شرح الموطأ - كتاب الطهارة (7)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هذا اقتراح من بعض الإخوان فيه أمور، يطلب فيه أن يكلف بعض الإخوان ببحث بعض المسائل، يقول: لإفادة الجميع، وتنشيط الناحية التعليمية، وأن يكلف بعض من يطيق بشرح باب ما من أبواب الموطأ، يعني من باب التمرين، وتعويد الطالب على الشرح.
هذه طريقة طيبة لو كان الدرس مستمر، لكن درس لمدة شهر ما أظن يتسنى فيه مثل هذه الأمور.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في التيمم
عن مالك عن نافع أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف حتى إذا كان بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيدًا طيبًا، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين.
وسئل مالك كيف التيمم؟ وأين يبلغ به؟ فقال: يضرب ضربة للوجه، وضربة لليدين، ويمسحهما إلى المفرقين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في التيمم
يعني كيف يعمل من أراد أن يتيمم؟ فإذا قصد الصعيد الطيب ماذا يصنع؟
يقول: حدثني يحيى عن مالك عن نافع أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر" يعني مولاه عبد الله بن عمر "من الجرف" بضم الجيم والراء موضع على ثلاثة أميال من المدينة، قد تقدم "حتى إذا كان بالمربد" المربد كمنبر على ميل أو ميلين من المدينة، وفي طريقهم "نزل عبد الله فتيمم صعيدًا طيبًا" قصد الصعيد الطيب "فمسح –به- وجهه، ويديه إلى المرفقين، ثم صلى" حفظًا للوقت، وإلا فالمدينة على ميل واحد أو ميلين يصلها في الوقت، فتيمم حفظًا للوقت، مع إمكانه أن يصلي الصلاة في وقتها بالطهارة كاملة التي هي الوضوء.
قال بعضهم: كان ابن عمر على وضوء سابق، ولا يمكن أن يتيمم مع حصول الماء في وقت الصلاة؛ لأنه روي أنه كان -رضي الله عنه وأرضاه- يتوضأ لكل صلاة، هو على وضوء وأراد تجديد الوضوء، فلم يجد ماءً فقصد الصعيد فتيمم، جريًا على قاعدته، ومشيًا على جادته، في أنه يتوضأ لكل صلاة، وهذا التماس وتوجيه لصنيع ابن عمر؛ لأنه يربأ به أن يصلي بالتيمم مع إمكان الصلاة بالوضوء في الوقت، فجعل التيمم عوضًا عن الوضوء، يعني تجديد الوضوء لا أصل الوضوء الرافع للحدث، إذ لا حدث عليه على هذا القول.
وقال الباجي: يؤخذ من الحديث جواز التيمم في الحضر؛ لأن المربد في حكم الحضر، ميل أو ميلين، في حكم الحضر، وإلى جوازه ذهب الجمهور.
التيمم في الحضر، يعني مع عدم وجود الماء، وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر بحال، ولو خرج الوقت، طيب {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] هذا يشمل الحضر والسفر، لكن لو قرأنا الآية من أولها، نعم؟
طالب: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(43) سورة النساء]
{وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(43) سورة النساء] فالآية فيها التقييد بالسفر، فالسفر سبب للتيمم، وعلى قول الجمهور أنه سببٌ أغلبي، بمعنى أنه يغلب فقدان الماء في السفر لا في الحضر، وليكن هذا الحكم مما شرع لعلة وارتفعت العلة، وبقي الحكم.
مثال ذلك القصر، القصر شرعيته الأولى من أجل الخوف، نعم من أجل الخوف، ثم ارتفع الخوف، ثم صار صدقة تصدق الله بها، مثاله الرمل في الطواف، الرمل في الطواف إنما شرع مراغمة للكفار الذين قالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- ليراغمهم بذلك، الآن ما يوجد كفار يقولون هذا الكلام، يشرع الرمل أم لا يشرع؟ يشرع، شرع لعلة ارتفعت العلة وبقي الحكم.
على كل حال عامة أهل العلم على جوازه حضرًا وسفرًا.
طالب:.......
يعني ولو وجد ماء يتيمم؟
طالب:.......
لا، لا، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء]
طالب:.......
لا، لا بد من فقدان الماء، وفي الآيتين التنصيص على فقدان الماء، وهي طهارة بدل، والأصل لا يعدل عنه إلا مع فقده، لا يعدل البدل مع وجود الأصل.
"فنزل عبد الله وتيمم صعيدًا طيبًا، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى" يديه إلى المرفقين، وفي الذي يليه: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين" قالوا: ليجمع بين الفرض والسنة؛ لأن الفرض الكف إلى الكوع، وإلى المرفقين سنة عند بعض أهل العلم، أو أن مذهبه أن الفرض في التيمم إلى المرفقين كالوضوء.
"وسئل مالك كيف التيمم؟ وأين يبلغ به؟ قال: يضرب ضربة للوجه وضربة لليدين، ويمسحهما إلى المرفقين" تحصيلًا للسنة عند مالك، ولو مسحه من الكوع صح.
الآن عندنا الآية -آية الوضوء- اليد فيها مقيدة بماذا؟ إلى المرفقين، وآية التيمم اليد مطلقة، فمقتضى ما ذكر من صنيع ابن عمر، وما أشار إليه الإمام مالك، وهو المعروف عند الشافعية أن المسح إلى المرفقين حملًا للمطلق على المقيد، وقد جاء في راوية عند أبي داود لكنه خبر ليس بالقوي، معارض بحديث عمار في الصحيحين، وفيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما يكفيك هكذا)) فضرب بكفه الأرض، ونفخ، وضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه، نعم؟
طالب:.......
ولو حسنه وهو معارض بما في الصحيحين ما يكفي، معارض بما في الصحيحين، حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة متجه أم غير متجه؟
طالب:.......
لماذا؟
طالب:.......
للاختلاف في ماذا؟
طالب:.......
الحكم مختلف، وإن كان السبب واحدًا، السبب واحد، هنا اتفق السبب واختلف الحكم، فالحكم مختلف، والمعول عليه في حمل المطلق على المقيد هو الحكم، فإذا اختلفا في الحكم لم يحمل المطلق على المقيد، ولو اتحد السبب.
السبب هو الحدث، والحكم هذا غسل وهذا مسح، وإن اختلفا في الحكم والسبب لم يحمل المطلق على المقيد اتفاقًا، كاليد في آية الوضوء مقيدة، وفي آية السرقة مطلقة، السبب والحكم مختلفان ولا يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، بخلاف ما لو اتحدا في الحكم والسبب، فإنه يحمل المطلق على المقيد، وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك، كالدم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق وقيد في آية أخرى {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام].
في أربع صور: إما أن يتحدا في الحكم والسبب، أو يختلفا في الحكم والسبب، أو يتحدا في الحكم دون السبب كالرقبة في كفارة الظهار وفي كفارة القتل، ففي كفارة الظهار مطلقة، وفي كفارة القتل مقيدة، الحكم واحد وهو وجوب العتق، والسبب مختلف، هذا سببه الظهار، وهذا سببه القتل، فيحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، والذي معنا لا يحمل فيه المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم.
عرفنا أن الراجح في هذه المسألة، قال: يضرب ضربة للوجه وضربة لليدين، وفي حديث عمار ضربة واحدة، قال له: إنما يكفيك هكذا، فضرب بكفيه الأرض، يعني ضربة واحدة، ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجه وكفيه، فعلى هذا القول المرجح في التيمم أنه ضربة واحدة للوجه والكفين، نعم.
أحسن الله إليك
باب: تيمم الجنب
عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلًا سأل سيعد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء؟ فقال سعيد: إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل.
