شرح العقيدة الواسطية (06)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هذا يقول: نود أن يكون في بداية كل درس مراجعة للدرس السابق في العقيدة الواسطية وغيرها؛ لتثبيت المعلومات؟
هذا مطلب طيب، لكن ما أدري إيش المراجعة، هل هي مراجعة الشرح أو مراجعة رؤوس المسائل؟ ما أدري ماذا يراد من المراجعة؟ فإن كان المراد مراجعة الشرح فمسألة إعادة الشرح ليست بواردة، أصول المسائل وعناوين المسائل هذه يبينها السؤال الثاني لنفس السائل.
يقول: ما الأفضل في رأيك: أن يكتب الطالب مع الشيخ أثناء الدرس، أم أنه يستمع؟ حيث إنه إذا كتب لا يستطيع الفهم وهذا مجرب.
هذا صحيح ما جعل لرجل من قلبين في جوفه، الطريقة المثلى في التعلم أن يحضِّر الطالب قبل الحضور، يقرأ في البيت ويحفظ القدر المخصص لهذا اليوم، يحفظه الطالب في بيته ثم يراجع عليه الشروح، وإن كان هناك أشرطة مسجلة عليه سمعها، ثم بعد ذلك يحضر ويستمع فقط، إن تيسر له أن يسجل فهو أفضل لكي يفرغ من التسجيل على نسخته، المقصود أنه إذا حضر قبل الحضور وقرأ الشروح ووضع علامات على ما يشكل عليه، ثم حضر واستمع مع الأدب المراعى في مثل هذه المجالس، ويسأل عما يشكل عليه، ثم إذا خرج تدارس مع إخوانه وأقرانه، ويتذاكر معهم ما سمعوا، حينئذٍ يثبت العلم بهذه الطريقة. أما الطالب لا يعرف الكتاب إلا في الدرس ثم جاء إلى الدرس انشغل عنه بالتعليق، التعليق لا شك أنه من صميم الدرس، لكن يبقى أنه لن يستطيع أن يكتب كل ما يقال فيفوته كثيرًا مما يقال، وعلى هذا يترك التعليق إلا شيء يسير جدًا لبيان كلمة في بيان جملة، أما الاستطرادات وأوجه الخلاف وأقوال العلماء هذه لا يستطيع كتابتها إلا بتفويت ما هو أكثر منها، فأولاً المعول على الحفظ، ثم الفهم بقراءة الشروح وسماع الأشرطة، ثم بعد ذلك الحضور والأدب والاستماع، يستمع للشيخ، وإذا كان عنده إشكال يسأل عما يشكل عليه، ثم بعد ذلك يذاكر بما سمع مع جمع من زملائه يكون مستواهم متقاربًا.
يقول: هل يمكن الجمع بين القول الراجح والقول المرجوح في صفة الله تعالى؟ مثل اليد تُفسَّر بيد الله حقيقة تليق بجلاله، وأنها أيضًا تفسّر بمعنى النعمة.
لا يمكن الجمع بين الأقوال المختلفة اختلافًا حقيقيًا، اختلاف تضاد، لا يمكن الجمع بينها، واستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى ممنوع عند جمهور العلماء؛ إنما يستعمل في معنى واحد من معانيه ومعناه الآخر يكون فيما دل على إرادته السياق، قد يقول قائل: في كتب اللغة وفي كتب التفسير وفي كتب شروح الحديث يذكرون للكلمة الواحدة معاني كثيرة، فهم فسروا الكلمة بمعان متعددة، فلماذا لا نفسر الآية بالمعاني التي جاءت في كتب غريب القرآن أو في غريب الحديث أو كتب اللغة وغيرها؟ نقول: نعم تأتي الكلمة الواحدة في لغة العرب ويراد بها معان متعددة، لكنها لا تراد هذه المعاني في آن واحد؛ إنما يراد في كل موطن معنى يخصه يدل عليه السياق وترجحه القرائن؛ ولذا لا يصلح أن يفسِّر القرآن من هو عالم باللغة فقط أو من لديه الخبرة والدراية في كيفية الإفادة من كتب اللغة فقط، ولا يفسِّر حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من كانت لديه معرفة تامة بالسنة، كما أنه لا يفسِّر القرآن إلا من لديه معرفة تامة بالقرآن وما يخدم القرآن وما يعين على فهم القرآن، هب أنك أردت تفسيرًا وراجعت كتب اللغة وكتب الغريب، ثم وجدت أن هذه اللفظة من هذه الآية تطلق على معانٍ كثيرة، كيف تنتقي المعنى المناسب للسياق من هذه المعاني؟ لا تستطيع إلا إذا كانت لديك الخبرة بنصوص الكتاب والسنة وكيفية التعامل مع هذه النصوص، ذكرنا مرارًا أن الأصمعي وهو من أعلم الناس بلغة العرب ويحفظ ألوف مؤلفة من القصائد التي تشتمل على مئات الألوف من الأبيات من لغة العرب الصحيحة الفصيحة، ومع ذلك يسأل عن معنى الصقب الوارد في حديث «الجار أحق بصقبه» فيقول: أنا أفسر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والعرب تزعم أن الصقب هو اللزيق، فالكلام في كلام الله -جل وعلا- والمراد منه، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- والمراد منه بالتحديد قول عن الله -جل وعلا-؛ فإن كان بعلم فهو حق، وإن كان بغير علم فهو تقوُّل:{وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون}[البقرة:169]، وهذا من عظائم الأمور أن يقول الإنسان في كلام الله -جل وعلا- برأيه ولو كان مستندًا فيه إلى لغة؛ لأن اللفظ الواحد له معان متعددة، قد يكون هذا المعنى لا يليق بهذا السياق، وهذا الباب جدير بالتحرِّي خليق بالتوقِّي، لا بد فيه من توقيف، معنى هذه الآية كذا معنى هذا الحديث كذا عمن سلف؛ لأنه قد يطلق اللفظ ويراد به معناه المتبادر، وقد يطلق اللفظ ويراد به معنى ومغزى هو حقيقة شرعية فيه، لكنها غير الحقيقة المتبادرة إلى الأذهان، وقد يكون للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية؛ حديث: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع. قال: لا»، نفى هذا التفسير مع أنه حقيقة شرعية في المفلس، لكنه في هذا السياق المراد ليس بحقيقة هنا، بل حقيقة المفلس الشرعية في هذا السياق من يأتي بأعمال أمثال الجبال، يأتي وقد فعل كذا وفعل كذا، ثم تنتهي هذه الأعمال على الطريقة التي بينها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والمفلس في باب الحجر والتفليس من لا درهم ولا متاع، هذا مفلس، أو كانت ديونه أكثر من مقتنياته هذا مفلس يحجر عليه، وإذا جاء في باب الحجر والتفليس تعريف المفلس، هل يمكن أن تقول: هو من جاء بأعمال أمثال الجبال، يمكن أن تقول هذا؟ هو كلام نبوي: «أتدرون من المفلس؟» قال: كذا، يعني لو معلم مدرس يدرس الفقه في كتاب الحجر والتفليس، ثم سأل: من المفلس؟ ثم جاء طالب الجواب: من جاء بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وغيرها، المدرس يعطيه درجة أو ما يعطيه؟ ما يعطيه درجة وإن أجاب بجواب نبوي، لكن الحقيقة الشرعية في هذا المقام تختلف عن الحقيقة الشرعية في المقام الآخر، وكلها قد جاءت من مشكاة واحدة، فدلالة السياق أمر لا بد من مراعاته عند طالب العلم؛ ولذا بعض الآيات يقرر شيخ الإسلام وغيره أنها ليست من آيات الصفات؛ فمثلا: ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮊ هل هذه من آيات الصفات؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، لكن شيخ الإسلام قال: ليست من آيات الصفات، وقل مثل هذا في النصوص التي جاءت على هذا النحو، فالمسألة تحتاج إلى فهم السياق، والفهم الدقيق بنصوص الوحيين.
