أهل العلم يُطلقون الأعداد، ويُريدون التكرار والطرق والروايات، فتبلغ الأحاديث مئات الألوف، ويعتبرون أقوال الصحابة -رضي الله عنهم- أيضًا من الأحاديث، ولذا لمَّا قال الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وفيهِ ما فيهِ لقولِ الجُعفيْ: |
|
أحفظُ منهُ عُشْرَ ألفِ ألفِ |
لأن البخاري -رحمه الله- يقول: (أحفظ من الصحيح مائة ألف، ومن غير الصحيح مائتي ألف).
يقول العراقي بعدها:
وعلَّهُ أرادَ بالتكرارِ |
|
لها وموقوفٍ وفي البخاري |
أربعةٌ آلافِ والمكرَّرُ |
|
فوقَ ثلاثةٍ ألوفًا ذكروا |
فالأعداد لا يمكن عدُّها على التحديد، ولم يُعنَ بذلك أهل العلم من المتقدمين، وليس من شأنهم عدد الأعداد بدقَّة، ولذا تجد بونًا شاسعًا بين عدِّهم للكتب، أو ذكرهم لأعداد الأحاديث في الكتب، وبين ما هي عليه حقيقة، فحينما يقال: ("المسند" فيه أربعون ألف حديث)، وتُعدُّ أحاديثه بالتحديد فتبلغ ثلاثين ألفًا، فالفرق عشرة آلاف، فالعلماء ما يولون مثل هذه الأمور عنايتهم، و(صحيح مسلم) قيل في عدد أحاديثه: ثمانية آلاف حديث، وقيل: اثنا عشر ألف حديث، فهذا لا يُعنى به أهل العلم بقدر ما يُعنون بالحفظ، فبدلًا من أن يُمسك (المسند) ويَعدُّ: (واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، عشرون ألفًا، ثلاثون ألفًا...)، يحفظ مائة حديث، فليس هذا من اهتمامهم وعنايتهم، إنما يقولون بالتقريب. بخلاف عناية المتأخرين، فتجد المتأخرين يُعنون بهذه الأمور، فيُرقِّمون، ويُنظِّمون، ويُرتِّبون، لكن إذا جئتَ إلى العلم الحقيقي ما وجدتَ شيئًا.
وشخص من أهل اليمن أشكلتْ عليه القراءة في (تفسير الجلالين)، هل يقرأ فيه بطهارة أو بدون طهارة، فسأل، فقيل له: الحكم للغالب، أي: لأيهما أكثر: التفسير، أو القرآن. فعدَّ حروف التفسير، وعدَّ حروف القرآن، فيقول: (إلى سورة المزمل العدد واحد، ومن سورة المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير قليلًا)، فانحلتْ عنده المشكلة. لكن هل سلف الأمة يفعلون مثل هذا؟ أو هل الحريص على وقته يَعدُّ حروفًا؟! لا ما يَعُدُّ حروفًا.
فعلى كل حال هناك برنامج اسمه (جامع السنة)، فيه أحاديث مكرَّرة كثيرًا، تبلغ خمسمائة وثلاثة وعشرين ألف حديث -نصف مليون-، لكنه بالتكرار، مثل ما يحفظ الإمام أحمد -رحمه الله- سبعمائة ألف حديث، ويحفظ أبو داود -رحمه الله- ستمائة ألف، ويحفظ فلان...إلى آخره.