قال مالك: فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا على قدر الوضوء، وهو لا يعطش حتى يأتي الماء؟ قال: يغسل بذلك فرجه، وما أصابه من ذلك الأذى ثم يتيمم صعيدًا طيبًا كما أمره الله.
وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد ترابًا إلا تراب سبخة، هل يتيمم بالسباخ، وهل تكره الصلاة في السباخ؟ قال مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ والتيمم منها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] وكل ما كان صعيدًا فهو يتيمم به سباخًا كان أو غير سباخٍ، كان أو غيره.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: تيمم الجنب
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلًا سأل سعيد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء" يعني بعد أن تيمم، وارتفع حدثه بالتيمم "فقال سعيد: إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل" يعني لما يستقبل من الأحداث أو من الصلوات؟
طالب:.......
"فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته" لما مضى؟ كلام سعيد لا يدل عليه، إلا إذا قلنا: إنه يغتسل فعليه الغسل لما يستقبل من الصلوات، ولو لم يجنب مرة ثانية، وإذا حملنا كلامه فعليه الغسل لما يستقبل من الأحداث قلنا: إنه جار على أن التيمم رافع رفعًا مطلقًا، فإذا كان رأيه أن التيمم يرفع الحدث رفعًا مطلقًا، قلنا: يغتسل لما يستقبل من الأحداث، أما الحدث الذي سبق ارتفع، وإذا قلنا: إن التيمم رافع رفعًا مؤقتًا، قلنا: يتقى الله وليمسه بشرته عن الجنابة السابقة، ولو حمل على أنه لما يستقبل من الأحداث لأخلينا النص من فائدته؛ لأنه حينئذٍ يكون مؤكدًا لجميع ما جاء من أحاديث الطهارة.
طالب:.......
هو الصلاة ما فيها إعادة، لكن هل يغتسل إذا وجد الماء للجنابة السابقة أولا يغتسل؟ هذا الكلام، أما الصلاة ما فيها إعادة.
"قال مالك فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا على قدر الوضوء وهو لا يعطش حتى يأتي الماء" يعني لا يحتاجه لما هو أهم من الوضوء من الشرب، قال: يغسل بذلك الماء فرجه، وما أصابه من الأذى، ثم يتيمم صعيدًا طيبًّا طاهرًا، كما أمره الله، إذ ليس معه ما يكفيه لغسله، يستعمل هذا الماء الذي معه، فيما يكفيه، فإذا انتهى صدق عليه حينئذٍ أنه لم يجد ماءً، فيتيمم، وهذه القاعدة معروفة عند أهل العلم أن من قدر على بعض العبادة وعجز عن بعضها لزمه أن يأتي بما قدر عليه، يأتي بما يقدر عليه، وأما ما لا يقدر عليه لا يأتي به.
وهنا عنده ما يكفي لبعض الأعضاء عليه حدث أصغر، وعنده ماء يسير يكفيه لغسل وجهه ويديه، لكنه لا يكفيه للمسح وغسل الرجلين، نقول: استعمله فيما تقدر به على استعماله، وتيمم عن الباقي، ومثله لو كان عليه جنابة، اغسل بذلك فرجك؛ لأن الشيء المحسوس رفعه أهم من الشيء المعنوي غير المحسوس، عندك قذر حاصل، نعم، والحدث معنوي، وصف لا حقيقة له حسية، فترفع المحسوس الذي هو ما أصاب الفرج ولوثه، ثم تتيمم صعيدًا طيبًا كما أمرك الله بذلك، إذا انتهى ما معك من الماء.
"وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد ترابًا إلا تراب سَبَخَةٍ" بفتحات، الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت "هل يتيمم بالسباخ؟ وهل تكره الصلاة في السباخ؟ قال مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ" يجوز أن تصلى في الأرض السبخة ((جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) وهذا منها من الأرض، والتيمم منها، وبهذا قال الجمهور أنه يصح التيمم بالأرض السبخة، خلافًا لإسحاق، وهو مروي عن مجاهد أن السبخة لا يجزئ التيمم منها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] والصعيد وجه الأرض، وما تصاعد عليه.
ابن خزيمة يستدل بالنص على جواز التيمم بالأرض السبخة، استدل ابن خزيمة على جواز التيمم بالأرض السبخة بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أُريت دار هجرتكم سبخة، ذات نخل)) يعني المدينة، سبخة ذات نخل، مع تسميته -عليه الصلاة والسلام- لها "طيبة" والطيبة من الطيب {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] إذًا طيبة، وهي في الوقت نفسه سبخة، نعم، المدينة سبخة، المدينة طيبة إذًا السبخة طيبة، معادلة، استدلال، فدل على أن السبخة داخلة في الطيبة.
هنا النص {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] وفي حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) وفي بعض رواياته: ((وجعلت تربتها لنا طهورًا)) تربتها، الآن في الحديث العام حديث الخصائص المعروف: ((وجعلت لي الأرض مسجد وطهورًا)) والحديث الخاص: ((وجعلت تربتها لنا طهورًا)) فهل يحمل العام على الخاص فنقتصر على التراب الذي له غبار يعلق باليد دون ما سواه مما على وجه الأرض، أو يبقى العام على عمومه والتنصيص على بعض أفراده لا يقتضي القصر والتخصيص؟
طالب: إخراج بعض أجزائه.
إذًا ما تيمم إلا بتراب.
طالب: لا يا شيخ، التخصيص المراد به بعض أفراد العام ليس موافقًا.
الحكم موافق، حكم الخاص موافق لحكم العام، يعني التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص عند أهل العلم، وهذا إذا قلنا: إن ما بين الحديثين عموم وخصوص، لكن إذا قلنا: إنه إطلاق وتقييد، وكثير من الشراح خلطوا بين الأمرين، أنتم تعرفون أن المعروف عند الحنابلة، وهو قول الشافعية أنه لا يتيمم إلا بالتراب، ومع عدا ذلك مما على وجه الأرض لا يتيمم به، خلافًا لمالك وأبي حنيفة، يعني قول الإمامين ما هو بعبث، أولًا: التربة فرد من أفراد الأرض، أو وصف من أوصافها؟
طالب:........
وتقييد، فرد، يصير عمومًا وخصوصًا، فإذا قلنا: إن التربة وصف من أوصاف الأرض اتحدا في الحكم والسبب، حملنا المطلق على المقيد، وقلنا: لا يجوز أن نتيمم بغير التراب، وإلى هذا يذهب من يقول بعدم جواز التيمم بغير التراب، وعرفنا أنه مذهب الحنابلة والشافعية، إذا قلنا: إن التراب فرد من أفراد الأرض، نعم، إذا قلنا: إنه فرد من أفراد الأرض، قلنا: تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لا يقتضي التخصيص هذا من جهة، ومن جهة أخرى ابن عبد البر يرى أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لا تقبل التخصيص، لماذا؟ يعني: ((وجعلت لي الأرض مسجد وطهورًا)) هذا من حديث الخصائص، فلا يدخله التخصيص أبدًا، لماذا؟ لأن الخصائص تشريف وتكريم للنبي -عليه الصلاة والسلام- والتخصيص تقليل لهذا التشريف؛ ولذا تجدون الصلاة في المقبرة مثلًا عند ابن عبد البر جائزة، لماذا؟ طيب ((لا تصلوا للقبور، ولا تجلسوا عليها)) وأمور يعني جاءت في المقبرة خاصة، لا، أحاديث الخصائص ما تقبل التخصيص؛ لأن هذا تقليل لهذا التشريف، مقبول أم غير مقبول الكلام؟ لماذا؟
طالب:.......
