روى الإمام البخاري من حديث أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "دخل علينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ونحن نُغسِّل ابنته، فقال: «اغسلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا» يعني: ثلاث مرار أو خمس مرار، «أو أكثر من ذلك»، وفي بعض الروايات: «إن رأيتُنَّ» [البخاري: 1257]، يعني: يُسن تغسيل الميت ثلاث مرات، أو خمس مرات، أو سبع مرات عند الحاجة، والرؤية هذه مردُّها إلى الحاجة لا إلى التشهِّي، «بماءٍ وسدرٍ» يعني: بماءٍ مخلوطٍ بالسدر، «واجعلْنَ في الآخرة كافورًا» نبتٌ طيب الرائحة، وهو نوعٌ من الطِّيب، «فإذا فرغتنَّ» يعني: من غسلها، «فآذِنَّني» يعني: أعلمنني وأخبرنني، "فلما فرغنا آذنَّاه"، أي: أعلمناه –عليه الصلاة والسلام-، "فألقى إلينا حِقوه"، الأصل في الحقو أنه معقد الإزار، ويُراد به هاهنا الإزار نفسه من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، "فقال: «أشعرْنَها إيَّاه»"، يعني: اجعلنه شعارًا لها، والشعار: ما يلي الجسد من اللباس، ويُقابله الدِّثار الذي هو فوقه؛ ولذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- بالنسبة للأنصار: «الأنصار شِعار، والناس دِثار» [البخاري: 4330].
فقال أيوب: وحدثتني حفصةُ بمثل حديث محمد –أي: ابن سيرين-، وكان في حديث حفصة «اغسلْنَها وترًا»، وكان فيه: «ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا»، وكان فيه أنه قال: «ابدؤوا بميامنها، ومواضع الوضوء منها»، وكان فيه: أن أم عطية قالت: "ومشَطْناها ثلاثة قرون" [البخاري: 1254]، يعني: ضفرنا شعرها ثلاث ضفائر.
فالتغسيل المجزئ أن يُعم البدن بالماء، والسُّنَّة أن يكون وترًا: ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، ويُبدأ فيها بالميامن ومواضع الوضوء «ابدأْنَ بميامنها، ومواضع الوضوء منها» [البخاري: 1255]، وأورد بعضهم إشكالًا على الجملتين أن بينهما تضادًا وتعارضًا، فإذا بدأنا بالميامن لم نستطع أن نبدأ بمواضع الوضوء؛ لأن البداءة بالميامن تقتضي أن تُغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، وإذا بدأنا بمواضع الوضوء اقتضى ذلك أن تُغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى؛ لأن الترتيب في الوضوء كذلك.
قال العلماء: «ابدأْنَ بميامنها» في الغسلة التي بعد الوضوء، فأولًا يُبدأ بالوضوء، ثم يُبدأ بالشق الأيمن، ثم الشق الأيسر؛ لأن غُسل الحي كذلك، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- لما أراد الاغتسال توضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك اغتسل على الطريقة المعروفة المشروحة في (البخاري) وغيره، والله أعلم.