يقول: هل حديث: «لا تتفكروا في ذات الله» حديث صحيح؟
الحديث لا يسلم من كلام لأهل العلم كما تقدم في كلام شيخ الإسلام.
يقول: هل توصف الذات أو النفس بالمؤنث، أي يقال: الذات الإلهية أو النفس الإلهية؟
لا شك أن هذا الإطلاق باعتبار لفظه مؤنث باعتبار لفظه مؤنث، وباعتبار مدلوله مذكر، فيعامل اللفظ باعتبار لفظه؛ ولذا يعيدون الضمير على من أحيانًا بالجمع وأحيانًا بالإفراد باعتبار أنها من حيث المعنى جمع، ومن حيث اللفظ مفرد، واللغة تحتمل هذا.
يقول: كما تعلم فإن من الحضور طلاب علم مبتدئين أمثالي، فأرجو أن توضح الرأي الصحيح وتعيده؛ لكي نعرفه من أقوال العلماء الأخرى؟
هذا مطلب جيد، لكن أحيانا مع طول الاستطراد وترديد الكلام من أجل تقرير أصل المسألة وفهم المسألة أحيانًا يغفل عن بيان الراجح.
يقول: أشكل علي في الدرس الماضي مسألة صفة العزم، وأنها من صفات الله تعالى، وقولكم: إن العزم يكون بعد التردد في الشيء، فهل أوضحتم المسألة أكثر حتى يتبين لنا الصواب؟
أولا مسألة العزم نعرف أنه لا يوجد فيها دليل من الكتاب ولا من السنة المصرَّح برفعها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، العزم مرتبة من مراتب القصد تكون بعد الهاجس والخاطر وحديث النفس، والهم ثم العزم، العزم هو الذي يتقدم الفعل الذي هو التنفيذ، إذا عزم الإنسان لا يكون بعد ذلك إلا تنفيذ ما عزم عليه، فهو مرتبة من مراتب القصد، إضافته إلى الله -جل وعلا- محل خلاف بين أهل العلم، وساق القولين شيخ الإسلام وقال: من أهل السنة من لا يثبت صفة العزم، هذا القول الأول باعتبار أنه لم يثبت فيه خبر ملزم، ثم قال: والثاني -وهو الأصح- إثبات صفة العزم لله -جل وعلا-، وإذا ثبتت صفة لله -جل وعلا- فهي على ما يليق بجلاله وعظمته لا تحتمل التردد كصفة المخلوق، بل هي كما يليق بجلال الله وعظمته، وأم سلمة تقول: فعزم الله علي فقلتها، وهذا لا يقال من قبل الرأي وأثبته به هذه الصفة، والإمام مسلم في مقدمة صحيحه يقول: فإذا عزم لي تمامه فأول من يستفيد منه أنا، أول من يستفيد من الكتاب الذي يؤلفه الشخص مؤلفه.
الأسئلة بقي منها بقية لكن..
يقول: هل الخوارج يعتبرون من الصحابة، وهل الخوارج كفرة أم لا؟
جاء في وصفهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يمرقون يعني: يخرجون من الدين؛ ولذا سموا خوارج، لكن الخلاف في المراد بالدين؛ هل هو الدين بمعنى الإسلام، فخروجهم من الإسلام يعني انسلاخهم منه، وهذا يقتضي كفرهم، وقال بهذا جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الدين التدين، فهم يخرجون من التدين إلى الفسق، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى هذا، وأن الصحابة ما عاملوهم معاملة الكفار لما قاتلوهم على كل حال هذا..، هل هم من الصحابة إذا كانوا رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنين به؟ لكن من مات على هذا المعتقد؟ الصحابة يبرؤون من مثل هذا؛ لأن من الصحابة من ارتكب خطيئة، من ارتكب معصية، لكن المقرر عند أهل العلم أنهم جميعهم ثقات، وهذا ينافي أن يكون منهم المتلبس ببدعة وجد منهم الأخطاء لكن يوفقون للتوبة منها.
السؤال الثاني يقول: هل يجوز التصوير بالفيديو؟
التصوير بجميع أشكاله وأنواعه وآلاته داخل في نصوص المنع.
يقول: اقتراح يقول: تعلمون أن متن العقيدة الواسطية من المتون الأولى في الأسماء والصفات، والذي يراه الحاضر الدرس بين الحضور أن جزءًا منهم ليس باليسير مبتدؤون، وإن كان هناك بعض طلبة العلم المتقدمين، لكن أليست الأولوية للغالب؟
هذا اقتراح أحببنا طرحه، وأنتم أدرى، ولو وضع استبانة الدرس القادم وتمر على جميع الحاضرين بسؤال أو سؤالين لعمت الفائدة.
