شرح أصول التفسير للسيوطي (4)
الحمد لله رب العالمين.
أما بعد: فقال المؤلف -رحمه الله تعالى-: ومنها ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام، وهو أربعة عشر: العام الباقي على عمومه، ومثاله: عزيز، ولم يوجد لذلك إلا: {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(282) سورة البقرة] {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [(1) سورة النساء].
الثاني والثالث: العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، الأول: كثير، والثاني: قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [(54) سورة النساء] {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [(173) سورة آل عمران] والفرق بينهما أن الأول حقيقة، والثاني مجاز، وأن قرينة الثاني عقلية، ويجوز أن يراد به واحد بخلاف الأول.
الرابع: ما خص بالسنة وهو جائز، وواقع كثيراً، وسواءً متواترها وآحادها.
الخامس: ما خص منه السنة هو عزيز، ولم يوجد إلا قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ} [(29) سورة التوبة] {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} [(80) سورة النحل] {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] خصت: ((أمرت أن أقاتل الناس)) و((ما أبين من حين ميت))، و((لا يحل الصدقة لغني)) والنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
السادس: المجمل ما لم تتضح دلالته، وبيانه بالسنة، والمبين خلافه.
السابع: المؤول ما ترك ظاهره لدليل.
الثامن: المفهوم موافقة ومخالفة في صفة وشرط وغاية وعدد.
التاسع والعاشر: المطلق والمقيد، وحكمه حمل الأول على الثاني ككفارة القتل والظهار.
الحادي عشر والثاني عشر: الناسخ والمنسوخ، وكل منسوخ فناسخه بعده إلا آية العدة، والنسخ يكون للحكم والتلاوة ولأحدهما.
الثالث عشر والرابع عشر: المعمول به مدة معينة، وما عمل به واحد، مثالهما آية النجوى، لم يعمل بها غير علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وبقيت عشرة أيام وقيل ساعة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ومنها ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام" يعني منها أي من المباحث التي تدرس في هذا الفن أعني فن علوم القرآن، "منها ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام" يعني ما يتعلق بالألفاظ وتقدم، وهنا ما يتعلق بالأحكام.
"وهو أربعة عشر: العام الباقي على عمومه"، العام ما يتناول فردين فصاعداً والخاص خلافه، ما لا يتناول شيئين فصاعداً، والعموم في الأفراد، والإطلاق الآتي في الأوصاف.
العموم هنا منه ما هو باق على عمومه، ومنه العموم المخصوص، ومنه العموم الذي يراد به الخصوص.
يقول: "العام الباقي على عمومه" بمعنى أنه لم يخص، لم يدخله أي مخصص، لا شرعي ولا عقلي ولا أي مخصص من المخصصات التي يذكرها أهل العلم.
يقول: "ومثاله عزيز، ولم يوجد لذلك إلا {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(282) سورة البقرة] {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [(1) سورة النساء]"، الله -سبحانه وتعالى- بكل شيء عليم، بالكليات والجزئيات، لا تخفى عليه خافية، وخلق الناس كلهم من غير استثناء من نفس واحدة من آدم ((كلكم لآدم)).
يقول: "ولم يوجد لذلك إلا {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}" طيب ماذا عن قوله -جل وعلا-: {اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة]؟ هذا الحصر فيه نظر ظاهر، وفي النصوص من العمومات الشرعية ما هو باقٍ على عمومه شيء كثير، واستعرض شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- العمومات التي في سورة الفاتحة مما لم يدخلها أي تخصيص، وفي الورقة الأولى من سورة البقرة فذكر لذلك أمثلة كثيرة جداً، أما قوله: "ومثاله عزيز" فأول كلمة في القرآن الحمد فـ(أل) هنا جنسية فجميع المحامد لله ماذا دخلها من تخصيص؟ أول كلمة في القرآن، فهذا الكلام لا صحة له، وفيه نظر ظاهر، يعني لا يوجد في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة إلا هذان الموضعان؟ آيتان فقط لم يدخلهما التخصيص والباقي كله مخصص؟ هذا الكلام ليس بصحيح، بل كثير من العمومات الشرعية لم يدخلها التخصيص.
الحمد أول كلمة في القرآن باقية على عمومها لم تخصص، جميع أنواع المحامد لله -عز وجل-، من أراد الأمثلة من سورة الحمد الفاتحة والورقة الأولى فقط من سورة البقرة واستخرج شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- من هذا الجزء اليسير من كتاب الله -عز وجل- من العمومات التي لم يدخلها أي تخصيص بوجه من الوجوه يرجع إلى مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، أنا بعيد العهد جداً، لكن نسيت الموضع، لكنه موجود في كلامه -رحمه الله-.
"الثاني والثالث: العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص" الفرق بينهما أن العام المخصوص المتكلم به يريد شمول جميع الأفراد هذا عند الكلام به، لكنه أخرج بعض هذه الأفراد بنصوص أخرى، فهو عام مخصوص يعني دخله مخصص بخلاف العام الذي أريد به الخصوص، العام الذي أريد به الخصوص المتكلم لم يرد شمول جميع الأفراد، إنما أراد بعض الأفراد، فلم يرد بذلك شمول جميع الأفراد، ولذا لا يتناول جميع الأفراد؛ لأن المتكلم لم يرد جميع الأفراد، ولذا لا يوجد مخصص.
يقول: "الأول كثير" العام المخصوص الذي دخله الخصوص جاء مخصص بنص آخر، والمخصصات كثيرة، مستوعبة في كتب الأصول، يطول الوقت بذكرها والتمثيل لها، فالإحالة على كتب الأصول سهلة.
الثاني: "قليل" العام الذي أريد به الخصوص، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [(54) سورة النساء] والمراد بالناس هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} [(173) سورة آل عمران] الذين قال لهم الناس الأصل العموم فيشمل جميع الناس لكن يراد به شخص واحد هو نعيم بن مسعود، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} هل جميع الناس قالوا: أي جميع الناس قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن جميع الناس بما فيهم من قال له ذلك قد جمعوا لكم؟ نعم، لا يتصور هذا، شخص واحد قال لهم: إن الناس يعني أبا سفيان ومن معه يجمعون لحربكم، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [(173) سورة آل عمران].
عرفنا الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص أن المتكلم أراد العموم ثم أخرج بعض أفراد العام بأدلة أخرى، في العام المخصوص.
المتكلم في العام الذي أريد به الخصوص لم يرد جميع الأفراد التي تندرج تحت هذا العام، إنما أراد بعض الأفراد، ويفرق المؤلف بينهما من وجه آخر أو من وجوه:
يقول: "الفرق بينهما: أن الأول حقيقة، والثاني مجاز"، إيش معنى حقيقة؟ يعني تناول اللفظ مطابق له في العام المخصوص، في العام المخصوص {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(1- 2) سورة العصر] الأصل {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} جميع الناس، فلفظ استعمل فيما وضع له ليتناول جميع الناس، نعم لكن جاء التخصيص بالاستثناء {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [(2- 3) سورة العصر] فدخله المخصص بالاستثناء، فهو لفظ استعمل فيما وضع له بينما قوله: الناس في قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] وفي {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}[(173) سورة آل عمران] هل هذا اللفظ استعمل فيما وضع له أصلاً ليشمل جميع الناس؟ لا، لم يستعمل فيما وضع له، وهذه حقيقة المجاز عند من يقول به، والمؤلف يقول به.
"الثاني: قرينته عقلية"، بينما الأول قرينته لفظية، الأول قرينة لفظية والثاني قرينته عقلية، يعني ما جاء شيء يبين لنا أن الناس في قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}[(173) سورة آل عمران] شخص واحد، لكن الواقع يدل على هذا، والعقل يحيل أن يأتي جميع الناس ليقولوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إن الناس قد جمعوا لكم"، لكن ماذا عن التخصيص بالعقل؟ التخصيص بالعقل؟ هم يذكرون من المخصصات العقل، ما يحيله العقل لا يدخل في العموم، أو نقول: إن ما يخصصه العقل في العام الذي أريد به الخصوص؟ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [(25) سورة الأحقاف] هل دمرت السماوات والأرض؟ ما دمرت السماوات والأرض، {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [(23) سورة النمل] هل أوتيت مثلما أوتي سليمان -عليه السلام-؟ لا، هل نقول: إن هذا من العام المخصوص؟ هم يذكرون هذا في المخصصات، أو هو في الأصل لم يدخل في مراد المتكلم فيكون من العام الذي أريد به الخصوص، يعني هل العقل مخصص؟
يذكر في كتب الأصول على أساس أنه مخصص، لكن إذا قلنا: إن المتكلم أراد دخول جميع الأفراد ثم أخرجها بالعقل نعم من العام المخصوص، وإذا قلنا: إن المتكلم لم يرد جميع الأفراد {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}[(25) سورة الأحقاف] ما أراد السماوات والأرض، {أُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}[(23) سورة النمل] لم يرد نظير ما أوتيه سليمان -عليه السلام-، فهذا حينئذ يكون من العام الذي أريد به الخصوص، ويطرد قول المؤلف: "قرينته عقلية".