النص الآخر، لكن هو يقول: هذا الخصائص إنما ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- لبيان شرفه، ويقول: ((جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) فإذا قلت: لا تصلِّ في هذا المكان لحديث كذا، قال: أنت قللت هذا التشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
ابن عبد البر ما هو بواضح، أنا أقول: الخصائص، ما معنى هذه الأمور اختص بها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ تشريفًا له -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قللت لأن التخصيص تقليل بلا شك، التخصيص إخراج بعض الأفراد، تقليل، حينما يقول: ((جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) يعني كل الأرض مسجدًا وطهورًا، فأنت تقول: المقبرة لا تصح الصلاة فيها، إذًا قللت هذا التشريف، نعم؟
طالب:.......
نعم، إذا كانت المعارضة بين حقوقه -عليه الصلاة والسلام- مع حقوق الله -عز وجل- تقدم حقوق الله -جل وعلا-، والنهي عن الصلاة في المقبرة إنما هو رعاية وحماية لحق الله -جل وعلا-.
هنا إذا قصرنا التيمم بالتراب قللنا هذه الخصيصة، فعلى رأي ابن عبد البر ((جعلت لي الأرض)) كل ما على وجه الأرض يتيمم به، ولا يجوز التخصيص بمثل هذا، كما أنه لا يجوز التقييد، التربة، راوية التربة من الناحية الاصطلاحية هي مخرجة في مسلم، مخرجة في مسلم، فهي صحيحة؛ لأنها مخرجة في كتاب تلقى بالقبول، لكن هل فيها مخالفة لما رواه الأكثر؟ هل تتضمن مخالفة أو لا تتضمن مخالفة؟
طالب:.......
يعني تنصيص على فرد؟
طالب:.......
مثل هذا يذكر في الزيادة، زيادة الراوي الموافقة من وجه، مخالفة من وجه، موافقة من وجه باعتبار التربة جزء من أجزاء الأرض، والمخالفة من جهة التنصيص عليها دون ما عداها، على كل حال المرجح في هذا قول من يقول بجواز التيمم على جميع ما على وجه الأرض، والتنصيص على التراب في رواية مسلم فرد من أفراد العام، لا يقبل التخصيص.
طالب:.......
على كلامه ما فيه شيء يمنع من الصلاة، صلِّ في كل مكان، هذا كلام ابن عبد البر.
طالب:.......
ولو ورد النهي؛ لأنه جعلت له تربة وطهورًا، إذن صلِّ.
طالب:.......
لا، قوله مرجوح -رحمه الله-.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
عن مالك عن زيد بن أسلم أن رجلًا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها)).
عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مضطجعة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد، وإنها قد وثبت وثبة شديدة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مالك؟ لعلك نفستِ)) يعني الحيضة، فقالت: نعم، قال: ((شدي على نفسك إزارك، ثم عودي إلى مضجعك)).
عن مالك عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: "لتشد إزارها على أسفلها، ثم يباشرها إن شاء".
عن مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل؟ فقالا: "لا، حتى تغتسل".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
يعني ما يحل للرجل أن يستمع به من زوجته حال حيضها، الرجل ممنوع من قربان الزوجة حتى تطهر، بل حتى تتطهر، والنهي عن قربانها، هل النهي عن قربانها مثل النهي عن قربان الصلاة حال السكر أو النهي عن قربان الفواحش؟ {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ} [(151) سورة الأنعام] {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [(43) سورة النساء] {فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة] أو يختلف؟ لأن مفهوم الاقتراب من الشيء والقرب منه نعم يقتضي المباعدة عنه، فهل الرجل مأمور بمباعدة المرأة؟ لا ليس مأمور بمباعدتها، بل النصوص كما عندنا هنا "في ثوب واحد" ينام مع زوجته في ثوب واحد، فراش واحد، لحاف واحد، وبدنها طاهر، ويباشرها في غير موضع الحرث، والتعبير بالنهي عن القرب للتنفير من معاشرتها حال حيضها في موضع الحرث، أما إذا ضمن الإنسان من نفسه أنه لن يقارف ما حرم عليه فلا مانع؛ لأن بعض الناس مجرد ما تكون زوجته بجواره، لا يملك نفسه، مثل هذا يؤمر بالابتعاد عنها، حتى عن مضاجعتها، إذا كان لا يملك نفسه.
"حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن رجلًا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عن زيد بن أسلم تابعي "أن رجلًا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يحكي قصة لما يحضرها، فهو مرسل؛ ولذا يقول ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا رواه بهذا اللفظ مسندًا، يعني متصلًا، فالمسند عند ابن عبد البر المتصل، ومنهم من يقول: المسند المرفوع، ومنهم من يجمع بينهما، لا يطلق على الخبر مسندًا إلا إذا كان مرفوعًا متصلًا "أن رجلًا" في سنن أبي داود عن عبد الله بن سعد، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعرفنا المبهم عبد الله بن سعد الأنصاري "فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها))" ((ثم شأنك)) أي دونك ((أعلاها)) فاستمتع به، وجعل المئزر من باب سد الذريعة، واتقاء الشبهة، وإلا لو باشرها فيما دون الممنوع، ولو لم تشد المئزر، يجوز أم لا يجوز؟ لكن شد المئزر من باب سد الذريعة.
مقتضى هذا الخبر ((لتشد عليها أزارها، ثم شأنك بأعلاها)) مع قوله -عليه الصلاة والسلام- ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) هذا الخبر يدل على أن ما فوق الإزار وتحت الإزار وهو محدد بما بين السرة والركبة عند كثير من أهل العلم، فيستدلون بمثل هذا على أنه لا يجوز الاستعمال، أو مباشرة ما بين السرة والركبة، لكن أباح كثير من السلف من الصحابة والتابعين، وهو مذهب أحمد والثوري أن يستمتع من زوجته بما دون الفرج، ولو كان تحت السرة وفوق الركبة، المقصود أنه لا يكون في موضع الحرث، وأما ما جاء في مثل هذا الخبر أن ما دون الإزار هو المستمتع به، هذا محمول عند أحمد ومن معه أنه على الاستحباب والاحتياط؛ لئلا يحوم حول الحمى، فيقع فيه، وهذا هو الظاهر رجحه النووي وغيره.
ثم بعد هذا قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مضطجعة نائمة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد" وفيه جواز ذلك لمن أمن من الوقوع في المحرم "وأنها وثبت وثبة شديدة" قفزت خوفًا من وصول شيء من الأذى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو تقذرت نفسها، ورأت أن ظرفها لا يناسب مضاجعة النبي -عليه الصلاة والسلام-"وثبت وثبة شديدة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لك؟))" أي أيُ شيء حدث لك؟ ((لعلك نَفِست)) بفتح النون وكسر الفاء، أي حضتِ، وأما الولادة فبضم النون، يعني نُفست، وقال الأصمعي وغيره: بالوجهين فيهما، في الولادة والحيض، نَفستِ ونُفستِ.
وأصل النفاس خروج الدم الذي هو يسمى نفس، نعم تسيل النفوس، يعني تسيل الدماء، ومنه قول الفقهاء: ما لا نفس له سائلة، يعني لا دم له سائل.
((لعلك نفست)) يعني الحيضة، وهذا تفسير من بعض الرواة "فقالت: نعم" نفستُ، يعني حضتُ "قال: ((شدي على نفسك إزارك، ثم عودي إلى مضجعك))" شدي على نفسك أزارك؛ لئلا تلوث الفراش، وتلوث الضجيع، ثم عودي إلى موضع النوم والضجوع.
يقول ابن عبد البر: لم يختلف رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث، ولا أعلم أنه روي بهذا اللفظ من حديث عائشة ألبتة، ويتصل معناه من حديث أم سلمة، نعم القصة حصلت لأم سلمة، كما في الصحيحين وغيرهما، في الصحيحين وغيرهما أن أم سلمة نُفست أو نَفست حاضت، وهي مضطجعة معه -عليه الصلاة والسلام- فانسلت، المقصود أن القصة حصلت لأم سلمة، وهنا عن عائشة، والخبر مرسل، ولا يضر الإرسال عند مالك وأبي حنيفة، ويضر عند غيرهم.