المقصود أن مفاد السؤال أن الكتاب كتاب مبتدئين، ومقتضى ذلك أن يكون الشرح على مستوى المبتدئين، أنا أطالب المبتدئين والمتوسطين والمتقدمين أن يحضِّروا قبل الحضور، وإلا لو شرحت الكتاب شرحًا يناسب المبتدئين، الشروح كثيرة منها المقروء ومنها المسموع يمكن أن يستفاد منه، لكن إذا حضر الطالب سواء كان مبتدئًا أو متوسطًا أو متقدمًا وقرأ في الشروح التي تناسبه ثم حضر لا بد -إن شاء الله- أن يستفيد، أما شخص يأتي خالي الذهن عن جميع ما يقال هذا فائدته لا شك أنها ستكون قليلة.
هذا سؤال يناسب طرحه الآن يقول: في الحموية -هذا من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في الحموية- يقول: فصلٌ ثم القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبما وصف به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو بما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا يتجاوز القرآن والحديث ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام- من غير تحريف ولا تعطيل ... إلى آخر كلامه رحمه الله، لا يوصف الله -جل وعلا- إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، هذا محل لا إشكال فيه، وليس السؤال عنه؛ إنما السؤال في كلام شيخ الإسلام الأول: وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث، هل ما وصفه به السابقون الأولون داخل في القرآن والحديث أو هو مصدر ثالث غير القرآن والحديث؟
أنا أقول: مادام الصفات توقيفية، فالسابقون الأولون لن يصفوا الله -جل وعلا- إلا بما وصف به نفسه، فيكون كلامهم له حكم الرفع مثلما قلنا في صفة العزم عن أم سلمة، فإذا ثبت هذا عن السابقين الأولين وقررنا أن هذا لا يمكن أن يقال بالرأي، قلنا: إن لهم مستندًا، قد يكون هذا المستند خفي علينا، وحينئذٍ يكون له حكم الرفع فيتجه كلام الشيخ رحمه الله.
أحسن الله إليك ..
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفو له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه -سبحانه وتعالى-، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثًا من خلقه، ثم رسله صادقون مصدوقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون؛ ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الصافات:180-182] فسبّح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلّم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- لما قدم بصحة مذهب السلف الصالح أهل السنة والجماعة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأنهم يؤمنون بما جاء عن الله على مراد الله -جل وعلا- وبأركان الإيمان كلها على ضوء ما جاء عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- وأن مما يجب الإيمان به، الإيمان بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام- من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقد يرد على لسان بعض المؤلفين في العقيدة تبديل التمثيل بالتشبيه يقولون: من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، وجاء عن هذا سؤال سائل يقول: ما الفرق بين التمثيل والتشبيه، ولِمَ لَمْ يذكر شيخ الإسلام التشبيه؟
يعني شيخ الإسلام آثر ما جاء نفيه في القرآن:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] فآثر هذه الكلمة؛ لأنها وردت في النص، وكلما كان الاستعمال في الاصطلاحات الشرعية مأخوذًا من نصوص الكتاب والسنة كان أقوى وأدق وأبعد عن الإيراد عليه؛ ولذا من قال: من غير تكييف ولا تشبيه، رُد عليه بأن التشبيه وجود وجه شبه ولو من وجه بعيد لأدنى مشابهة، يقال: تشبيه أدنى مشابهة، يقال: تشبيه، في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، ليس دونه سحاب، لا تضامون في رؤيته» هذا تشبيه، وهناك وجه شبه، وجه الشبه في الرؤية لا في المرئي، لكنه تشبيه من وجه، والتشبيه من وجه لا يعني مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه، وإذا جاء مثل هذا فيما بين الخالق والمخلوق ففيه تشبيه من وجه، ولا يعني أن المرئي مشابه للمرئي أبدًا في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير»، هل معنى هذا أن الإنسان إذا قدم يديه قبل ركبتيه صار بعيرًا، أو أشبه البعير في خلقته؟ لا، إنما في هذا الفعل أشبه البعير، فلا يبرك كما يبرك البعير، ومعروف المراد بالبروك المقصود أنه قد يوجد تشبيه من وجه لا يخل بالمراد، فليس التشبيه ممنوعًا من كل وجه بخلاف التمثيل، وهذا فيه من الدقة والخفاء ما يحتاج للانتباه الشديد لطالب العلم، مشابهة المخلوق للخالق في الوجود مثلاً؛ الخالق موجود والمخلوق موجود هذا وجه شبه بينهما، لكن هل هذا يقتضي التكييف والتمثيل أبدًا وجه شبه من بعيد، المقصود أن مثل هذا لا يقتضي تشبيه المشبه به من كل وجه، إنما يشبهه من هذه الحيثية، كون الخالق له وجه والمخلوق له وجه يشبهه في إثبات هذه الصفة، لكن هل هذه الصفة مثل هذه الصفة، التمثيل ممنوع يشبهه في إثبات هذه الصفة لكل من الخالق والمخلوق؛ فإذا كان مشابهة المخلوق للمخلوق في هذه الصفة لا تقتضي المماثلة فلا تقتضي المماثلة بين الخالق والمخلوق من باب أولى، فإذا كان الخالق له وجه كما جاءت بذلك النصوص القطعية والمخلوق له وجه، وأنواع المخلوقات لها وجوه؛ الإنسان له وجه، والحمار له وجه، والقرد له وجه، والذئب له وجه، والنملة لها وجه، والفيل له وجه، هل هذه الوجوه تتشابه، وجوه المخلوقات تتشابه، هي يشبه بعضها بعضا بأن الجميع له وجه، لكن مفردات هذه الوجوه لا مماثلة بينها؛ ولذا اختار الشيخ -رحمه الله تعالى- نفي التمثيل ولم يختر نفي التشبيه، بل يؤمنون أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فلا ينفون عنه..، الفاء هذه تفريعية فإذا كانوا يؤمنون بالله على الوجه الشرعي فإنهم لا ينفون ولا يحرفون ولا يكيفون ولا يمثلون، هذا تفريع على ما تقدم إذا كانوا يؤمنون بالله، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه يتفرع على هذا أنهم لا ينفون لماذا؟
