بالنسبة لطالب العلم في بلدٍ يعمل بمذهب معيَّنٍ من المذاهب المُعتمَدة الأربعة، ففي بداية الأمر يَعتمد متنًا من متون هذا المذهب، ويفهمه، ويحفظ مسائله، ويتصوَّر هذه المسائل، ويمشي على الكتاب كاملًا بقراءة شرح من شروحه. وهناك طريقة لأهل العلم ذكرها ابن بدران في (المدخل) قال ما معناه: (إننا نجتمع خمسة، أو ستة من الطلاب متقاربين في الفهم والحفظ، فنحفظ القدر الذي نُحدِّده من هذا المتن، ثم يأخذ كلُّ واحد منَّا ورقة وقلمًا، ويشرح ما حفظه، من تلقاء نفسه من غير رجوع إلى شروح، فإذا انتهينا من شرح القدر المحدَّد تداولناه بيننا، كلٌّ يقرأ شرحه، وكلٌّ يناقش الآخر، ويصحِّح بعضنا من بعض، ثم نرجع إلى الشرح الموجود من شروح أهل العلم، ونُصحِّح أخطاءنا، فتثبت المعلومات لدينا، ثم نقرأ إن كان هناك حاشية، وبعد ذلك نذهب إلى الدرس عند الشيخ، ونتلقَّى عنه ما زاده على ما فهمناه وما تداولناه من شرح وحاشية، ونُصحِّح على الشيخ إذا كان عندنا أو في الشرح شيء من الوهم)، وبهذه الطريقة يثبت العلم.
فطالب العلم إذا قرأ المتن الذي اعتمده في بلده من مذهب معيَّن، وليكن المذهب الحنبلي المسؤول عنه، فيعتمد -مثلًا- (زاد المستقنع)، وليس هذا في بداية الطلب، فالمسألة مفترضة في طالبٍ عنده شيء من الأهليَّة، فيعتمد (الزاد)، ويتصوَّر المسائل، ويفهمها، ويراجع الشرح عليها، والحاشية، إلى أن ينتهي الكتاب بهذه الطريقة. ثم يرجع إلى مسائل الكتاب فيستدل لها، ومعلومٌ أن الفقهاء لهم كتب تخريج لكتب الفقه، فخرَّجوا أحاديث كتب الفقه، واستدلوا لها، فيستفيد من الاستدلال، هذه العرضة الثانية. وأما الثالثة: فينظر فيمَن وافق المؤلِّف في هذا الحكم، ومَن خالفه، فالمُوافِق يكون دليله وإيَّاه واحدًا، والمُخالِف ينظر في دليله. ثم يعود مرَّة رابعة ليُقارن ويوازن بين هذه الأدلة، ويعمل بالراجح.
وهذه الطريقة تحتاج إلى شيء من الوقت، لكن لا ينتهي من الكتاب بهذه الطريقة إلا وقد تكوَّنتْ لديه ملكة فقهيَّة استحقَّ بها أن يَقضي، وأن يُفتي، وأن يوجِّه الناس، ويُنَوِّرهم، ويُفيدهم، ويُعلِّمهم.