أحيانًا تكون مثل هذه المخالفة صارفة للنهي من التحريم إلى الكراهة، وللأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وهذا كثير، وأحيانًا يُحمل الفعل على الخصوصية، أي: أنه خاصٌّ به -صلى الله عليه وسلم-، والأمر لغيره من سائر الأمة.
وعلى كل حال المسألة التي مَثَّل بها السائل -مسألة الشرب قائمًا- جاء فيها النهي، وجاء فيها التشديد: «مَن شرب قائمًا فليقئ» [يُنظر: مسلم: 2026]، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه شرب من ماء زمزم قائمًا [البخاري: 1637]، وشرب من شنٍّ معلَّقة قائمًا [الترمذي: 1892]، فقال بعضهم: إن الأصل أن يشرب جالسًا، لكن لو رأى أن الحاجة تدعوه إلى الشرب قائمًا، كما لو كان المكان غير مناسب، بأن كان فيه مياه، كما هو الشأن في أماكن الشرب، حيث يتناثر فيها الماء من الشاربين، ثم رأى أن الجلوس غير ممكن، فحينئذٍ للحاجة يشرب قائمًا، وقيل هذا في شربه -عليه الصلاة والسلام-.
ومنهم مَن يقول: صُرف النهي إلى الكراهة، فلا إثم فيه، والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة.
أما القول بأن الشرب قائمًا من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-، والنهي عنه لسائر الأمة -كما قال به بعضهم-، فمثل هذا لا تتَّجه فيه الخصوصية؛ لأنه لا معنى لها، والتخصيص يحتاج إلى دليل.