لأن من مقتضى الإيمان إثبات ما أثبته الله لنفسه، فإذا نفوا عنه ما أثبته لنفسه هل يكونون آمنوا به؟ يعني من مقتضى الإيمان به الإيمان بصفاته، وإذا آمنا بما أثبته لنفسه من صفات هل معنى هذا أنهم ينفون؟ هذا تناقض، من مقتضى الإيمان به: الإيمان بصفاته، الإيمان بما ثبت عنه، بما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، فإذا نفوا عنه ما وصف به نفسه فإنهم حينئذٍ لم يؤمنوا به الإيمان الصحيح؛ لأن الاعتقاد إن طابق الواقع فصحيح، وإن خالف الواقع فهو باطل فاسد، قد يقول قائل: أنا أؤمن بالله -جل وعلا-، لكن تؤمن به إيمانًا يطابق الواقع أو يخالف الواقع؟ إن كان يطابق الواقع على ضوء ما جاء عنه وعلى لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- فهو إيمان صحيح واعتقاد صحيح، وإن كان إيمانك بالله على وجه يخالف ما جاء عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- فهو اعتقاد فاسد، فهذا تفريع على ما تقدم، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه؛ لأنه أثبت لنفسه أسماء وأثبت لنفسه صفات فمن ينفي عنه ما أثبته لنفسه لم يصح أنه آمن به على مراده، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، والتحريف إمالة الكلام عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه اللفظ، ولا دليل على إرادة هذا الاحتمال، لكن لو دل الدليل على إرادة هذا الاحتمال المرجوح سميناه تأويلاً هم يسمون تحريفهم تأويل، المبتدعة يسمون تحريفهم تأويلاً، كيف أنتم تقولون: التحريف إمالة الكلام عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر، التأويل صرف الكلام عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، فهم يسمونه تأويل من هذه الحيثية؛ إذا جاء عن الله -جل وعلا- وصف من أوصافه كاليد مثلاً اليد الحقيقية وجاء في لغة العرب إطلاقها على النعمة، هم يقولون: اليد الحقيقية احتمال راجح والنعمة احتمال مرجوح، فنحن نعمد إلى الاحتمال المرجوح وهذا هو التأويل، نقول: لا، إن كان عندكم دليل يقتضي ترجيح هذا الاحتمال المرجوح وإرادة هذا الاحتمال المرجوح من كتاب أو سنة قلنا: تأويل، وإذا كان ما عندكم دليل قلنا: تحريف، {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}[النساء:46] وليس بتأويل؛ لأن من التأويل ما هو مقبول، والتأويل يطلقه أهل العلم ويريدون به ما يرادف التفسير، وكثيرًا ما يقول إمام المفسرين ابن جرير الطبري: القول في تأويل قول الله -جل وعلا-، ويريد بذلك التفسير، ويطلق التأويل على ما يؤول إليه الأمر، ويطلق أيضًا على تحقق الوعد مثلاً أو الخبر تحققه يسمى تأويلاً {هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ}[يوسف:100] المقصود أن التأويل له مستند وله مرجِّح، فإذا خلا عن هذا المرجح قلنا: تحريف؛ ولذا قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: {ولا يحرفون الكلم عن مواضعه} جمع موضع، والتحريف يكون في اللفظ كما في قول الله -جل وعلا- {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:164] قال المبتدعة: وكلم اللهَ موسى يجعلون المتكلم موسى والمكلَّم هو الله -جل وعلا-، هذا تحريف لفظي، تحريف معنوي صرفهم معنى الكلام المشتمل على الحروف والأصوات إلى معنى وهو لغوي وهو التجريح، كلم الله موسى: جرحه، يقولون: بأظافير الحكمة، هذا تحريف معنوي، وذاك تحريف لفظي، فلا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته {وما يعلم تأويله إلا الله} يعني: المتشابه الذي استأثر الله بعلمه على الخلاف في الوقف إذا كان الوقف على لفظ الجلالة {وما يعلم تأويله إلا الله} والواو استئنافية {والراسخون في العلم} استئناف بمعنى: أنهم لا يعلمون تأويل المتشابه، فمثل هذا لن يطلع عليه أحد، لا يعلمه إلا الله، ويكون حينئذٍ موقف المسلم من مثل هذا هو موقف الراسخين: {يقولون آمنا به} الذي لا يدركه الإنسان إلا من طريق الله أو من طريق رسوله ولم يأت شيء يشرح له ذلك من طريق ومثله لو استغلق عليه معنى آية، وهذا من التشابه النسبي سببه القصور في الفهم، أو التقصير في البحث، أشكل عليك معنى آية، هل معنى هذا أنك تؤولها برأيك؟
تقول: الله أعلم، آمنا بما جاء عن الله، حتى تقف على ما يبين لك معنى هذه الآية، ومن القرآن ما لا يمكن أن يوقف على معناه وهو المتشابه، ونصوص الصفات يجعلها بعض العلماء وينسب ذلك للإمام مالك وهو منه بريء يجعلونها من المتشابه، والصحيح أنها من المحكم ولا تكون من المتشابه إلا على رأي المفوضة إلا عند من يقول بالتفويض، أما من يعتقد اعتقاد السلف الصالح من أن لها معاني معلومة، لكن الكيفية مجهولة تكون من المحكم، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ}[الأعراف:180] فهذا إلحاد في الأسماء، والإلحاد في الآيات يدل عليه قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت:40] والإلحاد مر بنا سابقًا أنه الميل والعدول، ومنه اللحد في القبر الميل به إلى جهة القبلة، والإلحاد في الأسماء هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها مأخوذ من الميل المذكور، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون، يكيفون يعني: يسألون عنها بكيف؟
ولذا لما سئل مالك عن كيفية الاستواء أثبت -رحمه الله تعالى- أن معنى الاستواء معلوم، لكن الكيفية مجهولة، والسؤال بكيف بدعة، والسائل مبتدع، الذي يسأل عن الكيفية يعني كيف تسأل عن شيء أخفاه الله -جل وعلا- لم يطلع عليه أحدًا؟ ومثل هذا لا يمكن أن تستعمل فيه الأقيسة لا يقيسون الله بخلقه؛ لأن المخلوق يمكن أن تدرك كيفيته بالمشاهدة وبالقياس على مثله ونظيره، يعني: إذا كان زيد أنت ما رأيت زيد وهو مثل عمرو وأنت تعرف عمرو، تعرف شيئًا من صفات زيد؛ لأنك عرفت نظيره، والله -جل وعلا- لا ند له ولا نظير، فكيف يقاس بغيره؟
ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه، والتمثيل اعتقاد أنها مثل صفات المخلوق وهو الذي جر المبتدعة إلى التعطيل؛ لأنهم اعتقدوا التمثيل، اعتقدوا أن الله -جل وعلا- مماثل لخلقه، ثم بعد ذلك قالوا: ليس كمثله شيء، ثم عطلوا من باب التنزيه، عطلوا، فهم أخطؤوا في البداية والنهاية حينما زعموا أن الخالق مثل المخلوق من خلال إثبات الصفات، ثم قالوا: مادام يشبه المخلوق والله ليس كمثله شيء إذًا ننفي هذه الصفات التي تقتضي المماثلة، فخطؤهم من البداية جرهم إلى الخطأ في النهاية، وهم في البداية عبدوا -حينما مثلوا- عبدوا صنمًا، وفي النهاية عبدوا عدما، كيف يتصور موجود بدون صفات؟ لا يمكن تصور وجوده ولا سيما أن هذه الصفات قد أثبتها الله لنفسه، وقلنا في درس سبق: إن هؤلاء المعطلة عليهم خطر عظيم يوم القيامة؛ إذا أتى الله -جل وعلا- بصفاته التي يعرفها المثبتون، فكيف يعرفه من ينفي الصفات عنه؟ ترى مثل هذا الخبر يجعل في النفس حرقة على مثل هؤلاء الذين نحوا هذا المنحا، وخالفوا النصوص ومآلهم في الآخرة الله أعلم عنه.