"ويجوز أن يراد به واحد بخلاف الأول"، يجوز أن يراد بالعام الذي أريد به الخصوص واحد، كما قالوا في قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}[(173) سورة آل عمران] واحد، لكن في العام المخصوص الذي يتناول جميع الأفراد المندرجة تحت اللفظ العام ثم خص منها وأخرج منها بالنص الخاص، جميع الأفراد عدا واحد، أو لا بد أن يبقى من الأفراد ما يمكن أن ينطبق عليه اللفظ وهو أقل الجمع؛ لأنه قال هنا: "ويجوز أن يراد به واحد"، يعني في العام الذي أريد به الخصوص هذا ظاهر، لكن الأول العام المخصوص هل يجوز أن يستثنى جميع الأفراد إلا واحد؟ أو لا بد أن يبقى الأكثر كما يقول بعضهم؟ أو أقل الجمع كما يقوله آخرون؟ وهل يمكن استثناء أكثر من النصف؟ نعم، لو قلت: عندي عشرة إلا تسعة، كلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ عند الفقهاء نعم، المسألة خلافية كثير منهم لا يجيز استثناء أكثر من النصف، إيش معنى هذا؟ عبث، فيستثنى القليل من الكثير، ونظير ما عندنا الآن يقول: "يجوز أن يراد به –يعني العام الذي أريد به الخصوص– واحد" ومثاله ظاهر، العام المخصوص يقول: لا يجوز أن يستثنى منه الجميع إلا واحد، بل لا بد أن يبقى أقل ما يصدق عليه اللفظ وهو أقل الجمع.
"الرابع -المبحث الرابع- ما خص بالسنة وهو جائز وواقع كثيراً، متواترها وآحادها"، ما خص بالسنة وهو جائز وواقع، وسواءً متواترها وآحادها، يستوي في ذلك متواترها وآحادها، بمعنى أن الكتاب يخص بالسنة، بالمتواتر القطعي وبالآحاد الظني، فيخص القطعي الذي هو القرآن بالمتواتر من السنة وبالظني منها.
النسخ: نسخ الكتاب بالسنة الجمهور لا يجيزونه، نسخ الكتاب بالسنة لا يجيزه الجمهور لماذا؟ لأن الأضعف عندهم لا ينسخ الأقوى، وأجازه أهل التحقيق من أهل العلم؛ لأنه كله وحي، نعم، هنا يريد أن يبين أن النسخ يختلف عن التخصيص، لماذا؟ لأن النسخ رفع كلي للحكم، رفع للحكم بالكلية، التخصيص رفع جزئي، التخصيص رفع جزئي كالتقييد، بينما النسخ رفع كلي، إلغاء، رفع للحكم بالكلية، يعني كأن الحكم المنسوخ ما نزل، ولا يمكن أن يقاوم هذا النص على قول الأكثر إلا بنص يكون في مستواه، هذا رفع جزئي وليس برفع كلي يتسامح فيه ما لا يتسامح في الرفع الكلي، ولذا قالوا: تخص، يخص القرآن بالسنة بمتواترها وآحادها، بمتواترها وآحادها، وعرفنا الفرق بين النسخ والتخصيص، ويتسامح في التخصيص، بل خصصوا بما هو أضعف من ذلك، بما هو أضعف من ذلك، تحريم الميتة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] يشمل..، عام يشمل جميع أفراد الميتة، خص منه بالسنة: ((أحلت لنا ميتتان ودمان)).
العكس، الخامس: ما خص أو ما خص منه السنة، القرآن يخصص السنة، يقول: "وهو عزيز" يعني نادر، أن يوجد اللفظ العام بالسنة والمخصص بالقرآن، بخلاف العكس، العكس كثير، العام بالسنة والخاص بالقرآن، ثم بعد ذلك جاء بالحصر، ولا يسلم له الحصر، لا يسلم له حصره، قال: "ولم يوجد إلا قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ} [(29) سورة التوبة]" هذا لفظ خاص من الكتاب يخص به عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) الغاية: قول لا إله إلا الله، بمعنى أنه جميع الناس لا بد أن يقولوا لا إله إلا الله وإلا فيقاتلوا، خص من ذلك من يؤدي الجزية، فالنص العام بالسنة والخاص بالكتاب، {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} [(80) سورة النحل] ما قطع من الميتة..، ما قطع من الحية أو من البهيمة فهو ميت، ما أبين من حي فهو ميت، وما قطع من الميتة..، من البهيمة فهو ميت، هذا الحديث وإن كان عاد فيه كلام لأهل العلم لكن يبقى أنه مثال يشمل جميع ما يقطع وما يبان من الحيوان الحي، فيكون حكمه حينئذ حكم الميتة، يستثنى من ذلك الصوف، الظفر، القرن، الأشياء التي لا تحلها الحياة، ولذا يختلف أهل العلم هل الشعر والظفر في حكم المتصل أو في حكم المنفصل؟ في حكم المتصل أو في حكم المنفصل؟ المسالة خلافية بين أهل العلم من أرادها يراجع قواعد ابن رجب.
إذا جز الصوف أو الشعر من البهيمة وهي حية هل نقول: إنه في حكم الميت؟ هل نقول: نجس؟ أو نقول: هذا مخصص {وَمِنْ أَصْوَافِهَا}؟ {مِنْ أَصْوَافِهَا} هو لفظ خاص بالأصواف، وإن كان له جهة عموم؛ لأنه جمع مضاف يشمل جميع الأصواف، يعني ما قطع منها ما جز منها وهي حية وما جز منها بعد السلخ، وما جز منها بعد موتها، يشمل جميع ذلك، ففيه جهة عموم "وما أبين من حي فهو ميت" هذا أيضاً فيه جهة عموم، ولو قلنا: إنه من العموم والخصوص الوجهي ما بعد، وتفصيل مثل هذه الأمثلة يطول.
{الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] هذا خاص بالعاملين، يشمل جميع من يعمل على الصدقة، سواءً كان غنياً أو فقيراً، فهو مخصص لحديث: ((لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب)) فالغني إذا كان الوصف المدخل له في أهل الزكاة العمل فيها جاء النص الخاص بالكتاب مخرج له من عموم الحديث.
{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) عموم الحديث الثاني يشمل صلاة الفجر، لكن {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} مخرج لصلوات الفرض، فـ{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} خاص على حد زعم المؤلف، وإن كان لا يسلم من نقاش، و((لا صلاة بعد العصر)) عام عنده، و((لا صلاة بعد الصبح)) عام، و"ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" هذا عام يشمل جميع الصلوات، يخصص بالفرائض كما هنا {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} لكن من جهة أخرى {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} بعمومه يتناول الفرض والنفل.
مسألة الصلاة في الأوقات التي جاء النهي عن الصلاة فيها، أوقات النهي الخمسة من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين..، وبعد صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب، وإذا تضيفت حتى تغرب خمسة أوقات، المؤلف يريد أن يخرج الفرائض من هذا النهي، ويريد أن يقرر أن أحاديث النهي عامة وأحاديث الفرائض خاصة، ومعروف أن المؤلف من الشافعية، الذين يرون أن أوقات النهي عامة عموماً من كل وجه، وما عدا ذلك من أحاديث الفرائض، وقضاء الفوائت، وذوات الأسباب خاص، مع أنه لا يسلم لهم هذا، بل بين أحاديث ذات الأسباب وأحاديث النهي عموم وخصوص وجهي، وبسط هذه المسألة وأيضاً توضيحها يحتاج إلى وقت، وبسطت في مواضع كثيرة تراجع لها الدروس المسجلة؛ لأن بعض الناس لا سيما مع الثورة على التقليد، وهذه الثورة حصل فيها تقليد أيضاً، نعم، جعلت بعض الناس ممن يلوح له البريق، بريق الجديد ينزج يسمع الشافعية يقولون: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام وينتهي الإشكال، ويدخل قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويصلي تحية المسجد؛ لأنه ما عنده فيه إشكال، عموم وخصوص والخاص مقدم على العام، طيب مذهب الجمهور؟ هذا قول الشافعية، لكن الحنابلة والمالكية والحنفية ماذا يقولون؟ يقولون عكس ما تقول يا أخي، أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، فلا تصلي في هذه الأوقات، كل يدعي أن المسألة عام وخاص والخاص مقدم على العام، لكن إذا نظرنا إليها بعين البصيرة والدقة نجد أن دعوى الجميع مجموعة مضموم بعضها إلى بعض صحيحة، إذا ضمننا قول الشافعية إلى قول الجمهور طلعت دعوى صحيحة، فبينهما عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، ومثلما ذكرت تقرير هذه المسألة وبسطها وإيضاحها يطول، نكتفي بهذا.