والحديث فيه جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد، فما جاء في ديننا وسط بين ما كان عليه اليهود والنصارى؛ فاليهود لا يضاجعونها ولا يساكنونها ولا يجالسونها، والنصارى يباشرونها في موضع الحرث، وديننا منع موضع الأذى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] يعني قذر، الحائض ممنوعة من الصلاة والصيام على ما سيأتي؛ لما تلبست به من هذا الأذى، ومقتضى منعها، والحيضة ليست بيدها كما هو معلوم.
هل يكتب لها ما كانت تعمله قبل حيضها أو لا يكتب؟ نعم، وكونها أمر خارج عن إرادتها، وهي تنوي الاستمرار في العبادة والطاعة لولا هذا المانع القسري، وهو أذى ابتليت به، والمسألة خلافية بين أهل العلم، هل يكتب لها أو لا يكتب؟
لو جئنا إلى التائب من الذنب توبةً نصوحًا، بدلت سيئاته حسنات، فكيف بمن لا ذنب له؟ من امتنع عن فعل الطاعة وترك الصلاة والصيام ثم تاب، نعم، تبدل سيئاته حسنات، فيكف بمن منعت مع أن في نيتها وقرارة نفسها أن لو مكنت لفعلت، قالت: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم.
طالب:........
لا، هو ما يشكل على هذا إلا وصف الحائض -المرأة عمومًا- بأنها ناقصة عقل ودين، ونقص الدين كون الحيض يأتيها، يأتيها العذر فتمكث الأيام لا تصوم ولا تصلي، فلو كان يكتب لها لما وصفت بالنقص.
على كل حال المسألة خلافية، ومن قصد الخير أصابه -إن شاء الله تعالى-، فلن يحرمه، لكن مع ذلك من قصد الخير صادقًا لم يحرمه -إن شاء الله تعالى-.
طالب:.......
امتثالًا، الامتناع امتثالًا، على كل حال المسألة لن ينحسم الخلاف فيها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: يشد إزارها -تربطه على أسفلها- ثم يباشرها فيما دون الجماع إن شاء" فأفتته بما كان يصنعه -عليه الصلاة والسلام- مع نسائه، تقول: "كان يأمرني فأتزر ويباشرني وأنا حائض".
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله" أحد الفقهاء السبعة على قول، وسليمان بن يسار أيضًا منهم "سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل؟" رأت الطهر، رأت علامة الطهر، إما بالقصة البيضاء أو بالجفاف قبل أن تغتسل "فقالا -أي كل منهما-: لا" أي: لا يصيبها "حتى تغتسل" {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] حتى يطهرن، أي: انقطع الدم {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [(222) سورة البقرة] الآن {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [(222) سورة البقرة] هذا الغاية، ومقتضى ذلك أنها تقرب ولو لم تتطهر؛ لأن الغاية حتى يطهرن، لكن دخول الغاية وعدم دخوله ليس بقطعي، فجاء في النصوص ما يدل على الدخول، وجاء في النصوص ما يدل على عدمه، فجاء التوضيح بعد ذلك، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] نعم يعني تطهرن بعد أن طهرن، هذا قدر زائد على مجرد الطهر، وهو التطهر من فعلها بالغسل فأتوهن، فالجملة الثانية مفسرة للمراد من الجملة الأولى "لا حتى تغتسل؛ لقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة]" وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد، وجمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة: إذا انقطع الدم لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده جاز وطؤها قبل الغسل، لكن إن انقطع الدم قبل أكثر الحيض ستة أيام، سبعة، ثمانية، تسعة، حتى تغتسل، دليله على ذلك؟ ابن عبد البر –رحمه الله تعالى- لما ذكر كلام أبي حنيفة قال: هذا تحكم لا وجه له، على كل حال هو قول مرجوح، فلا يجوز للزوج أن يقرب زوجته حتى تطهر، تغتسل، الكفارة ما ورد فيها الخبر ضعيف دينار أو نصفه، الخبر ضعيف.
أحسن الله إليك.
باب: طهر الحائض
عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة.
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته عن ابنة زيد بن ثابت أنه بلغها أن نساءً كن يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر، فكانت تعيب ذلك عليهن، وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا.
وسئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماء هل تتيمم؟ قال: نعم لتتيمم، فإن مثلها مثل الجنب إذا لم يجد ماءً تيمم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: طهر الحائض
"حدثني يحيى عن مالك عن علقة بن أبي علقمة" المدني "عن أمه" مرجانة "مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان النساء" يعني من نساء الصحابة والتابعين "يبعثن إلى عائشة بالدِّرَجة" بكسر الدال وفتح الراء جمع درج، وهكذا، يرويه أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر بالضم، ثم السكون، الدُّرْجة، وقال: إنه تأنيث درج، الدرج معروف، والدرجة تأنيثه، وضبطه الباجي بفتحتين الدَّرَجة، على كل حال هو وعاء، يجعل "فيه الكرسف" الذي هو القطن، الذي اختبر فيه المحل، فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض، يعني يؤتى بالكرسف الذي هو القطن فيدخل في موضع الخارج من الدم لاختبار الطهر، هل انقطع نزول الدم أو ما زال؟ "فيه صفرة من دم الحيض، يسألنها عن الصلاة" شيء يسير لا يكاد يذكر، هل مثل هذا يمنع من الصلاة؟ مثل هذا لا بد فيه من الحزم، والاحتياط فيه غير ممكن؛ لأنها إن تركت الصلاة وقد طهرت ارتكبت أمرًا عظيمًا، وإن صلت حال حيضها ارتكبت محرمًا بلا شك، وكثير من النساء الآن في حيرة شديدة، وعادات النساء يحصل فيها الاضطراب الكثير، مع ما يتناوله النساء من طعام أو علاج، أو أي تصرف يتصرفنه في أنفسهن، الموانع وغيرها توجد الاضطراب، تقديم وتأخير وتغير في اللون، واضطراب كبير.
هنا يبعثن بهذا الوعاء، فيه قطن، هذا القطن اختبر فيه المحل، لكن ما وجد إلا الصفرة من دم الحيض، يسألنها عن الصلاة "فتقول عائشة لهن: لا تعجلن" لأنه مع حرص النساء على فعل الخير، وعلى أداء هذه العبادة العظيمة يرون أن هذا الشيء اليسير ما يمنع من إقامة هذا الركن العظيم؛ لأن هذا لو كان الدين بالرأي إذا كانت الاستحاضة مع أن الدم يجري لا يمنع من الصلاة، فكيف بهذا الشيء اليسير صفرة وإلا كدرة.
"يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" يعني إذا رأيتن القصة البيضاء صلوا، وأما قبل ذلك فلا، تريد بذلك الطهر من الحيضة، القَصّة بفتح القاف وتشديد الصاد، القصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ماء أبيض، يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، وهو معلوم عند النساء يعرفنه ويدركنه، "تريد بذلك الطهر من الحيضة" شبهت ما يخرج من ذلك لبياضه القص، وهو الجص، الجص معروف بياضه، ومنه قصص داره بالجيل، يعني جصصه، فالمرأة عليها أن تنتظر حتى تجزم أن الدم قد انقطع، إما برؤية القصة إن كانت ممن ترى -وهذا هو الكثير الغالب- وبعض النساء لا توجد عندها قصة بيضاء، هذه إذا جفت تمامًا، وانقطع عنها نزول الدم فإنها تكون قد انتهت عادتها.
