(عمدة الأحكام في أحاديث الحلال والحرام) للحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي -رحمه الله- من أشهر المتون الحديثية التي يحفظها طلاب العلم، وأحاديثها ليست بكثيرة، تزيد على الأربعمائة بقليل، وهي مُنتقاة، وكل ما فيها صحيح، وشرْط المؤلف الحافظ عبد الغني أن تكون الأحاديث مما اتفق عليه الشيخان: البخاري ومسلم، هذا ما اشترطه وذكره في مقدمته، ولكن واقع الكتاب يدل على أنه أخلَّ بهذا الشرط قليلًا، فخرَّج أحاديث من أفراد (البخاري)، وخرَّج أحاديث من أفراد (مسلم)، وبعض الألفاظ والجُمل اعتَمد فيها على رواياتٍ للصحيح مرجوحة، فمعلومٌ أن (صحيح البخاري) يُروى برواياتٍ كثيرة، منها رواية أبي ذر، وهي المرجَّحة والمفضَّلة عند ابن حجر -رحمه الله-، ومنها -من غير استيعاب- رواية الكشميهني، ونص الحافظ ابن حجر على أنه ليس من الحُفاظ، ومما ذكره الحافظ عبد الغني في عمدته من رواية الكشميهني مما قالوا: إنه وهِم فيها «لو يعلم المارُّ بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف كذا وكذا» [البخاري: 510 / ومسلم: 507 / والعمدة: 113]، فمثل هذه اللفظة التي ذكرها الكشميهني «من الإثم» ولم يذكرها غيره ممن هو أحفظ منه، أو غيرها من جنسها، وهي قليلةٌ جدًّا، أو الروايات التي تفرَّد بها البخاري، أو تفرَّد بها مسلم، والأصل أن الحديث مما اتفق عليه الشيخان، مثل هذه يجعلها طالب العلم على باله حينما يُريد أن يحفظ، فيحفظها كما هي، ويحفظ الكتاب كما هو، بمعنى أنه يحفظها كما يحفظ الصحيح: (الصواب في اللفظة كذا) يحفظها، ويحفظ أيضًا ما ذكره المؤلف؛ لأنه اعتمد حفظ كتابٍ جرت العادة بحفظه كاملًا، فيحفظه ويتصوَّر ويتذكَّر أن هذه اللفظة ليست راجحة -مثلًا-.
والغريب أن الحافظ ابن حجر انتقد الحافظ عبد الغني في ذِكر لفظة «الإثم»، وقال: إنها لم تثبت إلا في رواية الكشميهني وليس من الحُفاظ، ووقع فيها ابن حجر في (البلوغ)، وذكرها كما ذكرها الحافظ عبد الغني، فالكمال لله، فكونه ينتقد ويقع في نفس ما انتقده يدل على أن البشر مهما بلغوا من الحفظ والضبط والإتقان يقع لهم ما يقع؛ ولذا قال الإمام أحمد –رحمه الله-: (ومَن يَعرى من الخطأ والنسيان)، ما أحد ينفك من هذا، لكن المسألة نسبيَّة، إذا كان خطؤه نادرًا فيُحكم له بالحفظ، وأنه من الحُفاظ، وإذا كثر الخطأ وفحُش الغلط حُكِم عليه بالضعف لذلك، والله أعلم.