السابع: المجمل:
"السابع: المجمل: وهو ما لم تتضح دلالته" ما لم تتضح دلالته، لفظ محتمل، لفظ محتمل، كالقرء {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228) سورة البقرة] القرء جاء في اللغة ما يدل على أنه يراد به الحيض، وجاء فيها ما يدل على أنه الطهر، وجاء في النص أيضاً في الحديث ما يدل على أنه الحيض ((دعي الصلاة أيام أقرائك)) يعني حيضك، وجاء ما يدل على أنه الطهر، لكن المرجح أن المراد به الحيض.
هذا مجمل، وكثير من النصوص جاء مجملاً بيانه بالسنة، الحج مجمل، بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله، الصلاة جاءت مجملة بينها النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله وقوله، وقال: ((خذوا عني مناسككم))، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ففعله -عليه الصلاة والسلام- بيان لما أجمل في كتاب الله -عز وجل-.
المبين خلافه، المبين الذي اتضحت دلالته، المبين المراد به ما يقابل المجمل ما لم تتضح دلالته، فالمبين يكون ما اتضحت دلالته.
"السابع: المؤول: وهو ما ترك ظاهره لدليل"، ما ترك ظاهره لدليل، يعني عندنا نص وظاهر ومؤول، النص لا يحتمل، النص لا يحتمل، الظاهر يحتمل معنيين راجح ومرجوح، الراجح هو الظاهر، والمرجوح هو إيش؟ المؤول، والأصل أن العمل يكون بالراجح وإلا بالمرجوح؟ بالراجح، العمل يكون بالراجح.
المؤول إذا دل دليل على إرادته، إذا دل دليل على إرادته عمل به، إذا دل دليل على إرادته عمل به، فإذا دل السياق على..، إذا كان اللفظ يحتمل، يحتمل أمرين: أحدهما أظهر، كما إذا قلت: جاء أسد، الأسد يحتمل أن يكون الأصل فيه الحيوان المفترس، نعم، يحتمل وهو احتمال يلي الاحتمال الأول أن يكون رجل شجاع، يحتمل أن يكون رجل أبخر، فإذا قلت: جاء أسد ظاهر اللفظ أنه الحيوان المفترس، لكن إذا قلت: جاء أسد وصلى ركعتين، يبقى..، انتفى الاحتمال الأول؛ لأن الحيوان المفترس لن يصلي، عمدنا إلى الاحتمال الثاني لوجود الدليل الذي يعين حمل اللفظ عليه، عاد يبقى النظر في واقع الشخص، هل هو شجاع، أو تنبعث من فمه روائح كريهة يعني أبخر مثل الأسد.
الأظهر من المعنيين، الشجاع؛ لأن هذه أخص أوصاف الأسد، أضعف الاحتمالات الأبخر، فأنت أحياناً الأصل أن تستعمل هذا اللفظ فيما هو في أظهر معانيه، في أظهر معانيه هذا الأصل، وأرجح معانيه، لكن قد تضطر إلى أن تعمل بالمرجوح لدليل يقتضي ذلك، لدليل يقتضي ذلك.
الشارح الذي هو نفس المؤلف –السيوطي- مثل بقوله -جل وعلا-: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}[(47) سورة الذاريات] {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} وقال: الأيدي القوة؛ لأنه يستحيل حمله على ظاهره من اليد الجارحة، مستحيل، التنزيه يقتضي ذلك، وهذا على مذهبه، الذي جرى عليه وهو مذهب الأشعرية، فأنت محتاج إلى أن تصرف اللفظ عن ظاهره إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقتضي ذلك وهو التنزيه، ومن هنا أوتي المبتدعة، من هنا دخل الخلل عليهم، اعتقاد التشبيه في الإثبات، اعتقاد التشبيه في الإثبات، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص] هل يمكن تأويل مثل هذا النص؟ المثنى نص ما يحتمل، هل يستطيع أن يقول قائل: بقوتي أو بنعمتي؟ ما يمكن، نعم، ما يمكن؛ لأن التثنية نص في الموضوع، لا يمكن تأويلها، فهم يفرون من إثبات ما أثبته الله -سبحانه وتعالى- لنفسه دفعاً أو طلباً للتنزيه بناءً على حد زعمهم أن الإثبات يقتضي التشبيه، وإذا قلنا: إذا أثبتنا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظتمه، إيش المانع من ذلك؟ نقول: له يد تليق بجلاله، له يد تليق بجلاله، له عين تليق بجلاله، له سمع، له بصر، له..، المقصود أن المبتدعة دخل عليهم الخلل من هذا الباب، ولذا التأويل مذموم عند أهل العلم، مذموم عند أهل العلم إلا إذا دل الدليل على إرادته.
المعول في فهم النصوص على فهم السلف، نعم، قد يقول قائل: لماذا لا تؤولون اليد بالقوة مثلما أولتم المعية بالعلم؟ لماذا لا تقولون هذا؟ نقول: الذي أوَّل المعية بالعلم هم السلف، ونحن ملزمون بفهمهم، فالذي يتفق عليه السلف لا مندوحة لنا عنه، أما ما يختلف فيه السلف للمتأخر أن ينظر إذا كان له سلف من سلف هذه الأمة، أما ما يتفقون عليه فالمعول على اتفاقهم.
الثامن: المفهوم:
"الثامن: المفهوم: وهو يقابل المنطوق" هناك الخاص يقابل للعام، وهنا المفهوم يقابل المنطوق، والمراد بالمنطوق دلالة اللفظ في محل النطق، والمفهوم: دلالة اللفظ لا في محل النطق، المفهوم، اللفظ يستدل منه من وجوه، قد يستنبط الحكم من لفظه، وقد يستنبط الحكم من مفهومه، فمثلاً ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) منطوقه: أن الماء إذا بلغ هذا المقدار لا ينجس بملاقاة النجاسة، هذا منطوقه، مفهومه: أنه إذا لم يبلغ هذا المقدار نعم، مفهومه: أنه إذا لم يبلغ هذا المقدار فإنه يحمل الخبث، هذا مفهوم إيش؟ مخالفة وإلا موافقة؟ الآن عندنا الماء إذا بلغ هذا المقدار وهو القلتين لم يحمل الخبث، مفهومه أنه إذا لما يبلغ هذا المقدار فإنه يحمل الخبث، له مفهوم آخر أنه إذا بلغ ثلاث قلال، أو أربع قلال لم يحمل الخبث، فعندنا هنا منطوق وهو أن الماء إذا بلغ هذا القدر القلتين لم يحمل الخبث، عندنا أكثر من مفهوم، المفهوم الأول: أنه إذا بلغ ثلاث قلال لم يحمل الخبث، نعم، هذا مفهوم إيش؟ موافقة، المفهوم الثاني: مفهوم المخالفة وهو أنه إذا لم يبلغ هذا القدر فإنه يحمل الخبث.
الفرق بين المفهومين: مفهوم الموافقة يوافق المنطوق في الحكم، مفهوم الموافقة يوافق المنطوق في الحكم، فالحكم لم يحمل الخبث إذا بلغ المقدار لم يحمل الخبث إذا زاد على هذا المقدار فهو مفهوم، كله لم يحمل، نعم، إذاً مفهوم موافقة، مفهوم المخالفة يحمل، اختلف مع المنطوق في الحكم.
نأتي إلى المثال الذي هو من أوضح الأمثلة، {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [(23) سورة الإسراء] {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} هل له مفهوم مخالفة؟ هل له مفهوم مخالفة؟ نعم؛ لأن هذا أقل ما يتصور من الإساءة لهما، أقل ما يتصور، ولو كان هناك شيء أقل من أف يعني كلام لا يسمع منه إلا الهواء، يخرج من بين الشفتين، وهذا حرام، هل له مفهوم موافقة؟ له مفهوم موافقة، لا تقل لهما كلام أشد من هذا، نعم، إذا نهيت عن قول (أف) ألا تنهى من باب أولى عن قول (لا)، ألا تنهى من باب أولى عن السب والشتم، ألا تنهى من باب أولى عن الضرب، نعم، بلى، هذا كله مفهوم موافقة.
ويلزم الظاهرية من باب الإلزام الذين لا يقولون بالمفهوم، وهذا المفهوم يسمونه قياس إيش؟ قياس الأولى، قياس الأولى وبعضهم يقول: قياس جلي.