الصفات المكفرة أمرها معروف، البدع المكفرة أمرها معروف، والبدع التي دونها تحت المشيئة، لكن يبقى أن هذا خطر عظيم والزلة في باب الاعتقاد أمرها خطير، ليست مثل زلة في أحكام عملية أو أمور متعلقة بالعباد، فإذا جاء الله -جل وعلا- على الصفة التي ذكرها في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- كيف يعرفه من نفى الصفات؟ هذا إشكال كبير يعتريهم؛ ولذا هؤلاء المعطلة هؤلاء النفاة من الجهمية وأضرابهم كفرهم جمع غفير من أهل العلم:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في |
|
عشر من العلماء في البلدان. |
يعني خمسمائة عالم؛ لأن مفاد ما يؤول إليه كلامهم أنهم يعبدون عدما.
ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه –سبحانه- لا سمي له، أي ليس له مثيل ولا نظير {هل تعلم له سميًا} ولا كفو، الكفؤ والمكافئ والمساوي بمعنى واحد ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ ولا ند له، والند وهو أيضًا الأنداد الأمثال والنظراء، قريب من السمي، ولا يقاس بخلقه -سبحانه وتعالى- أي: لا يجوز استعمال الأقيسة التي تقتضي المماثلة والمساواة بين المقيس والمقيس عليه؛ لأنه لا مثل له ولا سمي له ولا ند له ولا نظير، فكيف يقاس؟ هل يمكن أن يقاس الشيء بغير مثله؟ لا بد من وجود وجه شبه يربط المقيس بالمقيس عليه، لو تقول مثلاً: اللبن حرام، لماذا؟ لأنه مشروب مثل الخمر، يعني هل وجه الشبه كونه مشروب يقتضي إلحاق الفرع بالأصل في الحكم؟ لم يشترك، لا يمكن، ما اشتركوا في العلة التي هي مناط التحريم، فإذا قلت: المخلوق مثل الخالق؛ لأنه موجود مثله، والله -جل وعلا- يقول: {ليس كمثله شيء} يمكن القياس بمثل هذا، لا يمكن القياس بمثل هذا؛ لأنه لا مثل له ولا ند له ولا سمي له ولا كفؤ له، فكيف يقاس هذا بما لا يماثله ولا يتفق معه في شيء إلا في مسمى الوجود؟ مثلما قارنا مثلما قسنا اللبن على الخمر، يعني بمجرد أنه مشروب، وهذه علة لا تقتضي المساواة والأقيسة أنواع، فهناك قياس تمثيل وهو إلحاق الفرع بالأصل؛ لوجود العلة وهذا لا يمكن أن يستعمل في حق الله -جل وعلا- لعدم المساواة في العلة، وهناك أيضًا قياس الشمول، وهو المعروف عند المناطقة بالكلي على الجزئي بواسطة اندراج ذلك الجزئي مع غيره تحت هذا الكلي، وهذا مبني على استواء، الأفراد المندرجة تحت الكلي يعني بحيث يشملها قاعدة كلية تتساوى أفرادها، ولا يمكن استعمال هذا القياس بالنسبة لله -جل وعلا-؛ لأنه لا يندرج مع غيره تحت قاعدة أو تحت عموم -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- فلا مساواة بين الله وبين خلقه، وهناك قياس يسمى قياس الأولى، وهذا يستعمل في حق الله -جل وعلا-، فإذا أثبتنا أي كمال للمخلوق، وأمكن أن يتصف به الخالق فالخالق أولى به من المخلوق لكن هناك من الكمالات بالنسبة للمخلوقين ما لا يمكن أن يتصف به الخالق، الولد كمال بالنسبة للمخلوق والعقم نقص بالنسبة للمخلوق، لكن هل الولد كمال بالنسبة لله، نقول: هذا الكمال الذي أثبت للمخلوق الله أولى به لا يمكن؛ لأن هذا نقص، وقد جاء النص على نفيه لم يلد ولم يولد.
يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، أي: لا يجوز استعمال الأقيسة من قياس التمثيل والشمول، وإن جاز استعمال قياس الأولى، كل كمال يتصف به المخلوق وأمكن وصفه تعالى به فهو أولى به، الكرم كمال بالنسبة للمخلوق، لكن الله -جل وعلا- أولى به عن الكرم المطلق، المخلوق أيضًا يمدح ويثنى عليه، والله -جل وعلا- له الحمد المطلق، وجميع الصفات التي وصف بها نفسه هو أولى بها -جل وعلا-، أيضًا كل كمال يمدح به المخلوق، فالنبي أولى به -عليه الصلاة والسلام- فمثلاً إذا تعارض عندنا نصان واحد من فعله -عليه الصلاة والسلام- والثاني من قوله، والقولي يتضمن ما هو أكمل من الفعلي، هل نقول: إن هذا الفعل من خصائصه والقول بالنسبة للأمة؟
فمثلاً غط فخذك في حديث جرهد، فإن الفخذ عورة، وفي حديث أنس حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- من فخذه، هل نقول: إن حسر الفخذ خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نقول: تغطية الفخذ كمال أو نقص؟ كمال إذا طلب من الأمة كمال فنبيها أولى بهذا الكمال، لا نقول إن الأمة يطلب منها الكمال والنقص يختص به النبي -عليه الصلاة والسلام- أبدًا؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- الأكمل والأعلم والأخشى لله -جل وعلا-، في حديث ابن عمر أنه رقي على بيت أخته حفصة فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يقبض بعام يقضي حاجته مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة، قالوا: هذا من خواصه -عليه الصلاة والسلام- من خواص تعظيم ما عظم الله -جل وعلا-، تعظيم البيت من أن يستقبل أو يستدبر ببول أو غائط، هذا كمال أو لا؟ كمال يطلب من الأمة ولا يطلب من نبيها الأكمل الكمال البشري، ما يمكن، لا بد أن نبحث عن وجه للجمع غير هذا، فلا يقاس -سبحانه وتعالى- بخلقه فإنه تعليل، هذا تعليل لصحة مذهب السلف الصالح، مذهب أهل السنة والجماعة، تعليل لصحة ذلك في إثبات ما أثبته لنفسه بالقيود المذكورة التي جاءت عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- وعدم قياسه بخلقه، فإنه أعلم بنفسه وبغيره، يعني لو كانت صفاته مشبهة لصفات المخلوق أو مماثلة لصفات المخلوق لبين ذلك؛ لأنه يعلم المخلوق هو الذي خلقه ويعلم المخلوق لقال من باب التوضيح والبيان أن صفة يده كصفة فلان كيد فلان؛ لأنه يعلم نفسه ويعلم المخلوق، فهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره.
