(سراية الجناية مضمونة) بمعنى أن الجاني لو قطع أصبعًا من أصابع المجني عليه، فنزف دمه ومات بسبب هذه الجناية، فالواجب القصاص حينئذٍ إن مات من سراية الجناية، وليس للجاني أن يقول: (أنا ما قتلتُه وإنما قطعتُ إصبعه)، نقول: أنت السبب في موته؛ لأنك قطعتَ منه جزءًا فسرى أثر هذا القطع إلى بقية بدنه فمات بسببه، وسراية الجناية مضمونة، بمعنى أن هذا الجاني الذي قطع الإصبع يضمن ما ترتَّب على هذه الجناية من السراية، وقلنا في المثال: إنه إذا قطع إصبعه ونزف الدم حتى مات فإنه يُقتَص منه؛ لأنه ضامنٌ لسراية هذه الجناية.
(وسراية القصاص هَدَر) بمعنى أن الجاني لو كسر سنًّا أو اقتلع عينًا أو فعل شيئًا، ثم أردنا أن نقتص منه {الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45]، فاقتُص منه، فسرى أثر هذا القصاص إلى جميع بدنه فمات، كأن قلعنا سنَّه فنزف ومات، وهذا قصاص، ومَن مات في الحدِّ فالحقُّ قتَلَه، فهذه سببها جنايته على نفسه، ففرقٌ بين أن يجني على شخص، وبين أن يُقتص منه، ففي المثال الثاني: لو اقتلع سنًّا، ثم مات المجني عليه، صارت من الجملة الأولى (سراية الجناية مضمونة)، لكن لو ما مات المجني عليه، وأردنا القصاص من الجاني {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}، فاقتُص منه بقلع سنِّه، فنزف الدم ومات في هذا القصاص، فإنه حينئذٍ هَدر؛ لأنه هو الجاني الأول، ويتحمَّل أثر جنايته الأولى، والله أعلم.