يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: كفى شرفًا للصوم أن أضافه الله -جل وعلا- إلى نفسه، «الصوم لي، وأنا أجزي به» [البخاري: 1894]، ولذا قال جمعٌ من أهل العلم: إنه لا تدخله المُقاصَّة، كما في حديث المفلس الذي تعدَّى شره وضرره إلى الناس، فإن الناس يأخذون من حسناته، إلا الصيام فلا تدخله مُقاصَّة؛ لقول الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: «الصوم لي»، يعني: ليس لأحدٍ فيه شركة.
ومن جهة أخرى الصوم لا شك أنه سرٌّ بين العبد وبين ربه، فما الذي يمنع الصائم من أن يدخل غرفته الخاصة به، ويُغلق على نفسه -وقد وسَّع الله على الناس، كل غرفة من غرف الناس اليوم فيها ثلاجة، وفيها كل ما يتطلبه الإنسان-، فيتناول ما يشاء؟ لكن ملكة المراقبة التي ولَّدها الصيام تمنعه من ذلك، وهي التقوى التي ذُيِّلتْ بها آية الصيام، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، هذه التقوى، فتتقي الله -جل وعلا- في السر والعلن، فأمام الناس لا تأكل ولا تشرب، وأيضًا إذا خلوت بنفسك لا تأكل ولا تشرب، ولا تزاول مُفطِّرًا، والله المستعان.