قياس الأولى، الذين لا يقولون بالقياس، يقولون: الأُف حرام، والضرب إيش؟ الذين لا يقولون بالقياس، لا يثبتون القياس.
طالب:........
يقولون: ما في شيء.
طالب: يقولون: لا يؤخذ النهي عنه من هذه الآية.
من أين يؤخذ؟ من أي شيء يؤخذ؟
طالب:.......
مثل إيش؟
طالب:.......
إيه مفهوم هذا، يبقى أن أخذه منها مفهوم.
طالب:.......
لا، هم يُلزمون بهذا، يلزمون بهذا القول، يلزمهم، يرد على أصولهم بلا شك.
"مفهوم موافقة يوافق المنطوق في الحكم" وعرفنا مثاله، "ومخالفة يخالف المنطوق في الحكم"، وله أقسام مفهوم المخالفة:
منه مفهوم الصفة، مفهوم الصفة {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] التبين والتثبت في الخبر معلق بوصف، إذا انتفى هذا الوصف، انتفى التبين والتثبت، نعم، {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ} مفهومه أنه إن جاءنا عدل نعم أننا لا نتبين نقبل خبر العدل، وهذا المفهوم يوافقه منطوق نصوص أخرى، {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [(2) سورة الطلاق].
مفهوم شرط: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} [(3) سورة النساء]، مفهومه أنكم إن تأكدتم من القدرة على العدل فانكحوا ما طاب لكم من النساء، هذا مفهوم الشرط، فيكون الجواز مرتبط بالشرط بتحقق الشرط، فإذا خفتم بمعنى أنه غلب على الظن أنكم لن تتمكنوا من العدل، نعم، والمسألة مسألة غلبة ظن وليس المراد اليقين، يعني ما نقول: إنه لا يعدد إلا من تيقن أنه سيعدل مع قوله -جل وعلا-: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [(129) سورة النساء]، المسألة مسألة غلبة ظن.
وغاية: غاية، مفهوم الغاية، {أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [(187) سورة البقرة]، غاية الصيام إلى الليل، مفهومه أنه بعد حلول هذا الوقت بغروب الشمس لا صيام، إلى الليل يعني في الليل لا صيام هذا المفهوم، وجاء في الحديث: ((إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر من ها هنا فقد أفطر الصائم)) خلاص، الليل ليس محل للصيام؛ لأن الحكم معلق بغاية، معلق بغاية، هناك أحكام معلقة بغاية مرتبطة بآخر الزمان، نعم، فمثلاً قبول التوبة معلق بغاية قبول الجزية معلقة بغاية، لكن هذه الغاية في آخر الزمان.
عدد: كثيراً ما تسمعون: "العدد لا مفهوم له"، العدد لا مفهوم له، لكن العدد له مفهوم هذا الأصل، لكن يقول أهل العلم..، كثيراً ما يقولون: إن العدد لا مفهوم له يعني فيما يتحدثون عنه؛ لأن مفهومه معارض بمنطوق، يعني {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النــور]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النــور]، أليس لهذا مفهوم؟ أن العدد مطلوب بالدقة مائة، مفهومه أنه لا يزاد عن المائة ولا ينقص من المائة، لكن قد يلغى مفهوم العدد كما يلغى مفهوم غير العدد {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة]، {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} هل معنى هذا أنك لو استغفرت واحد وسبعين مرة يغفر لهم؟
طالب: لا.
لماذا؟ لأن هذا المفهوم معارض بمنطوق، وإلا فالأصل أن المفهوم معتبر، لكن إذا عورض المفهوم العدد بمنطوق لا يعتبر، كما أنه إذا عورض غيره من المفهومات بمنطوق المنطوق مقدم على المفهوم، يعني {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران]، {رَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} [(23) سورة النساء]، هل المفهوم مراد؟ نعم، ليس بمراد، لماذا؟ {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} لأن جاء النهي عن الربا بدون أضعاف، من غير اقتران بأضعاف، فهذا المفهوم معارض بمنطوقات.
أيضاً كون المفهوم أو اللفظ يأتي على الغالب يلغى بسببه المفهوم {رَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} لأن الغالب أنها في الحجر، ولذا جمهور أهل العلم لا يعتبرون هذا المفهوم.
التاسع والعاشر: المطلق والمقيد:
"التاسع والعاشر: المطلق والمقيد: وحكمه حمل الأول على الثاني ككفارة القتل والظهار"، المطلق والمقيد عرفنا أن العام والخاص في الأفراد، وهنا الإطلاق والتقييد في الأوصاف، وحكمه حمل الأول على الثاني، يعني يحمل المطلق على المقيد، ككفارة القتل والظهار هكذا قالوا، لكن هذا الكلام ليس على إطلاقه، لا يقبل على إطلاقه، بل المطلق والمقيد تأتي -أو يأتيان- على صور:
الأولى: أن يتحدا في الحكم والسبب.
والثانية: أن يختلفا في الحكم والسبب.
والثالثة: أن يختلفا في السبب دون الحكم.
والرابعة: العكس في الحكم دون السبب.
إذا اتفقا في الحكم والسبب كما في قوله -جل وعلا- {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة]، هذا مطلق، وجاء النص المقيد {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام]، مقيد بكونه مسفوح، هنا يحمل المطلق على المقيد إجماعاً، لماذا؟ للاتفاق في الحكم والسبب.
إذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، فاليد في آية الوضوء مقيدة إلى المرافق، واليد في آية السرقة مطلقة، هل نقول: يحمل المطلق على المقيد؟ نقول: لا يحمل المطلق على المقيد، لماذا؟ للاختلاف في الحكم والسبب، هذا غسل وهذا قطع، هذا الحكم، السبب هذا حدث وهذا سرقة، اختلفا في الحكم والسبب وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد، للاختلاف في الحكم والسبب.
الصورة الثالثة: الاتفاق في الحكم دون السبب: ومثل به المؤلف كفارة القتل وكفارة الظهار، جاءت الرقبة مطلقة في كفارة الظهار، وجاءت مقيدة في كفارة القتل، بكونها مؤمنة، اتفقا في الحكم واختلفا في السبب، الحكم وجوب العتق، والسبب هذا قتل وهذا ظهار اختلف، فيحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، فالرقبة المراد عتقها في جميع الكفارات لا بد أن تكون مؤمنة للاتفاق في الحكم مع كفارة القتل.
العكس إذا اختلفا في الحكم واتفقا في السبب كاليد في آية الوضوء واليد في آية؟
طالب: السرقة.
لا السرقة انتهينا منها، التيمم، اليد في آية الوضوء مقيدة، واليد في آية التيمم مطلقة، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر خلافاً للشافعية.
الحادي عشر والثاني عشر: الناسخ والمنسوخ:
"الحادي عشر والثاني عشر" هناك مسائل شائكة فيها إشكالات كثيرة في هذه المباحث الوقت لا يستوعب في شرحها، وإحنا التزمنا أن نكمل الكتاب، وإلا هي مسائل مهمة ونافعة وبسطها يحتاجه طالب العلم، لكن على أن نفي بما التزمنا به.
"الحادي عشر والثاني عشر: الناسخ والمنسوخ، كل منسوخ فناسخه بعده إلا آية العدة" الناسخ والمنسوخ، الناسخ اسم الفاعل والمنسوخ اسم المفعول من النسخ، والنسخ رفع الحكم الشرعي الثابت بدليل شرعي، بحكم شرعي آخر ثابت بنص، متراخٍ عن الأول، فالنسخ رفع للحكم بالكلية بنص، فالنسخ من خواص النصوص، التخصيص لا يختص بالنصوص، النسخ يختص بالنصوص.
"وكل منسوخ فناسخه بعده" يعني في ترتيب المصحف وإلا في النزول نحتاج إلى هذا الكلام؟ ما نحتاج إلى هذا الكلام؛ لأنه من شرط الناسخ أن يكون متأخراً عن المنسوخ، لكن كلامه منصب على الترتيب في المصحف، "كل منسوخ فناسخه بعده إلا آية العدة" {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [(240) سورة البقرة]، هذه الآية نسختها آية: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة]، وهي قبلها في ترتيب المصحف، كانت العدة حول كامل ثم نسخت بأربعة أشهر وعشر، هذه عدة المتوفى عنها.
"والنسخ يكون للحكم والتلاوة" للحكم والتلاوة يعني آية تتلى، تنزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيتلوها ويتلوها الصحابة، ويعرف أنها من القرآن ثم بعد ذلك يرتفع حكمها وتلاوتها، مثل آية الرضاع، كان فيما أنزل الله تعالى: "عشر رضعات معلومات" فنسخن بخمس معلومات، هذه رفع حكمها وتلاوتها، "ولأحدهما" للتلاوة دون الحكم، للتلاوة فقط والحكم باقٍ كآية الرجم: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"، هذه رفعت تلاوتها وأما حكمها فهو باقٍ ومجمع عليه، أعني رجم الزاني المحصن.