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر" بن محمد بن عمرو بن حزم "عن عمته" قال ابن الحذّاء: هي عمرة بنت حزم، عمة جده، لكن عبد الله لم يدركها؛ لأنها صحابية قديمة، والصوب أنها عمته أخت أبيه، أم كلثوم أو أم عمرو "عن عمته عن ابنة زيد بن ثابت" اسمها أيضًا أم كلثوم، وهي زوجة سالم بن عبد الله بن عمر "أنه بلغها أن نساءً كن يدعون بالمصابيح" يطلبن المصابيح وهي السرج "من جوف الليل، ينظرن إلى ما يدل على الطهر، فكانت تعيب ذلك عليهن، وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا" يعني التكلف من الإتيان بالسرج في جوف الليل، والمراد بالنساء نساء الصحابة اللاتي أدركتهن.
وأم كلثوم هذه بنت زيد بن ثابت أبوها معروف، وزوجها أحد الفقهاء أدركت الصحابيات، وأنكرت على من يصنع هذا الصنيع، إذا كان الباعث على مثل هذا الصنيع الحرص على الخير، والحرص على أداء العبادة في وقتها، والحرص على إبراء الذمة ينكر على ما فعله؟ يعني ما يظهر من حال هؤلاء التابعيات من هؤلاء النسوة إلا أنه حرص وعابت عليهن ذلك، فهل من حرص على الخير يعاب عليه؟ الحرص الزائد على المطلوب شرعًا، والاحتياط الذي لا يدل عليه الدليل هذا غير مطلوب، لذاته ولما يفضي إليه؛ لأنه قد يفضي إلى شيء من التشديد على النفس والتعمق الذي يقطع ويعوق عن تحصيل بعض ما طلبه الشارع، الإنسان لو حمل نفسه على العزيمة في كل أبواب الدين ما استطاع، فعليه أن يحرص على أن يعمل بما سمع، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولا شك أن الباعث هو الحرص على الخير، وأداء هذه العبادة العظيمة، لكن لم يكن النساء في عهد الصحابة يفعلن هذا، والخير في اتباع من سلف، وكل خير في اتباع من سلف.
"وسئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماءً، هل تتيمم؟ قال: نعم تتيمم، فإن مثلها مثل الجنب" لا فرق بينهما، بين الحائض والجنب، فكل منهما متلبس بالحدث الأكبر، فإذا جاز للجنب الذي وجب عليه الغسل أن يتيمم عند عدم الماء، جاز للحائض أن تتيمم بدلًا من غسلها لفقد الماء إذا لم تجد ماء، أو إذا لم يجد ماء تيمم وهذا قياس، قياس على الجنب المنصوص عليه في الآية، على الخلاف في المراد بالملامسة على ما تقدم، نعم؟
طالب:.......
هو ما في شك أن بعض الفقهاء ذكر تفصيلات لا دليل عليها، وتفصيلات توقع في حرج، لكن من اقتفى أثر النصوص ارتاح، لا شك أن هناك مسائل حادثة، ومسائل مستجدة، ونوازل تحتاج إلى أحكام، ونسمع يوميًا من الأسئلة ما يشكل على كثير من النساء، ويأتي في باب الاستحاضة الذي هو أكثر ما يأتي فيه الإشكالات، يأتي مثلًا استحاضة، يأتي نزيف، يأتي تقدم وتأخر بسبب ما يؤكل أو يستعمل هذا، وجد إشكالات كثيرة في هذا العصر، وإلا كانت العادة مطردة عند النساء، ومعروف متى تبدأ؟ ومتى تنتهي؟ نعم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع الحيضة
عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت في المرأة الحامل ترى الدم: إنها تدع الصلاة.
عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى الدم قال: تكف عن الصلاة.
قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا حائض.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: سألت امرأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة، كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بالماء، ثم لتصلي فيه)).
نعم يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع الحيضة
الذي يجمع المسائل المختلفة في هذا الباب.
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت في المرأة الحامل ترى الدم: إنها تدع الصلاة" يعني هذا رأي عائشة أن الحامل تحيض.
"حدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى الدم؟ قال: تكف عن الصلاة" يعني هذا رأي عائشة وابن شهاب.
"قال يحيى: قال مالك: وذلك الأمر عندنا" وهو اختيار مالك، معلوم أن المرأة إذا حملت انقطع عنها الدم هذا الأصل، ينقطع عنها الدم لأمر ولحكمة هي أن هذا الدم ينصرف لتغذية الجنين، فلا يخرج، هذا هو الأصل، لكن إذا خرج فما الحكم؟ ووجد الدم في وقته وبلونه ورائحته من المرأة الحامل؟ هل تحيض أو لا تحيض؟
مقتضى قول عائشة وابن شهاب وهو اختيار مالك أنها تحيض، فإذا وجدت الدم في وقته ولونه ورائحته أنها تدع الصلاة، وهذا كما أنه مذهب مالك هو قول الإمام الشافعي في الجديد، استدلالًا بما ذكر، وهو أنه دم، في وقت العادة، وأيضًا بالوصف الذي يتصف به دم العادة.
وذهب أبو حنيفة وأحمد والثوري أنها لا تحيض، ومن أقوى ما يستدل به هؤلاء أن الاستبراء يعتبر بالحيض، يعني الاستدلال على براءة الرحم يكون بالحيض، الاستبراء بالحيض، الاستدلال على براءة الرحم إنما يكون بالحيض، نعم؟
طالب:.......
بلا شك لأنه لو كانت الحامل تحيض ما صار للاستبراء قيمة، وهذه من أقوى ما يستدل به هؤلاء، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض، براءة الرحم ما تتم بالحيض، هذا من أقوى ما يستدل به، انظر الاستدلال الغريب العجيب بعد ذلك، يستدل ابن المنير على أن ما تراه الحامل ليس بحيض؛ لأن الملك موكل بالرحم، ولا يأتي لمثل هذه الأماكن التي يحصل فيها، يعني وقت نزول الحيض ما يمكن يصير الملك موجودًا، يعني إغراب، إغراب في الاستدلال، يعني وجه الاستدلال عنده أن الملك موكل بالرحم يعني مع الحمل، أي نعم يمتنع وجود الملك الموكل بالرحم -رحم الحامل مع وجود هذا القذر، الذي هو الحيض- لكن يرد عليها أنها إذا رأت الدم، هو قذر على كل حال، سواء قلنا: حيض أو ليس بحيض.
يعني المسألة مفترضة في حامل ترى الدم، والدم هذا قذر، سواء قلنا: حيض أو ليس بحيض، فقول ابن المنير ضعيف، لكن قول من يستدل بالاستبراء، وأنه إنما يكون بالحيض، العِدد تكون بالحيض، ثلاث قروء، العدة من أجل العلم ببراءة الرحم، فإذا كانت الحامل تحيض، كيف نعرف براءة الرحم؟ المالكية والشافعية قالوا: إن حيض الحامل نادر، ولا يعلق به حكم، فلا يعارض الاستبراء، لكن إذا وجد حيض تكرر ثلاثًا تخرج من العدة أو لا تخرج وهي حامل؟ نعم؟
طالب:.......
نعم، على هذا على قولهم، على قولهم اعتدت ثلاثة قروء وانتهت، نعم؟
طالب:.......
ما فيه أحد قال بأبعد الأجلين إلا علي ونفر يسير؛ قالوا -وهو قول مردود بلا شك، هذا في حال الولادة قبل بلوغ أربعة أشهر وعشرة أيام- قالوا: تعتد بأبعد الأجلين في هذه الصورة، ما قالوا في مسألة الحيض أبدًا، في عدة المتوفاة، هل تعتد بأربعة أشهر مطلقًا حاملاً أو غير حامل؟ أو تعتد الحامل بوضع الحمل وغير الحامل بأربعة أشهر؟
ومنهم من قال: تعتد بأبعد الأجلين، هذا بالنسبة لمن توفي عنها زوجها وهي حبلى، وعلى كل حال الحمل ضد أو نقيض الحيض، لا سيما في باب العدد والاستبراء، نقيض فلا يمكن أن يجتمع النقيض مع نقيضه، شيء علق فيه حكم، يجتمع مع شيء علق عليه حكم مخالف، ما يمكن، نعم؟
طالب:.......