طيب في حديث: «فإن الله خلق آدم على صورته» الله -جل وعلا- أعلم بنفسه وأعلم بالمخلوق وأعلم بغيره، هل نقول: إن صورة آدم على صورة الرحمن؟ أو نقول: إن لآدم صورة مشتملة من الصفات، نظير الصفات التي أثبتت للرحمن، يعني: آدم له وجه والله -جل وعلا- له وجه، وآدم له بصر، وآدم له سمع، وله يد وله رجل، والله -جل وعلا- كذلك، فإن الله خلق آدم على هذه الصورة التي فيها هذه الصفات، لكن هل يعني أن هذه الصورة مثل هذه الصورة من خلال هذا الحديث؟ لا، كما أننا نثبت أن لآدم يد ولله -جل وعلا- يد، لكن يد المخلوق ليست كمثل يد الخالق، كل له ما يخصه وإن اتحد الاسم، فإذا كان في الجنة فيها رمان، هل المقتضى أن يكون مسمى الرمان الموجود في الجنة مثل الرمان الموجود في الدنيا ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، لكن مجرد الاتفاق في الاسم، الاتفاق في الصورة لا يعني الاتفاق من كل وجه؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح: «أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر»، هل يعني هذا أن هؤلاء يدخلون بهذا الشكل المدور الذي لا يشتمل على عين ولا أنف ولا فم ولا شيء؟ هل هذه مطابقة ذي؟ هل يمكن أن يدخل أهل الجنة بهذه الصفة؟
لكن لهم صورة كما أن للقمر صورة، ومثل هذا يشكل معناه على كثير من الناس، وهذا لا شك أنه يحل الإشكال، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، أصدق قيلاً، هل يمكن أن يقال: إن الله -جل وعلا- خاطبنا بما نفهم وأخفى عنا الحقائق؟ يعني خاطبنا بشيء غير الحقيقة، الحقيقة أخفاها عنا؛ لأنا لا ندركها، أخفى عنا الكيفية؛ لأننا لا ندركها، لكن هل نقول: إنه أخفى عنا الحقائق كما يقول الباطنية؟ يعني أعطانا أسماء الصلاة مثلاً، الزكاة، الصوم، أعطانا هذه الأسماء، لكن هل معنى الصلاة عند الباطنية هي التي جاء شرحها بفعله؟ وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «صلوا كما رأيتموني أصلي»؟
لا، الصلاة عندهم تختلف اختلافا كثيرًا، يكون هذا خطاب للعوام بما يدركونه على قدر عقولهم، وإلا فالحقائق تختلف، نقول: لا يا أخي الحقائق هي الحقائق؛ لأنه -جل وعلا- أصدق قيلا؛ لأنه لو خاطبنا بما يخالف الواقع، الكلام بما يخالف الواقع صدق أو كذب، الذي يخالف الواقع كذب، والله -جل وعلا- أصدق قيلاً، وهو أيضًا أحسن حديثًا وأبين عبارة، ولا أبين ولا أفصح، ولا أبلغ من كلام الله -جل وعلا-، فهل نستطيع أن نستبدل بعض النصوص بغيرها لكونها أوضح؟ لا نستطيع؛ ولذا الإجماع على أن القرآن لا تجوز روايته بالمعنى ولا يجوز تبديل حرف منه بحرف آخر، نعم جاء في السنة أو جاء من أقوال أهل العلم، بل هو قول الجمهور أن الحديث تجوز روايته بالمعنى؛ لأنه ليس معجزًا بلفظه، ولفظه ليس معجزًا ولم يتعبد به كالقرآن وأحسن حديثا من خلقه، ثم بعد ذلك رسله المبلغون عنه الذين هم الواسطة بينه وبين خلقه، والمراد بالواسطة هنا فيما ينزل من الله -جل وعلا- لا فيما يصعد إليه من أعمال العباد، فإذا أثبتنا الواسطة بين الخالق والمخلوق فيما ينزل من الله -جل وعلا-، لكن هل نثبت واسطة بين الخالق والمخلوق فيما يرتفع إليه من أعمال العباد؟ لا، لا واسطة بين الخالق والمخلوق.
ثم رسله صادقون، مقتضى الرسالة الأصدق قيلاً، هل يمكن أن ينتقي من يبلغ عنه من لا يتصف بهذه الصفة؟ لأنك افترضت أن الأصل المرسل صادق، بل أصدق الناس ثم أرسل واحدًا عنده كذب ولو لم يكن كذوب وإنّما يكذب أحيانًا، هل يوثق بهذا المرسل بكلام المرسل الذي أرسله بواسطة هذا الكذاب؟ لا يمكن أن يوثق به فالذي هو أصدق قيلاً انتقى الصادق والصادقين المصدوقين، فهم -أعني الرسل- صادقون لا يقولون شيئًا يخالف الواقع، بل كلامهم كله مطابق للواقع، وهم أيضًا مصدوقون صدقهم من أرسلهم، وأيضًا هم مصدقون يصدقهم من سمعهم؛ لأنهم يأتون بالحق إلا من عاند وتكبر، فمثل هذا لا يأبه له ولا عبرة به في حديث ابن مسعود: «أخبرني الصادق المصدوق» والرسل كلهم صادقون مصدوقون صدّقهم الله -جل وعلا- وصدَّقهم بأن ألقى على أيديهم المعجزات التي تجعل الناس يصدقونهم، وأجرى على يديهم ما على مثله يؤمن أقوامهم، ولو لم يكن لنبينا -عليه الصلاة والسلام- من المعجزات إلا هذا القرآن العظيم بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"
الحديث لا يسلم من كلام لأهل العلم كما تقدم في كلام شيخ الإسلام.