"وعكسه رفع الحكم دون التلاوة، وهو كثير" رفع الحكم دون التلاوة مع بقاء التلاوة كثير.
قد يقول قائل: ما الفائدة من النسخ، والله -سبحانه وتعالى- يعلم المصالح، وما سيؤول إليه الأمر؟ لماذا لا يقرر الحكم الأخير من البداية؟
نقول: الحكم المناسب في وقت نزول المنسوخ نعم هو ما يقرره النص المنسوخ، يعني يصلح هذا الحكم لهذا الظرف، لكن بعد وقت هذا الحكم لا يصلح لهذا الظرف، نعم، فمثلاً آية إقرار شرب الخمر مثلاً في بداية الأمر، والتساهل فيه ثم التدريج في نسخه، يعني في مثل قوله -جل وعلا-: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [(43) سورة النساء]، هذا نهي عن قربان الصلاة وقت السكر، لكن هذه الآية نسخت {فَاجْتَنِبُوهُ} [(90) سورة المائدة] فالمناسب في أول الأمر أن يؤتى بالتدريج، يكون النسخ تدريجي؛ لأنهم ألفوا هذا الداء، ألفوه ويصعب اجتثاثه منهم، نعم، لكن لما جاء الظرف المناسب منع بالكلية.
الرافضة تبعاً لليهود يقولون: النسخ لا يجوز؛ لأنه يدل على أنه ظهر لله -جل وعلا- وبدا له -يسمونه البداء- ما لم يكن ظاهراً في أول الأمر، ما كان خفياً عليه، تعالى الله عما يقولون، وينفون النسخ من أجل هذا، وبعض المفسرين وليس بمفسر، بل وليس من أهل العلم الشرعي، وإن كتب في التفسير وكتب في بعض المباحث الشرعية عنوان عنده: "النسخ ولا نسخ في القرآن" تبعاً لهذه الدعوى، النسخ ولا نسخ في القرآن، الله -جل وعلا- يقول: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} [(106) سورة البقرة]، والنسخ ثابت ثبوتاً قطعياً من خلال الأدلة النظرية والعملية، مسألة البداء التي يتشبثون بها، وأنه بدا لله وظهر له ما كان خافياً عليه هذا الكلام ليس بصحيح، الله -سبحانه وتعالى- يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون؟ يعلم ما لم يكن، قد يقول قائل: إن ما لم يكن ليس بشيء فلا تتعلق به مشيئة ولا إرادة ولا علم، نقول: في قوله -جل وعلا-: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [(28) سورة الأنعام]، نعم يعلم أنهم لو ردوا لعادوا مع أنهم ما هم مردودين، وهذا لن يكون.
في حديث الثلاثة الأعمى والأبرص والأقرع في الصحيح ((ثم بدا لله أن يختبرهم))، ((ثم بدا لله أن يختبرهم)) وهنا هل في هذا إثبات البداء؟ هذا يفسره الرواية الأخرى: ((ثم أراد الله أن يخترهم)).
الثالث عشر والرابع عشر: المعمول به مدة معينة، وما عمل به واحد:
"الثالث عشر والرابع عشر: المعمول به مدة معينة، وما عمل به واحد" مدة معينة، يعني يعمل به مدة معينة للحاجة إليه مثلاً كالمتعة أبيحت في بعض المغازي للحاجة، نعم مدة معينة، ثم نسخت، "وما عمل به واحد" مثاله -وإن كان يصلح مثال للأمرين معاً- آية النجوى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [(12) سورة المجادلة]، عمل بها علي بن أبي طالب، عمل بها علي بن أبي طالب ولم يعمل بها سواه، وبقيت مدة يسيرة إما ساعة كما قاله بعضهم أو عشرة أيام، يعني مدة تتراوح بين هذا وهذا، وإن كان بعضهم يستبعد أن يبقى الحكم عشرة أيام ولن ينقل إلا عن علي -رضي الله عنه- أنه قدم وهم بحاجة إلى مناجاته -عليه الصلاة والسلام-.
الرافضة يزعمون أن من هذا {يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة]، نعم، وأن هذه لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب، الآية في سورة المائدة، نعم في سورة المائدة، قالوا: لم يعمل بها إلا علي، إيش معنى هذا؟ يروون في هذا أن علياً -رضي الله عنه- كان راكعاً في صلاته فجاء سائل فمد له إصبعه، لماذا؟ لكي يأخذ الخاتم، تصدق وهو يصلي، لكن هذا لا يثبت، وليس بصحيح، ولا يدل له النص، وهو مخالف لنصوص {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة]، يعني الإنسان إذا قام في صلاته عليه أن يخشع، وأن يعقل صلاته، هذا مخالف للأمر بالإقبال على الصلاة، والنص لا يسنده.
فهم يتشبثون بمثل هذا تكثيراً لمناقب علي -رضي الله عنه-، وليس بحاجة إلى مثل هذا، مناقبه الثابتة تغني عن مثل هذا، هو أمير المؤمنين، وصهر النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخليفة الراشد، أمرنا بالاقتداء به، لكن افترق الناس فيه، يقول الناظم:
................................... |
| فعليه تصلى النار طائفتانِ |
فمثل هذا لا شك أن هذا طرفي نقيض، جفاء، جفاء إفراط وتفريط، نسأل الله العافية، ومناقبه أشهر من أن تدعم بمثل هذا، نعم.
أحسن الله إليكم: قال -رحمه الله تعالى-:
ومنها ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالألفاظ، وهو ستة: الفصل والوصل، مثال الأول: {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [(14) سورة البقرة]، مع الآية بعدها، والثاني: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [(13 - 14) سورة الانفطار]، الإيجاز والإطناب والمساواة مثال الأول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة]، والثاني: {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} [(28) سورة القلم]، والثالث: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [(43) سورة فاطر].
السادس: القصر ومثاله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [(144) سورة آل عمران].
ومن أنواع هذا العلم: الأسماء، فيه من أسماء الأنبياء خمسة وعشرون، والملائكة أربعة، وغيرهم: إبليس، وقارون، وطالوت، وجالوت، ولقمان، وتبع، ومريم..، ابنة عمران وإلا وعمران؟.
وعمران.
أحسن الله إليك:
وعمران، وهارون وعزير، ومن الصحابة زيد.
الكنى لم يكن فيه غير أبي لهب، الألقاب: ذو القرنين، المسيح، فرعون.
المبهمات: مؤمن من آل فرعون حزقيل، الرجل الذي في ياسين حبيب بن موسى النجار، فتى موسى في الكهف يوشع بن نون، الرجلان في المائدة يوشع وكالب، أم موسى يوحاند، امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، العبد في الكهف هو الخضر، الغلام حيسور، الملك هُدَد، العزيز إطفير أو فطفير، امرأته رعيل، وهي في القرآن كثيرة.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ومنها ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالألفاظ"، وهي من مباحث علم إيش؟ الفصل والوصل والإيجاز والإطناب والمساواة مباحث أي علم؟
البلاغة.
الذي هو أي أنواع البلاغة؟
المعاني.
من علم المعاني، نعم، متعلقة بعلم المعاني.
يقول: "وهو ستة: الفصل والوصل" المراد بالفصل: الإتيان بجملتين لا تربط بينهما الواو والوصل: إدخال الواو بين الجملتين، ومثال الأول: {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ* اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [(14 - 15) سورة البقرة]، لم توصل الجملة..، الآية الثانية بالأولى لئلا يظن أنها من مقولهم، بل هي مفصولة عنها، ولو أوتي بالواو لظن أن الآية الثانية من مقولهم، المواضع التي فيها الوقف اللازم مثل إيش؟
طالب: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} [(65) سورة يونس]
{وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ} [(65) سورة يونس] نعم، وفي آخر يس؟ نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
نعم، فمثل هذا الوقف اللازم الذي لو جيء فيه بالوصل لظن أنه من كلامهم، وهنا في الآية الأولى: {إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} [(14) سورة البقرة] لو عطف عليها بالواو ووصل بين الجملتين بالواو لظن أن قوله -جل وعلا-: {اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [(15) سورة البقرة] من ضمن كلامهم، ولذا فصل عنه.
في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [(13 - 14) سورة الانفطار] كلام متصل بعضه ببعض موصول بعضه ببعض بالواو؛ لأن مساقه واحد، والقائل واحد.