لا، هذا الحمل من وقوع النطفة إلى الولادة، الكل حمل، وهي مجرد ما يحصل التلقيح انقطع، هذا هو الأصل، إذًا ما نستطيع نفرق امرأة حامل لشهر أو لثلاثة أشهر مثلًا، أو سبعة أشهر، هذا حيض أم ليس بحيض؟ ما نستطيع أن نفرق؛ لأن النصوص التي جاءت ما فرقت.
طالب:.......
هذا قولها، هذا اجتهادها، وما جربت حملاً، ما جربت -رضي الله عنها- مع فقهها.
طالب:.......
لا، لا، أنا أقول: الاحتياط لا يمكن في هذا الباب، لا يمكن الاحتياط في هذا الباب، لأنها إن صلت فعلت محرمًا، وإن تركت تركت أمرًا عظيمًا.
طالب:.......
نعم، الفعل أسهل من الترك
طالب:.......
نعم، نأتي إلى مسألة عظمى، هل ترك الواجب أعظم أو فعل المحرم أعظم؟
طالب:.......
لا، لا تجزموا بشيء، الجمهور على أن فعل المحظور أعظم من ترك الواجب، هذا الجمهور ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في مثنوي، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن ترك الواجب أعظم من فعل المحرم، استدلالًا بقصة آدم مع إبليس، آدم معصيته في ارتكاب محظور، وإبليس معصيته في ترك واجب، وعلى كل حال لا هذا ولا ذاك، لا يمكن أن يقال بقول مطرد، لا يمكن أن يحكم بمثل هذا، بقول مطرد إطلاقًا، ننظر إلى عظم الواجب وعظم المحرم، يعني أنت مأمور بالصلاة مع الجماعة، هل تترك هذا الواجب لمحذور في طريقك إلى المسجد، فيه شخص يدخن ولا تستطيع تنكر عليه، تترك الواجب من أجل هذا؟ يعني تترك الواجب لوجود هذا المحظور؟ لكن لو كان في طريقك بغي مع وجود ظالم يلزمك بالوقوع عليها تترك الواجب أم لا تترك؟
إذًا القول بالاطراد في مثل هذه المسائل لا يرد إطلاقًا، فلا هذا ولا ذاك، ننظر إلى حجم الواجب، وننظر إلى حجم المحظور، ننظر إلى الواجب المتروك مع المحظور المفروض، يعني في مثل هذا الخلاف، هذا إذا قلنا: إنه يثير شبهة، خلاف من غير مرجح، لو قلنا بهذا، خلاف من غير مرجح، أنه أثار شبهة، فهل تفعل الصلاة وتستغفر خشية أن تقع في محظور، أو تترك الصلاة على القول الآخر؟
طالب:.......
لا، سهل، أنت كونك ترتكب محظورًا وتستغفر، أسهل من ترك ركن من أركان الإسلام قد أوجبه الله عليك.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أُرَجّل رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الترجيل التسريح، أمشط شعر رأس "وأنا حائض" هذه جملة حالية، وفي ذلك دليل على طهارة بدن الحائض، وألحق بها الجنب، وحديث أبي هريرة ((سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)) والترجيل هو التسريح، وتنظيف الشعر، وتنظيف البدن أيضًا مطلوب، تنظيف الشعر وتسريحه وتنظيمه مطلوب، وكذلك أيضًا تنظيف الثوب والبدن وما يتعلق بالإنسان، هذا مطلوب شرعًا، لا يليق بمسلم أن يكون على هيئة بحيث يزدرى بها، لكن المبالغة في هذا التنظيف والترتيب والتصفيف أيضًا ممنوع.
جاء النهي عن الترجل إلا غبًّا، لا يعني هذا أن الإنسان لما سمع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرجل شعره ينظف أنه يفعل كما يفعل بعض الناس في بيته جناحًا خاصًّا، صالون لتنظيف الشعر وتصفيفه، يعني من الطرائف واحد من الشيوخ يتكلم عن الإمام أحمد وأنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، قال واحد من الطلاب الحاضرين: هذا ما هو معقول، الطالب يحلق لحيته، والشيخ من الشام قال: صحيح، ليس بمعقول؛ لأن عنده صالون يتحلق فيه ثلاث ساعات في اليوم، الإمام أحمد عنده صالون يتحلق به ثلاث ساعات، يعني المبالغة في مثل هذه الأمور التي تعوق عن تحصيل الواجبات، فضلًا عن المستحبات، هذا لا يرد بها الشرع، الدين وسط، ولكسر ما قد يفهمه ويفعله بعض الناس استنادًا إلى مثل هذا النص صح الحديث: ((البذاذة من الإيمان)) البذاذة عدم المبالغة في حسن المظهر، نعم حسن المظهر مطلوب لكن بالتوسط.
يعني لا يقال للمسلم: أبدًا لا تشتري أكثر من ثوب حتى يتقطع، إسراف تشتري ثوبين في آن واحد، ولا يقال له: أصنع كما صنع بعض الناس، ثلاثمائة وخمسين ثوبًا في السنة، بحيث إذا لبس ثوبًا ما يعود إليه آخر ما عليه، لا هذا ولا ذاك، دين الله وسط، مطلوب من المسلم أن يعمل لآخرته، هذا الأصل؛ لأنه خلق للعبادة، ثم خشية أن يضيع نفسه، وأن يضيع من تحت يده قيل له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" يقول: كذا ليحيى وحده، وهو خطأ وغلط؛ لأن عروة لم يرو عن فاطمة شيئًا، هذا ليحيى وحده، في الرواية التي معنا، وهو في الموطئات عن هشام عن زوجته فاطمة، ما هو "عن أبيه"، عن زوجته فاطمة، فاطمة بنت المنذر ابن الزبير زوجة هشام بن عروة، وهي أسن منه بثلاثة عشر سنة، ابنة عمه "عن أسماء بنت أبي بكر الصديق جدة هشام" وفاطمة معًا لأبويهما "أنها قالت: سألت امرأة" هي أسماء كما في بعض طرق الحديث: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إلى آخره، فدل على أن السائل هو أسماء، وإن أبهمت هنا.
"فقالت: أرأيت" استفهام، بمعنى الأمر، أي أخبرني "أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم" ثوب مفعول، والدم فاعل من الحيضة "كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه))" تقرصه، من الحيضة، أي من دم الحيض ((فلتقرصه)) بماء يسير، أو بدون ماء ((ثم لتنضحه)) بعد ذلك بالماء، أي تغسله؛ لأن دم الحيض نجس، تجب إزالته بالماء، والمراد بالنضح هنا الغسل، قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال؛ لأن دم الحيض نجس، وجاء التشديد فيه بالقرص والحك، تحكه، ولو بصلع، ثم تغسله بالماء، وقال القرطبي: النضح هنا الرش؛ لأن الغسل استفيد من قوله: ((فلتقرصه)) تقرصه يعني تغسله بالماء.
على كل حال المقصود تنظيفه، لكن إذا فعلت ما أمرت به، قرصته وغسلته بالماء، وبالغت في غسله فبقي أثره، فإن الأثر يعفى عنه لا يؤثر، وإن جاء الأمر بوضع ماذا؟
طالب:.......
لا، لا، هذا الثوب، ثوب المرأة أصابه دم حيض، قرصته وغسلته بالماء، وبقي الأثر، نعم؟
طالب:.......
يوضع عليه شيء، نعم؟
طالب:.......