لا شك أن هذا الإطلاق باعتبار لفظه مؤنث باعتبار لفظه مؤنث، وباعتبار مدلوله مذكر، فيعامل اللفظ باعتبار لفظه؛ ولذا يعيدون الضمير على من أحيانًا بالجمع وأحيانًا بالإفراد باعتبار أنها من حيث المعنى جمع، ومن حيث اللفظ مفرد، واللغة تحتمل هذا.
أولا مسألة العزم نعرف أنه لا يوجد فيها دليل من الكتاب ولا من السنة المصرَّح برفعها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، العزم مرتبة من مراتب القصد تكون بعد الهاجس والخاطر وحديث النفس، والهم ثم العزم، العزم هو الذي يتقدم الفعل الذي هو التنفيذ، إذا عزم الإنسان لا يكون بعد ذلك إلا تنفيذ ما عزم عليه، فهو مرتبة من مراتب القصد، إضافته إلى الله -جل وعلا- محل خلاف بين أهل العلم، وساق القولين شيخ الإسلام وقال: من أهل السنة من لا يثبت صفة العزم، هذا القول الأول باعتبار أنه لم يثبت فيه خبر ملزم، ثم قال: والثاني -وهو الأصح- إثبات صفة العزم لله -جل وعلا-، وإذا ثبتت صفة لله -جل وعلا- فهي على ما يليق بجلاله وعظمته لا تحتمل التردد كصفة المخلوق، بل هي كما يليق بجلال الله وعظمته، وأم سلمة تقول: فعزم الله علي فقلتها، وهذا لا يقال من قبل الرأي وأثبته به هذه الصفة، والإمام مسلم في مقدمة صحيحه يقول: فإذا عزم لي تمامه فأول من يستفيد منه أنا، أول من يستفيد من الكتاب الذي يؤلفه الشخص مؤلفه.
هذا مطلب جيد، لكن أحيانًا مع طول الاستطراد وترديد الكلام من أجل تقرير أصل المسألة وفهم المسألة أحيانًا يغفل عن بيان الراجح.
جاء في وصفهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يمرقون يعني: يخرجون من الدين؛ ولذا سموا خوارج، لكن الخلاف في المراد بالدين؛ هل هو الدين بمعنى الإسلام، فخروجهم من الإسلام يعني انسلاخهم منه، وهذا يقتضي كفرهم، وقال بهذا جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الدين التدين، فهم يخرجون من التدين إلى الفسق، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى هذا، وأن الصحابة ما عاملوهم معاملة الكفار لما قاتلوهم على كل حال هذا..، هل هم من الصحابة إذا كانوا رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنين به؟ لكن من مات على هذا المعتقد؟ الصحابة يبرؤون من مثل هذا؛ لأن من الصحابة من ارتكب خطيئة، من ارتكب معصية، لكن المقرر عند أهل العلم أنهم جميعهم ثقات، وهذا ينافي أن يكون منهم المتلبس ببدعة وجد منهم الأخطاء لكن يوفقون للتوبة منها.
التصوير بجميع أشكاله وأنواعه وآلاته داخل في نصوص المنع.
هذا اقتراح أحببنا طرحه، وأنتم أدرى، ولو وضع استبانة الدرس القادم وتمر على جميع الحاضرين بسؤال أو سؤالين لعمت الفائدة.
المقصود أن مفاد السؤال أن الكتاب كتاب مبتدئين، ومقتضى ذلك أن يكون الشرح على مستوى المبتدئين، أنا أطالب المبتدئين والمتوسطين والمتقدمين أن يحضِّروا قبل الحضور، وإلا لو شرحت الكتاب شرحًا يناسب المبتدئين، الشروح كثيرة منها المقروء ومنها المسموع يمكن أن يستفاد منه، لكن إذا حضر الطالب سواء كان مبتدئًا أو متوسطًا أو متقدمًا وقرأ في الشروح التي تناسبه ثم حضر لا بد -إن شاء الله- أن يستفيد، أما شخص يأتي خالي الذهن عن جميع ما يقال هذا فائدته لا شك أنها ستكون قليلة.
يقول: في الحموية -هذا من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في الحموية- يقول: فصلٌ ثم القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبما وصف به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو بما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا يتجاوز القرآن والحديث ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام- من غير تحريف ولا تعطيل ... إلى آخر كلامه رحمه الله، لا يوصف الله -جل وعلا- إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، هذا محل لا إشكال فيه، وليس السؤال عنه؛ إنما السؤال في كلام شيخ الإسلام الأول: وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث، هل ما وصفه به السابقون الأولون داخل في القرآن والحديث أو هو مصدر ثالث غير القرآن والحديث؟
أنا أقول: مادام الصفات توقيفية، فالسابقون الأولون لن يصفوا الله -جل وعلا- إلا بما وصف به نفسه، فيكون كلامهم له حكم الرفع مثلما قلنا في صفة العزم عن أم سلمة، فإذا ثبت هذا عن السابقين الأولين وقررنا أن هذا لا يمكن أن يقال بالرأي، قلنا: إن لهم مستندًا، قد يكون هذا المستند خفي علينا، وحينئذٍ يكون له حكم الرفع فيتجه كلام الشيخ رحمه الله.
هذا مطلب طيب، لكن ما أدري إيش المراجعة، هل هي مراجعة الشرح أو مراجعة رؤوس المسائل؟ ما أدري ماذا يراد من المراجعة؟ فإن كان المراد مراجعة الشرح فمسألة إعادة الشرح ليست بواردة، أصول المسائل وعناوين المسائل هذه يبينها السؤال الثاني لنفس السائل.