الواو التي يأتون بها لرفع اللبس "لا ويرحمك الله" ويستحسنونها، هل هي من هذا القبيل؟ أو نقول: إن حكمها حكم الوقف اللازم، قف عليها، لا، ثم قل: "يرحمك الله" ولو أتينا بالواو لوصلناها بما قبلها بالواو.......
لا، منكم نستفيد.
لا يا شيخ هذا مهم هذا، هذا مهم، أنتم بتستحسنون هذه الواو، نعم، ما يستحسنها أهل البلاغة؟
صحيح.
لا، ويرحمك الله، يستحسنونها لئلا تدرج الواو مع الجملة فينقلب المعنى، لكن الأساليب الواردة في الكتاب والسنة ليس فيها شيء من هذا، {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} [(65) سورة يونس] قف وقف لازم، {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ} [(65) سورة يونس] ما جاب الواو على شان لا يظن أو يظن..، مثله أيضاً في حديث السؤال عن شحم الميتة، عن بيعه، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا، هو حرام)) ما قال: لا، وهو حرام، نعم، فهذا من الوقف اللازم، وبالوقف ينتفي الإشكال.
عندك شيء في هذا؟ لكن الواو التي يستحسنونها إيش يسوون بها؟
هذا على رأي ابن العربي استدراج.
مثل كلامنا هذا أو قريب منه؟
كان الأحسن الوقوف.
هذا الذي نقرره، والإخوان ما هم براضين.
طالب:.......
لا ما سمعت كلامك؛ إحنا عندنا الحكم في هذا النصوص، النصوص ما فيها واو نعم، لكن فيها الوقف اللازم، فإذا قلت: لا، قف، مقتدياً بالنصوص، ثم قل: يرحمك الله إيش المانع؟
طالب: لا، يرحمك الله.
نعم.
هكذا ضبطها؟
المقصود أن اللبس ينتفي بالوقف.
المبحث الذي يليه في الإيجاز والإطناب والمساواة:
الإيجاز: أن تكون الألفاظ أقل من المعاني، والإطناب الألفاظ أكثر من المعاني، والمساواة على حد سواء الألفاظ مع المعاني.
مثال الأول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة]، من أبلغ الكلام، كلمات يسيرة تحمل المعاني..، إيش معنى في القصاص حياة؟ يعني القصاص فيه موت، القصاص حقيقته موت، قتل للقاتل، لكن موت شخص واحد لو ترك هذا القاتل نعم لترك يعبث بالناس أو لسطا عليه نعم أهل المقتول فقتلوه وقتلوا معه، ودافع عنه قومه وحصل قتل كثير، من هنا جاء قوله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] يعني لا يعني حياة المقتص منه حياة من وراءه وخصومه، والعرب يقولون: "القتل أنفى للقتل" هذا الكلام صحيح، قد يقول قائل: كيف لنا حياة ونحن نقتل؟ نقول: نعم نقتل واحد في سبيل إحياء جمع غفير من الطرفين.
والثاني: {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} [(75) سورة الكهف] لك وفي الآية الأخرى ما فيها (لك) وتؤدي نفس المعنى، إذاً (لك) هنا قدر زائد على ما جاء في الآية الأخرى التي تؤدي نفس المعنى فهذا إطناب.
والثالث: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [(43) سورة فاطر]، مساواة بقدر المعاني.
السادس: القصر، وهو الحصر، ومثاله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [(144) سورة آل عمران]، والقصر كما تعلمون قصر حقيقي وقصر إضافي، فهنا القصر قصر محمد على الرسالة، والمراد من ذلك ألا نعم يتصور أنه مخلد مثلاً، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ} [(144) سورة آل عمران] يعني هذا وصفه، هذا أخص أوصافه.
"ومن أنواع هذا العلم: الأسماء، فيه من أسماء الأنبياء خمسة وعشرون" وهم: آدم، ونوح، وإدريس، وإبراهيم الخليل، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ولوط، وهود، وصالح، وشعيب، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وأيوب، وذو الكفل، ويونس، وإلياس، واليسع، وزكريا، ويحيى، وعيسى، ومحمد -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، فيهم الأسماء العربية وفيهم الأعجمية، وكلهم ممنوعون من الصرف إلا ستة: صالح، ومحمد، وشعيب ها؟ ونوح، ولوط، وهود، ستة.
"والملائكة أربعة" هم: جبرائيل، وأيضاً ميكائيل، وأيضاً هاروت وماروت، هاروت وماروت، مالك، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [(77) سورة الزخرف] نعم، "وغيرهم" يعني غير الأنبياء والملائكة إبليس اللعين، وقارون المتكبر بثرواته، وطالوت الذي جعله الله ملكاً على بني إسرائيل، وجالوت الذي قتله داود، ولقمان الحكيم، وتبع، ومريم ابنة عمران، وعمران أبوها، وهارون، {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [(28) سورة مريم]، ليس المراد به النبي، ولذا هو من غير الأنبياء، هارون أخو موسى من الخمسة والعشرين الأنبياء، وهنا هارون أخو مريم، {يَا أُخْتَ هَارُونَ} فهو ليس من الأنبياء، وعزير، "ومن الصحابة زيد"، ولا يوجد ولم يذكر من الصحابة إلا زيد، {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ}[(37) سورة الأحزاب] إلى آخرها.
فيه من الكنى..، ليس فيه إلا..، لم يكن فيه غير أبي لهب، ولا شك أن ذكر الشخص بكنيته أقوى تشريف له أن يذكر بكنيته، يعني بدلاً من أن تقول: يا سعد، يا عمرو، يا أبا سعيد، يا أبا محمد وهكذا، لكن هنا أولاً: لأن اسمه محرم (عبد العزى) معبد لغير الله -جل وعلا-، فذكره بالكنية لأن الاسم محرم، الأمر الثاني: أنه في كنيته ما يدل على مآله وهو اللهب نعم وهو اللهب.
"وفيه من الألقاب ذو القرنين"، لقب، وهو الاسكندر، يقولون: لقب ذلك لذؤابتين كانتا له، وقيل أيضاً: كان له قرنان، وقيل: لأنه طاف قرني الأرض.
وهناك أيضاً فيه من الألقاب المسيح، وهو من السياحة أو لأنه لا يمسح مريضاً إلا برئ، وقيل غير ذلك، وفيه أيضاً فرعون، فرعون ما ذكر مع قارون لماذا؟ نعم قارون اسمه، وهنا لقبه، وهو لقب لكل من ملك مصر من الأقباط، والمراد به الوليد بن نعم؟ فرعون الموجود على وقت موسى -عليه السلام-.
المبهمات: المبهمات، والإبهام: ألا يذكر..، أن ينص على المراد بما لا يدل على اسمه أو كنيته أو لقبه ليخرج ما ذكر، ما عدا الاسم واللقب والكنية إبهام، نعم، إبهام ومن ذلكم: مؤمن من آل فرعون اسمه حزقيل، وجاء في بعض الآثار ما يدل عليه، والرجل الذي في (يس) {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [(20) سورة يــس] حبيب بن موسى النجار، والذي في سورة القصص؟ الذي في سورة (يس) حبيب بن موسى النجار، لكن الذي في سورة القصص ما اسمه؟ {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [(20) سورة القصص] من هو؟ ما هو مبهم يدخل في المبهات هنا؟
بلى.
إيه ما ذكره المؤلف، ولعل كتب التفسير تراجع له.
طالب: لم يذكره المفسرون.
ما ذكروه، متأكد؟ يحتاج مراجعة، يحتاج إلى مراجعة.
في {إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [(246) سورة البقرة]؟
ما ذكره؟
ماشي.
نعم، لكن لعله ذكر مع الأنبياء باسمه، والاسم يقضي على الإبهام.
ما سمي، داود سماه.
نعم، فتى موسى في سورة الكهف: يوشع بن نون، والرجلان في المائدة: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ} [(23) سورة المائدة] يوشع وكالب، أم موسى: اسمها يوحاند، امرأة فرعون: اسمها آسية بنت مزاحم، والعبد الذي لقيه موسى هو الخضر، والغلام الذي قتله الخضر اسمه: حيسور، وبعضهم يقول: جيسور، والملك الذي يأخذ كل سفينة غصباً هدد ابن بدد، كلاهما على وزن صرد، والعزيز المذكور في سورة يوسف: إطفير أو فطفير على ما قال، امرأته -امرأة العزيز- اسمها: رعيل.
وهي في القرآن كثيرة، المبهمات في القرآن كثيرة، يعني ما استوعب، هناك مؤلفات في المبهات، نعم، لكنه ما ذكر، هو ذكر أنه رعيل، وعلى كل حال الخلاف موجود.