شيء له لون، يضيع لون الدم؛ لأنه مستقذر، وهذا على سبيل الاستحباب؛ لأنه لا يضر الأثر، ثم لتنضحه، ثم لتصلي فيه، وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس، لا تجوز في الثوب النجس؛ لأنه رتب الصلاة فيه على تطهيره، وفيه جواز استفتاء المرأة لنفسها، ومشافهتها للرجال، فيما يتعلق بأحوال النساء، إذا أمنت الفتنة، لا بد أن تؤمن الفتنة، أما مع وجود الفتنة فلا يجوز، وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسات كلها، قياسًا على الدم كما هو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"
منهاج السالكين على طريقة المتون، والمتون تسلك فيها الجادة، والجمهور من أهل العلم أنه ينقض، لكن كتابه (المختارات الجلية) هذا اختيارات له، فإذا ألف الإنسان على طريقة معينة، أو على مذهب معين يلتزم بما في هذا المذهب، وإذا سئل أفتى بما ترجح عنده، والاختيارات من هذا القبيل، ومثلها نقض الوضوء بتغسيل الميت، أنه يجب الوضوء في كتاب المختارات لا يجب، مثلما قلنا.
يقول محمد مصطفى المراغي، هذا معروف شيخ الأزهر سابقًا، يقول: "حكم المريض والمسافر إذا أراد الصلاة كحكم المحدث حدثًا أصغر" يقول: "وإن كان المشهور من المذاهب الأربعة أن شرط التيمم فقد الماء، فلا يجوز التيمم للمسافر مع وجود الماء، وهذا بخلاف ظاهر الآية، فالمتأمل في السفر يجد رخصًا كثيرة كإباحة قصر الصلاة، والفطر في رمضان، فلا يستنكر ترك الوضوء والغسل للمسافر مع وجود الماء، وهما أقل من الصلاة، والفطر في رمضان في الدين، يقول: ووافقه الشيخ محمد عبده.
قال صديق خان: كثر الاختباط في تفسير الآية في قوله: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى} [(43) سورة النساء] الآية، فالأعذار ثلاثة: المرض والسفر وفقد الماء في الحضر، وهذا ظاهر على قول من قال: إذا جاء قيد بعد جمل متصلة اختص بآخرها، أما من قال: يكون قيدًا للجميع إن لم يمنع مانع فهذا سائغ هنا، إذ يمنع مانع وهو أن المرض والسفر كل منهم عذر مستقل في باب الصيام، ويؤيد هذا أحاديث التيمم المطلقة، وأحادث التيمم المقيدة بالحضر.
يقول شلتوت شيخ الأزهر سابقًا: السفر عارض مبيح للتيمم بنفسه سواء مع وجود الماء أو عدم وجوده، في حال الصحة أو المرض، وعدم وجود الماء عارض مبيح للتيمم بنفسه سواء في حال الصحة أو المرض أو السفر أو الحضر والمريض يتيمم.
قال أبو الوفاء درويش: في الآية رخصة للمسافر أن يتيمم مع وجود الماء.
أقول: النصوص -نصوص الكتاب والسنة- تفسر بفهم السلف، ولا تفسر بأقوال المعاصرين، ولو قلنا بهذا للزم علينا لوازم، وأحدثنا أقوالًا في الدين لم يقل بها أحد، وكما قال علي -رضي الله عنه-: "القرآن حمال وجوه" فليس للمعاصر أن يستقل بفهم، لا يدخل في فهم السلف الصالح، يعني يستقل بحكم يحدثه بعد أن حصرت الأقوال، واطلع عليها كلها، وخرج عنها، لا يجوز له ذلك، فعلى هذا ينظر في أقوال المتقدمين إن وجد من الصحابة والتابعين والأئمة والتابعين لهم بإحسان وجد من يقول بهذا القول، واستروح أحد من أهل النظر أيضًا، ومال إلى القول به له ذلك، أما أن يحدث قولًا لم يقل به من سلف، نلاحظ أن هؤلاء كلهم متأخرون، يعني أقدمهم "صديق" متوفى سنة 1307هـ، وصديق لا يستقل بأقواله هو، غالب أقواله من كلام الشوكاني، فإذا رجعنا إلى تفسيره في هذه الآية، ولا أدري هل الأخ نقل من التفسير أو من غيره، أو من الروضة الندية.
على كل حال لو رجعنا إلى تفسير الشوكاني لوجدناه بحروفه، إن كان في تفسير صديق؛ لأن تفسير صديق مستقى منه.
وهنا يقول: المرض والسفر وفقد الماء في الحضر هذا ظاهر على قول من قال: إذا جاء قيد بعد جمل متصلة اختص بآخرها، القيد والاستثناء الوصف المؤثر، والاستثناء إذا تعقب جملًا متعددة، فهل يعود إلى جميع الجمل أو يعود إلى الأخيرة منها؟ أو لا يحكم بشيء حتى ينظر في القرائن المرجحة؟ وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النــور] حكمهم {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النــور] وأيضًا {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النــور] وأيضًا حكم عليهم بثلاثة أحكام، بالجلد ثمانين جلدة، وبعدم قبول الشهادة، والحكم بالفسق، ثم جاء الاستثناء المتعقب لهذه الجمل {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النــور] هذا الاستثناء لا يعود إلى الجملة الأولى اتفاقًا، فلا يرتفع عنه الجلد بتوبته، ويعود إلى الجملة الأخيرة بالاتفاق، أما الجملة المتوسطة وهي قبول الشهادة فمسألة مختلف فيها، فالإطلاق في قوله يعود إلى الجميع، أو يعود إلى الأخيرة فقط، لا يسوغ في مثل هذه الحالة، بل لا بد من النظر في النصوص الأخرى وهذه مسألة في غاية الأهمية، منهم من يطلق أنه يعود إلى الجمل كلها، وهذا ليس بصحيح، ففي القذف لا يرتفع عنه الحد ولو تاب، يرتفع عنه وصف الفسق اتفاقًا، لكن مع ارتفاع وصف الفسق هل تقبل شهادته مع قوله تعالى: {أَبَدًا}؟ {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النــور]؟ يعني مع التأبيد في عدم قبولها، مسألة خلافية بين أهل العلم، والوقت لا يستوعب التفصيل في مثل هذا.
ونعود ونكرر فنقول: إن النصوص تفسر بفهم السلف، ولا يجوز لأحد أن يحدث قولًا إلا أن يأتي به على سبيل الترجي، حتى يقف على قولٍ لأحد الأئمة، يقول: لعل كذا، لعل كذا.
يقول: كثيرًا ما سمعنا من بعض الإخوان عدم السؤال أثناء الشرح، وهذا فيه مخالفات واضحة، منها رد أصل من أصول التعليم حثت عليه الشريعة في الكتاب والسنة {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] يقول: منافاة جبلة في الإنسان إذ لا يتسنى للطالب الفهم إلا إذا سأل عما أشكل عليه.
يقول: إخراج الدرس عن حقيقته إذ نحن في درس علم وليس إلقاء، نحن نتذاكر العلم، ولا نسمع من شريط.
على كل حال اقتراحات طيبة لو كانت المدة كافية، لا شك أن إنهاء الكتب فيه تنشيط للطلاب من جهة، وفيه أيضا المرور على أبواب الدين كلها، يلاحظ في الدروس في الأزمنة المتأخرة أنها تنقطع، تقرأ الأبواب الأولى في سنوات، ثم يمل الشيخ والطالب من الكتاب، أو ينتهي الطلاب القدامى من الرياض، وينتقلون إلى بلدانهم، أو غيرها من البلدان، تبعًا لوظائفهم، ثم يأتي دفعات جديدة من الطلاب، ويطلبون البدء من جديد، أو بكتاب آخر، لا شك أن إكمال الكتب مطلب منشط، وفيه أيضًا المرور على أبواب الدين كلها، كم شرح كتاب الطهارة وأوائل الصلاة من الزاد والبلوغ والعمدة وغيرها، لكن كم شرح كتب الجنايات والقضاء والحدود وغيرها، هذا يندر الوصول إليها.