هذا صحيح ما جعل لرجل من قلبين في جوفه، الطريقة المثلى في التعلم أن يحضِّر الطالب قبل الحضور، يقرأ في البيت ويحفظ القدر المخصص لهذا اليوم، يحفظه الطالب في بيته ثم يراجع عليه الشروح، وإن كان هناك أشرطة مسجلة عليه سمعها، ثم بعد ذلك يحضر ويستمع فقط، إن تيسر له أن يسجل فهو أفضل لكي يفرغ من التسجيل على نسخته، المقصود أنه إذا حضر قبل الحضور وقرأ الشروح ووضع علامات على ما يشكل عليه، ثم حضر واستمع مع الأدب المراعى في مثل هذه المجالس، ويسأل عما يشكل عليه، ثم إذا خرج تدارس مع إخوانه وأقرانه، ويتذاكر معهم ما سمعوا، حينئذٍ يثبت العلم بهذه الطريقة. أما الطالب لا يعرف الكتاب إلا في الدرس ثم جاء إلى الدرس انشغل عنه بالتعليق، التعليق لا شك أنه من صميم الدرس، لكن يبقى أنه لن يستطيع أن يكتب كل ما يقال فيفوته كثيرًا مما يقال، وعلى هذا يترك التعليق إلا شيء يسير جدًا لبيان كلمة في بيان جملة، أما الاستطرادات وأوجه الخلاف وأقوال العلماء هذه لا يستطيع كتابتها إلا بتفويت ما هو أكثر منها، فأولاً المعول على الحفظ، ثم الفهم بقراءة الشروح وسماع الأشرطة، ثم بعد ذلك الحضور والأدب والاستماع، يستمع للشيخ، وإذا كان عنده إشكال يسأل عما يشكل عليه، ثم بعد ذلك يذاكر بما سمع مع جمع من زملائه يكون مستواهم متقاربًا.
لا يمكن الجمع بين الأقوال المختلفة اختلافًا حقيقيًا، اختلاف تضاد، لا يمكن الجمع بينها، واستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى ممنوع عند جمهور العلماء؛ إنما يستعمل في معنى واحد من معانيه ومعناه الآخر يكون فيما دل على إرادته السياق، قد يقول قائل: في كتب اللغة وفي كتب التفسير وفي كتب شروح الحديث يذكرون للكلمة الواحدة معاني كثيرة، فهم فسروا الكلمة بمعان متعددة، فلماذا لا نفسر الآية بالمعاني التي جاءت في كتب غريب القرآن أو في غريب الحديث أو كتب اللغة وغيرها؟ نقول: نعم تأتي الكلمة الواحدة في لغة العرب ويراد بها معان متعددة، لكنها لا تراد هذه المعاني في آن واحد؛ إنما يراد في كل موطن معنى يخصه يدل عليه السياق وترجحه القرائن؛ ولذا لا يصلح أن يفسِّر القرآن من هو عالم باللغة فقط أو من لديه الخبرة والدراية في كيفية الإفادة من كتب اللغة فقط، ولا يفسِّر حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من كانت لديه معرفة تامة بالسنة، كما أنه لا يفسِّر القرآن إلا من لديه معرفة تامة بالقرآن وما يخدم القرآن وما يعين على فهم القرآن، هب أنك أردت تفسيرًا وراجعت كتب اللغة وكتب الغريب، ثم وجدت أن هذه اللفظة من هذه الآية تطلق على معانٍ كثيرة، كيف تنتقي المعنى المناسب للسياق من هذه المعاني؟ لا تستطيع إلا إذا كانت لديك الخبرة بنصوص الكتاب والسنة وكيفية التعامل مع هذه النصوص، ذكرنا مرارًا أن الأصمعي وهو من أعلم الناس بلغة العرب ويحفظ ألوف مؤلفة من القصائد التي تشتمل على مئات الألوف من الأبيات من لغة العرب الصحيحة الفصيحة، ومع ذلك يسأل عن معنى الصقب الوارد في حديث «الجار أحق بصقبه» فيقول: أنا أفسر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والعرب تزعم أن الصقب هو اللزيق، فالكلام في كلام الله -جل وعلا- والمراد منه، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- والمراد منه بالتحديد قول عن الله -جل وعلا-؛ فإن كان بعلم فهو حق، وإن كان بغير علم فهو تقوُّل: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، وهذا من عظائم الأمور أن يقول الإنسان في كلام الله -جل وعلا- برأيه ولو كان مستندًا فيه إلى لغة؛ لأن اللفظ الواحد له معان متعددة، قد يكون هذا المعنى لا يليق بهذا السياق، وهذا الباب جدير بالتحرِّي خليق بالتوقِّي، لا بد فيه من توقيف، معنى هذه الآية كذا معنى هذا الحديث كذا عمن سلف؛ لأنه قد يطلق اللفظ ويراد به معناه المتبادر، وقد يطلق اللفظ ويراد به معنى ومغزى هو حقيقة شرعية فيه، لكنها غير الحقيقة المتبادرة إلى الأذهان، وقد يكون للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية؛ حديث: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع. قال: لا»، نفى هذا التفسير مع أنه حقيقة شرعية في المفلس، لكنه في هذا السياق المراد ليس بحقيقة هنا، بل حقيقة المفلس الشرعية في هذا السياق من يأتي بأعمال أمثال الجبال، يأتي وقد فعل كذا وفعل كذا، ثم تنتهي هذه الأعمال على الطريقة التي بينها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والمفلس في باب الحجر والتفليس من لا درهم ولا متاع، هذا مفلس، أو كانت ديونه أكثر من مقتنياته هذا مفلس يحجر عليه، وإذا جاء في باب الحجر والتفليس تعريف المفلس، هل يمكن أن تقول: هو من جاء بأعمال أمثال الجبال، يمكن أن تقول هذا؟ هو كلام نبوي: «أتدرون من المفلس؟» قال: كذا، يعني لو معلم مدرس يدرس الفقه في كتاب الحجر والتفليس، ثم سأل: من المفلس؟ ثم جاء طالب الجواب: من جاء بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وغيرها، المدرس يعطيه درجة أو ما يعطيه؟ ما يعطيه درجة وإن أجاب بجواب نبوي، لكن الحقيقة الشرعية في هذا المقام تختلف عن الحقيقة الشرعية في المقام الآخر، وكلها قد جاءت من مشكاة واحدة، فدلالة السياق أمر لا بد من مراعاته عند طالب العلم؛ ولذا بعض الآيات يقرر شيخ الإسلام وغيره أنها ليست من آيات الصفات؛ فمثلا: ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) هل هذه من آيات الصفات؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، لكن شيخ الإسلام قال: ليست من آيات الصفات، وقل مثل هذا في النصوص التي جاءت على هذا النحو، فالمسألة تحتاج إلى فهم السياق، والفهم الدقيق بنصوص الوحيين.