أقول: المبهمات، مبهمات القرآن، ومبهمات الحديث فيها المؤلفات، ومن أجمع ما ألف: كتاب السهيلي في مبهمات القرآن، وللسيوطي أيضاً: مفحمات الأقران من مبهمات القرآن، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شكر الله لفضيلة شيخنا هذا البيان، وهذا الشرح الوافي، ونكون بهذا قد أتممنا سماع شرح هذه الرسالة القيمة من فضيلة الشيخ، ونسأل الله -جل وعلا- أن يجعلها في موازين حسناته، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وعندنا مجموعة من الأسئلة وهي كثيرة.
أحسن الله إليكم: الأسئلة كما ترون كثيرة، وشيخنا عنده ارتباط، عنده مناسبة الآن، ولذلك امتد الوقت، وذهب منه، وتصرم شيء كثير، ولا يسعنا إلا أن نرفع أيدينا إلى الله -عز وجل- أن يثيب فضيلة الشيخ ويجزيه الجزاء الأوفى، ويجعل ذلك في موازين حسناته، إنه سبحانه جواد كريم.
وعندي بعض الأوراق يطلبون من فضيلة الشيخ أن يكون له درس في شمال الرياض، يختار له مسجداً وبعضها عين المسجد، وهو مسجد الأميرة نورة.
على كل حال الطلب ينظر إليه -إن شاء الله- بعناية، وما أدري عن هل الوقت يسعف وإلا ما يسعف؟ والطلبات من الجهات من جهة الرياض ومن خارج الرياض أيضاً كثيرة، والتوفيق بينها صعب، وإذا كان هناك إجابة لطلب ما فطلب..، فالطلب لهذا المسجد لا سيما وإمامه يعني من أقرب الناس إلينا وأحبهم علينا، فهو أولى بالعناية من غيره، لكن لا أتصور أني في المدة القريبة التي تزدحم فيها الأعمال والأشغال والدروس تكاد تكون يومية وارتباطات يعني بكتب قديمة يعني نقرأ فيها فإجابة الطلب إن تيسرت لكم علي هذا -إن شاء الله-.
ونكرر الدعاء لفضيلة الشيخ بالحفظ والرعاية والتسديد والتوفيق، ونختم ما بدأناه به من حمد الله -جل وعلا- والثناء عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين.
"الصوفية يختلف في اشتقاقها ومأخذها، فمنهم من يقول: هي من الصفاء، والصفاء مطلوب، صفاء القلوب مطلوب في الشرع.
ومنهم من يقول: من لبس الصوف، ولبس الخشن من الألبسة، ومنهم من يقول: أنها نسبة إلى شخص ضال اسمه؟ نعم؟، صوفي، وهو منسوب إليها يلزم عليه الدور، نعم، ما أدري والله نسيت اسمه إما صيفي أو شيء من هذا، المقصود أنها تبعاً لمأخذها فإذا كانت من الصفاء فهي وصف ممدوح، ثم بعد ذلكم النظر في حقيقتها وواقعها؛ لأنه تسمى به وتلبس بها فئام من الناس، وأجناس من الناس منهم القريب إلى السنة، بل منهم من هو مطبق للسنة حريص على السنة، ومنهم من هو بعيد عن السنة، منهم من يخرج بالكلية عن دائرة الإسلام باسم التصوف، حتى يصل بهم الحد إلى أن يتخلصوا من التكاليف الشرعية، باسم أنهم وصلوا إلى درجة من هذا السلوك، درجة معينة وحينئذ تسقط عنهم التكاليف.
المقصود أن الإنسان بشخصه وذاته وعمله يُقوّم، فإذا كان عمله متضمن للشرطين الإخلاص لله -عز وجل- إئتساء واقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولو تسمى بصوفي، ولو تسمى..، ما يمنع إذا كان نظره إلى الصوفية، أو عاش في بيئة يكثر فيها هؤلاء، ورأى أنه لا بأس من التسمي بهذا الاسم وطابق عمله ما جاء عن الله وعن رسوله، وعلى كل حال الاسم عرفاً عند أهل العلم مذموم، عرفاً عند أهل العلم مذموم؛ لأنه كثر في صفوف من تكثر مخالفتهم لما جاء عن الشارع، فالاسم مذموم عرفاً عند أهل العلم، وإلا فالاسم إذا نظرنا إليه في الأصل وادعى المتسمي به أنه من الصفاء، ونظرنا إلى عمل هذا الرجل وجدناه مطابق لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يشتمل على بدعة، مخلص لله -جل علا-، مقتفي لأثر نبيه -عليه الصلاة والسلام- فلا يذم ولا يلام، إلا من حيث التسمية، والتسمية لا أثر لها لا سيما إذا نظر إلى أن معناها أنها من صفاء القلب أو عاش في بيئة كثروا فيها، ورأى أن التسمية أمرها يسير، لكن مثلما قررنا أنها عرفاً عند أهل العلم لحقها الذم؛ لأن أكثر من تسمى بها كثرت مخالفاتهم لما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
المتقدمون لهم كتب في الإعراب، النحاس له إعراب، العكبري له إعراب، لكن إعراب القرآن عند المتقدمين يصلح لطالب العلم المتمكن المتأهل؛ لأنه يحسن التعامل معها، وبعضهم يعرب بألفاظ قد لا تكون متداولة بين المتأخرين، وهذا شأن المتقدمين، يعني لو قرأت في تفسير الطبري وجدته يعرب بعض الكلمات باصطلاحات لا نعرفها، ولا يعرفها آحاد المتعلمين.
أبو حيان أقرب من الطبري؛ لأنه بعد أن استقر الاصطلاح على المصطلحات المعروفة عندهم، التي تعارفوا عليها، المتأخرون بسطوا الإعراب ووضحوه وسهلوه لطالبه، وأقول: ينبغي لطالب العلم أن يدرس العربية ثم يعرب القرآن ليختبر نفسه من غير رجوع إلى كتاب، ثم يختبر عمله بمقارنته بكتاب من كتب المعاصرين الذين بحثوا أو أعربوا القرآن بالتفصيل وبوضوح، أعربوا كل حرف في القرآن، المتقدمون لا يعربون الظاهر، وقد يكون ظاهر عندهم وخفي كل الخفاء عند بعض المتأخرين، نعم، فيعتمد في إعرابه على كتب المتأخرين، لا بأس بعد أن يقرأ كتب العربية، ويتمرن عليها فيقارن ما يعربه بإعراب محي الدين درويش مثلاً كتاب جيد، أو كتاب الصافي، أو غيرها من الكتب، المقصود أن كتاب درويش مفضل عندي على غيره نعم.
أحسن الله إليكم.
وإن كان للشيخ رأي في المسألة.
لا، منكم نستفيد يا شيخ، جزاكم الله خير.
على كل حال تفسير الظلال تفسير معاصر، والمفسر ليس من أهل العلم، يعني لا يطمع أن يكون من يقرأ هذا التفسير يعرف بدقة مراد الله -جل وعلا- من كلامه، نعم، إنما هو تفسير توضيحي إجمالي مقرون بالواقع، نعم إن قرأه الطالب استفاد فائدة مناسبة كما يقرأ في غيره من التفاسير، وإن تركه لن يخسر -بإذن الله شيئاً-، فالتفاسير عند المتقدمين المعروفة الموثوقة المبنية على كلام الله -جل وعلا- وكلام نبيه وأقوال سلف هذه الأمة، كتب أهل علم وعمل، يعني أئمة يقتدى بهم، والعلم دين فاعرف من تأخذ عنه دينك نعم، وكما قال السلف: "إن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك" فمن عرف ببدعة يحذر، وإن كان المميز -المميز الذي يميز البدعة ولا يخشى عليه من التأثر بها- لا يمنع من القراءة في مثل هذا التفسير، ولا فيما هو أشد من هذا التفسير كتفسير الكشاف أو تفسير الرازي وهو أشدها ضرراً في تقديري، أشدها ضرراً في تقديري على طلاب العلم، والله المستعان.
لا يظهر فرق ظاهر إلا أن التأليف: جمع الكلام وتأليف الأشباه، واقتران النظائر بعضها مع بعض، فهو يختلف من هذه الحيثية مع التركيب، التركيب مجرد وضع شيء على شيء، أما التأليف فهو وضع الأجناس المتآلفة.
التصنيف: هو بمعنى التأليف إلا أنهم..، يلحظ من استعمال بعضهم وتفريقهم بين الكلمتين بدقة أن التأليف يكون فيما غالبه الجمع من كلام الغير، وإن كانت الغير مرذولة عند أهل العربية.
والتصنيف أكثر ما يكون فيه الابتكار، نعم الابتكار، وبعضهم يفرق من جهة أخرى فيرون التصنيف للمبتدئ، لمبتدئ التأليف، والتأليف فيما يبنى على هذا التصنيف، فمثلاً المتن تصنيف، الشرح تأليف، فبعضهم يفرق بينهما من هذه الحيثية وإلا فالأصل أنه لا فرق بينهم.
