يتصدَّق، بل حثَّ على التصدق على مَن فاتته صلاة الصبح، فدل على أن مثل هذا مستثنى، والله أعلم.