في البخاري مثلًا تنقطع الأعناق على طريقتنا في الأزمان المتأخرة، ونحن ما وصلنا إلى المعاملات، فضلًا عن الأبواب الأخرى من أبواب الدين المهجورة، مثل الدعوات، والرقاق، والفتن، والأحكام، والتعبير، والاعتصام، وغيرها من الكتب المتأخرة في الجوامع.
هذا قول معتبر عند أهل العلم، والإصرار على المعصية لا شك أن سببه الاستخفاف بها، والاستخفاف إذا قارن المعصية عظمت، نسأل الله العافية.
نعم هو قول الأكثر، إذا طهرت في وقت العصر تصلي العصر وما يجمع إليها وهي الظهر، وإذا طهرت في وقت العشاء تصليها وما يجمع إليها وهي المغرب، وهذا هو الأحوط، وإن كان الاستدلال له فيه ما فيه، لكن هو الأحوط، وهو قول الأكثر، ومن أهل العلم من يرى أنها لا تلزم إلا بالوقت الذي وقت الحاضرة، والله أعلم.
نعم المعروف عن إسحاق أنه لا يكاد يحدث إلا بأخبرنا، ومر علينا في مواضع، ونبهنا عليها في درس مسلم، في أول كتاب الصلاة، قال: حدثنا، فهذا يرد على من أطلق أنه لا يحدث إلا بأخبرنا، مع أنه لو جمعت النسخ ونظر فيها وما فيها من اختلاف بين حدثنا وأخبرنا؛ لأن بعض الناس من الناسخين أو الطابعين يجري على الجادة، كما فعل في سنن النسائي، يقول الإمام: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه، وأنا أسمع، أخبرنا هذه لا توجد في نسخ النسائي، لكن الطابع على الجادة مشى، كل الأحاديث أخبرنا، إذًا هذا أخبرنا.
طريقة النسائي -رحمه الله- أنه يقول: الحارث بن مسكين بدون صيغة أداء، الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع، والسبب معروف، ما يحكم عليها بالخطأ إلا إذا تأكدنا أن جميع النسخ الأصلية المقروءة على الأئمة، المقابلة على الأصول أثبتت خلاف ما في المطبوع، وحينئذٍ نحكم على المطبوع بأنه خطأ، وإلا إن أثبتت النسخ الأصلية أنه على الصواب حدثنا، هذا يورد على من يطلق أن إسحاق لا يقول: إلا أخبرنا.
على كل حال لا يعتد بقول المجاهيل، ولا ممن لا يعرف بعلم ولا عمل، ولو نمق الكلام، وشقق الكلام، ورتب الكلام، كما هو حال كثير ممن يضلون الناس في هذه القنوات، نسأل الله العافية، فالعلم دين العلم، فانظر عمن تأخذ دينك، والفتوى توقيع عن الله -عز وجل-، فليحذر الذين يفتون بغير علم أن يكونوا ممن عنوا بقوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] من أعظم الكذب على الله –عز وجل- القول عليه بلا علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] نسأل الله العافية، فعلى طالب الحق أن يأخذ العلم من أهله الذين عرفوا به تحصيلًا وعملًا وورعًا، كما قال الناظم:
وليس في فتواه مفتٍ متبع
ما لم يضف للعلم والدين الورع
لأن بعض الناس يصير عنده علم، لكن ليس عنده ورع، يقحم نفسه في كل شيء، خشية أن يقال: جاهل، والجهل خير من القول على الله بلا علم بلا شك، والله المستعان.
عامة أهل العلم يقولون: إن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، ولا يعرف مثل هذا إلا عن الشعبي، هو الذي يرى أنه يصلي ما عليه، ويترك ما زاد على المطلوب.
الأصل أن صوت المرأة إذا لم يحصل فيه خضوع، ودعت إليه الحاجة، وأمنت الفتنة لا بأس، إذا دعت إليه الحاجة، وأمنت الفتنة، وخلا من الخضوع، لا بأس، تبيع وتشتري مع أمن الفتنة، وبمعزل عن الرجال، لا تختلط بالرجال، لا تعرض نفسها للفتن، وتحدثها أمام الشباب في مثل هذه الآلات هذا لا شك أنه فتنة، بل مجرده فتنة، فضلًا عما يفضي إليه، بعض الشباب ممن في قلبه مرض يتلذذ بمثل هذا، فيفتتن بمثل هذا، ثم بعد ذلكم يخشى ما يخشى مما يجر إليه، فعلى المرأة المسلمة أن تكون خير مالها أن لا ترى الرجال ولا يرونها، ولا تكلم الرجال ولا يكلمونها، أن تبقى على حيائها وعفتها، لكن إذا دعت الحاجة بحيث لا يوجد من يقضي لها حاجتها، أو لا يوجد لها من يسأل عنها، لا مانع بالقيود والضوابط التي ذكرها أهل العلم.
لا الوضوء ليس بصحيح؛ لأن غسل الكفين قبل غسل الوجه هذا سنة، واليد من أطراف الأصابع المطلوب غسلها بعد الوجه، وقبل مسح الرأس، اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين.
هذا ما يصير حيضًا، هذا لا يسمى حيض، وإنما يسمى نزيف، فالحيض له مصدر، والاستحاضة لها مصدر، الحيض من قعر الرحم، والاستحاضة من أدناه.
صلاته صحيحة؛ لأنه طاهر على القول الراجح.
لا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية، لا يجوز: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النــور] على أن كثيرًا من هؤلاء النسوة اللواتي يخرجن بهذه الآلات متبذلات، فاتنات، مائلات، مميلات، وبعضهن مومسات، نسأل لله العافية، وإذا تأملنا في حديث جريج، وأن أمه دعت عليه ألا يموت حتى يرى وجوه المومسات؛ لما ارتكبه من عقوقها، فالإنسان بطوعه واختياره ينظر إلى هذه الوجوه! نسأل الله السلامة والعافية، هذا لا يجوز إطلاقًا.
الجمهور يقولون: ليس له ظل كافٍ، يستظل به الماشي، دليل على أنهم يصلونها في أول وقتها، واستدل به من يقول بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال.
نعم -إن شاء الله- يحتسب؛ لأنه نفل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل: ((هل عندكم شيء؟)) فإذا قالوا: لا، نوى الصيام.
معروف، حديثه حسن، لكن المقصود به التطوع مع الإفراد، والقضاء لا يدخل في هذا، وكذا من اعتاد صيام داود يصوم يوم ويفطر يوم؛ لأنه لم يقصد هذا اليوم على وجه الخصوص بعينه في بالصيام.
الأولى أن يصلوا الجمعة.
إن لم تنزل فلا شيء عليها، لكنها لا ينبغي أن تطاوع زوجها، وتختار مثل هذا العمل إلا إن أكرهها فلا بأس، وصيامها صحيح.
عند الشهادة يرفع وعند الدعاء.
النية شرط لصحة الوضوء، وشرط لصحة الصلاة، فلا بد منها.
نعم التشويش على المصلين ذكرناه بالأمس، وأنه إذا منع التشويش على النائم فالمتعبد من باب أولى.
الأصل أن يستأذن من صاحب الدين، أو يبادر بإبراء ذمته، والمدين لا يجب عليه الحج؛ لأنه غير قادر.
وهل تصح حجته مع أنه قد أنهى فرضه؟
نعم حجه صحيح؛ لأن الجهة منفكة.
إذا رأت القصة انتهت عادتها، وما عدا ذلك استحاضة، فالمرأة تصلي وتصوم ما زاد على عادتها، إذا رأت القصة انتهت الفترة.