المسبَّبات لها أسباب، والمُسبِّب والفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وقد رتَّب هذه المسببات على هذه الأسباب، وجعل الله –جلَّ وعلا- لهذه الأسباب آثارًا في المُسبَّب، والمُسبِّب هو الله –جلَّ وعلا-، ولا تستقلُّ هذه الأسباب بالتأثير، فالله –جلَّ وعلا- هو الذي جعل فيها التأثير، خلافًا للمعتزلة الذين يقولون: إن الأسباب تستقلُّ بالتأثير، وإنها فاعلةٌ بنفسها، وخلافًا لمن يقول: إنه لا قيمة للأسباب، ولا تأثير لها.
فمَن يحتاط للبرد الشديد ويلبس اللباس الكافي الوافي ولا يتعرَّض للبرد، يقول مَن يرى الاعتماد على الأسباب: إنه بفعله هذا وقى نفسه، ووقتْه هذه الأسباب التي اتَّخذها.
والطرف الآخر يقول: وجود هذه الأسباب كعدمها.
وقرَّر أهل العلم أن الاعتماد على الأسباب قدحٌ في الشرع، وإهمال الأسباب بالكليَّة قدحٌ في العقل، بمعنى أنه لا يوجد فرق بين شخص اغتسل ونام عُريانًا في شدة البرد في السطح، وبين من أوقد النار في شدَّة البرد وجلس حولها ودَفِئ بها، بل العقل الصريح يُدرك أن أسباب تَوقِّي البرد مؤثِّرة وإن كانت لا تؤثِّر بنفسها استقلالًا، وإنما الفاعل الحقيقي هو الله -جلَّ وعلا-، وكم من شخصٍ يفعل الأسباب ويُصاب؛ لأن الله ما أراد أن ينفعه هذا السبب.
ومما يُقال تبعًا لذلك وهو كلامٌ فيه عمق يقولون: يقول الأشعرية -كما في (شرح الكرماني) وغيره-: يجوز أن يرى أعمى الصين بقَّة الأندلس، انظر كم بين الصين والأندلس؟! فأعمى الصين يجوز أن يرى صغار البعوض في الأندلس، في أقصى المغرب وهو في أقصى المشرق! لماذا؟ لأن الأسباب عندهم معطَّلة، والمُسبَّب يحصل عندها لا بها، يعني: لا يوجد عندهم فرق بين أعمى ومبصر، فالمسبَّب يحصل عند الأسباب لا بها، والمسألة تحتاج إلى بسط وتوضيح، وأظن أن الوقت لا يكفي، كما أن بسط مثل هذه الأمور عند عامة الناس ليس له أثر، والله أعلم.