تفسير أبي السعود فيه من هذا البيان ومن بيان الأسرار وبلاغة القرآن، بحيث كانت هذه هي الصبغة للكتاب، وإن كان في غيره من التفاسير يعني تفسير الزمخشري، فيه أيضاً هذا الجانب، وأيضاً تفسير البيضاوي على اختصاره فيه شيء من هذا، وتفسير الطبري إلا أن شهرته بكونه تفسيراً أثرياً غطت على الجوانب الأخرى من جوانب العربية وإلا فيه شيء من البيان، يعني تفسر الطبري صاغه مؤلفه بأبدع عبارة، والله المستعان.
التفسير الميسر هذا الذي طبعته وزارة الشئون الإسلامية حديثاً تفسير جيد في الجملة وواضح وبين، ذكروا فيه بعض الملاحظات اليسيرة لكن أنا ما وقفت على شيء منها، وهو كتاب في الجملة نافع، لكن ما يربى طالب العلم على مثل هذا الأسلوب، يعني في وقت الحاجة والعوز والإنسان يأخذه معه بيده ليقرأ في القرآن ويراجع بسرعة، لكن طالب علم يريد أن يأتي هذا العلم من أبوابه لا يربى على مثل هذه الكتب.
-يقصد في الناسخ والمنسوخ- ورأوه الأقوى مدركاً، والأحكم حجة، فأصبحوا يؤلفون في تأييده، وسينجلي للمخالفين أنه الأدق، وبالقبول الأحق، والمعروف أن أبا مسلم ينكر النسخ في القرآن، فهل القاسمي يريد أنه على مذهبه، وأنه هو الحق؟
معروف أن أبا مسلم زل، زل في هذه المسألة، ورد عليه المحققون من أهل الأصول، وكون المؤلف يستروح إلى تقوية مذهبه في هذه المسألة لا سيما في نسخ الحكم والتلاوة، الحكم والتلاوة، هو يستروح إلى قوة مذهبه في هذه المسألة بعينها، لا أنها يميل إلى مذهبه في إنكار النسخ بالجملة، أما نسخ الحكم والتلاوة مثل: "الشيخ والشيخة" القاسمي لا يعتبرها من الآيات، آيات الرضاع لا يعتبرها آيات، لكنه حكم أنزله الله -جل وعلا-، والإنزال أعم من أن يكون للقرآن، فالسنة أيضاً وحي فهو يرى أن هذه التي يقول جمهور أهل العلم أنها كانت من القرآن فنسخت تلاوتها وحكمها، أو تلاوتها فقط كآية الرجم هو يرى أنها ليست من القرآن، ليست من القرآن اعتماداً على ما قرره أبو مسلم، وإن كانت هذه فرع من مذهب أبي مسلم.
قال بالظاهر أهل الظاهر، وقالوا: أنه يستعيذ إذا فرغ من القراءة، وأشرنا سابقاً أن الماضي في النصوص وفي لغة العرب أيضاً يطلق ويراد به الفراغ من الشيء، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، فمثلاً في قوله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] هل معنى هذا أن الإنسان إذا وقف في الصف يتوضأ، أو إذا أراد القيام إلى الصلاة؟ إذا أراد.
((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من التكبير فكبروا، وليس معناه إذا أراد التكبير، لا، ((إذا ركع فاركعوا)) إذا شرع في الركوع لا إذا أراد الركوع ولا إذا فرغ من الركوع، بل المراد به إذا شرع في الركوع، فالسياق هو الذي يحدد المراد، وأيضاً يبين ويرجح قول الجمهور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يستعيذ قبل القراءة.
نقول: نسأل الله -جل وعلا- أن يزيدنا وإياه من فضله، وأن يوفقنا لاقتران العلم بالعمل، مخلصين بذلك لله -جل وعلا-، مستنين بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
كتب التفسير هناك أشرطة سوف تنشر قريباً فيها الحديث عن كتب التفسير باختصار؛ لأن وقتها ما كان في فسحة لنبسط الكلام فيها، لكن قلنا: إن المبتدئ في التفسير يقرأ في تفسير الشيخ ابن سعدي، وتفسير الشيخ فيصل بن مبارك، تفسير الشيخ فيصل بن مبارك اسمه: توفيق الرحمن لدروس القرآن، وهذا التفسير منتخب من تفسير الطبري والبغوي وابن كثير، فالصبغة فيه التفسير بالأثر، بينما تفسير الشيخ ابن سعدي تفسير فهم، فهم كلام السلف في معاني القرآن وصاغها بأسلوبه، وأودعه من اللطائف ما أودعه.
هذه التفاسير -أعني هذين التفسيرين- إذا ضم إليهما تفسير من تفاسير المعاصرين التي هي أشبه ما تكون بالمتون التي يتربى عليها طلاب العلم كتفسير البيضاوي أو تفسير الجلالين؛ لأنه في حجمها، تفسير البيضاوي في حجم التفسيرين، تكون الأداة متكاملة على أن يقرأ في هذين التفسيرين أعني البيضاوي والجلالين بحذر، والمفترض في السائل أنه متمكن في باب..، لأنه يقول: عنده حصيلة في باب المعتقد عندهم مخالفات، فالصناعة اللفظية موجودة في هذين التفسيرين لا سيما البيضاوي، وعناية أهل العلم في تفسير البيضاوي ظاهرة، يعني إذا قلنا: إن عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية هذا يدل على أن له قيمة، له قيمة عند أهل العلم، فهذه الطبقة الأولى أو البداية التي يبدأ بها طالب العلم في أول الأمر، ثم بعد ذلكم يقرأ ما هو أوسع من ذلك، فيقرأ في التفسير الأثري تفسير ابن كثير، ويقرأ أيضاً تفسير أبي السعود؛ لأنه تفسير متوسط، أما تفسير الكشاف والرازي لا ننصح بقراءتها للمتوسطين، أبي السعود أسلم منها، أبو السعود أسلم منها، ويقرأ في أحكام القرآن لابن العربي، ثم بعد ذلكم المرحلة الثالثة يقرأ في المطولات، بدأً من ابن جرير، القرطبي، البحر المحيط، الألوسي، وتفاسير المعاصرين أيضاً فيها جمع، وفيها وضوح، كتفسير القاسمي وتفسير المنار، والله أعلم، نعم.
نسخ القرآن بالسنة الأكثر ينفون هذا، ويقولون: إن الأضعف لا ينسخ الأقوى، وأشرنا قريباً إلى أن أهل التحقيق أو جمع من أهل التحقيق أثبتوه وقالوا: الكل وحي، والكتاب والسنة منزلتهما واحدة في أن المسلم متعبد بهما، وإن اختلفا في كيفية الثبوت، مما يمثل به لهذا في قوله -جل وعلا-: {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [(15) سورة النساء]، {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} حبس الزناة نعم، جاء في الحديث الصحيح حديث عبادة بن الصامت: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، أو تغريب سنة)) فهذا دليل على نسخ القرآن بالسنة، ومنهم من يقول: أن قوله: "حتى" يعني توقيت، وجاء الحديث مبين لانتهاء هذا التوقيت، فيكون من باب البيان لا من باب النسخ، نعم.
المسألة طويلة الذيول، وبحثناها في مناسبات كثيرة، وهي مسجلة يعني استوعبت في بعض المناسبات شريط كامل، لكن الذي يترجح عندنا أنه في الوقتين الموسعين لا بأس أن يتنفل الإنسان، وإن جلس دون نفل فله في ذلك مندوحة، وعمل بنصوص صحيحة، وإن تنفل في هذين الوقتين الموسعين فلا بأس؛ لأن الوقتين الأمر فيهما أخف من الأوقات الثلاثة المغلظة، "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا"، حتى قال الإمام أبو عمر بن عبد البر والحافظ ابن رجب -رحمهما الله تعالى-: أن النهي في والوقتين الموسعين من باب سد الذريعة لا لذاتهما؛ لئلا يسترسل الإنسان في الصلاة فيصلي في الأوقات المضيقة، وأثر عن بعض السلف أنهم يصلون يتنفلون بعد الصبح وبعد العصر، فدل على أن النهي في الوقتين الموسعين أخف من النهي في الأوقات المضيقة، وعلى هذا إذا دخل في الأوقات الثلاثة المضيقة لا يصلي، فإما أن يجلس والنصوص صحيحة صريحة في نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات، وإما أن يضل واقفاً والمدة يسيرة، أو يتحاشا الدخول في هذا الوقت ولا مانع، أما كونه كما يقول الظاهرية يضطجع ويخرج من الخلاف هذا جمود بلا شك.